أجمع مسؤولون وخبراء عرب على ضرورة تحسين بيئة الاستثمار العربية، وتطوير البنية التشريعية والإجرائية والمؤسسية، بهدف تحسين الوضع التنافسي كدول جاذبة للاستثمار. الكويت: شدد المشاركون في "الملتقى العربي للاستثمار"، الذي بدأ فعالياته اليوم في الكويت ويختتمها غدًا الخميس، على أهمية قيام الدول العربية بتحرك شامل لسد فجوة جاذبية الاستثمار، وخصوصًا على صعيد الاستقرار الاقتصادي الكلي والحوكمة والإدارة العامة والبيئة المؤسسية والاجتماعية وببيئة أداء الأعمال، وتطوير الكفاءة الإنتاجية ورأس المال البشري والتنمية التكنولوجية والبحث والتطوير. وأكد الملتقون في الملتقى ضرورة إنشاء مراصد للاستثمار، وقواعد بيانات تفصيلية ودقيقة ومحدثة دوريًا للاستثمارات الاجنبية المباشرة، وتوزيعها القطاعي والجغرافي، وذلك حتى تتمكن من وضع خطط وبرامج استثمارية وترويجية مجدية وفعالة. وأعربوا عن أملهم في نجاح هذا الملتقى الذي ينظم بالتعاون بين المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وائتمان الصادرات، والمعهد العربي للتخطيط، وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر في دولة الكويت. مسؤولية الجميع في كلمته التي افتتح بها أعمال الملتقى،قال رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح إن الكويت، وبالتنسيق مع الدول العربية الشقيقة بشكل ثنائي وجماعي، تحرص على مساندة كل المبادرات التي تستهدف تعزيز التعاون العربي في مختلف المجالات، لاسيما القضايا الاقتصادية ذات البعد التنموي، وفي مقدمها قضايا الاستثمار التي تعد ركيزة النمو والتشغيل والرفاهة. وأضاف المبارك، في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه وزير التجارة والصناعة أنس خالد الصالح، أن قضية توطين الاستثمارات العربية وجذب الاستثمارات الأجنبية والترويج لاستقطابه من جميع أنحاء العالم ليست مسؤولية جهات الترويج للاستثمار وحدها، "فالمتابع لكل التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال يدرك أنها ثمرة تكاتف وتعاون جميع الجهات ذات الصلة ولاسيما الجهات المعنية بالتخطيط والتشريع والبنى التحتية والمرافق، وكل ما يتصل ببيئة أداء الأعمال". دعم المبادرات وأكد المبارك أن الكويت تدرك أهمية توطين الاستثمارات العربية وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى دول المنطقة، قد دعمت العديد من المبادرات والمشروعات والمنظمات والتشريعات التي تصب في صالح تحقيق هذا الهدف. أشار المبارك إلى قيام الكويت بتطوير التشريعات الاقتصادية وإصدار تشريعات جديدة تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتوطين رأس المال المحلي، ومن ثم استقطاب الاستثمارات الأجنبية ومنها قانون الشركات الجديد، وقانون تشجيع الاستثمار المباشر، وقانون التراخيص التجارية، وقانون حماية المنافسة، والصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.وذكر أن الكويت أدركت أن فوائد الاستثمار الأجنبي المباشر تتجاوز قضية التمويل لتشمل نقل التكنولوجيا والابتكارات وسبل الإدارة والتسويق الحديثة، وصولًا إلى تحقيق أهداف التشغيل وتنويع مصادر الدخل والتنمية. تشريعات مطلوبة شدد المبارك على أن الحكومة تدرك أن تحسين بيئة الاستثمار عملية مستمرة، ترتبط بالتطوير المتواصل للبيئة التشريعية والإجرائية والمؤسسية، على أسس تراعي التطورات والمستجدات الإقليمية والدولية، وتركز على إكتشاف مواطن القوة والضعف والإمكانات والتحديات للتعامل الإيجابي معها، بما يؤدي في النهاية لتحسين وضعنا التنافسي كدولة جاذبة للاستثمار مقارنة بدول المنطقة والعالم. وأعرب عن أمله في أن ينجح الملتقى في البحث على استعراض مكامن القوة والضعف في بيئة الاستثمار العربية، والعلاقة بين الخطط التنموية والترويج للاستثمار، إنطلاقًا من حرص وزراء ومسؤولي التخطيط والاستثمار والقطاع الخاص على المشاركة الفعالة في الجلسات، والتوصل إلى توصيات علمية وعملية تساعد صناع القرار على المستويين الحكومي والخاص في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار، وسد الفجوة القائمة بين إمكانات الجذب التي تمتلكها دول المنطقة وبين التدفقات الاستثمارية الفعلية الواردة إليها. لسنا جاذبين للاستثمار أما عبد اللطيف الحمد، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، فاستشهد بافتتاحية فهد راشد الإبراهيم، المدير العام للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، في أول تقرير عن "مؤشر ضمان لجاذبية الاستثمار"، أشار فيها إلى أن الاقتصادات العربية لم تنجح في أن تصبح مواقع جذب مهمة للاستثمار الخارجية، فالبيانات المتوافرة تشير إلى فشل عربي مقلق في جذب الاستثمارات، باستثناء السعودية والإمارات، بحصولهما على 46% من الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للدول العربية للعام 2012، والبالغ 48 مليار دولار. وقال الحمد: "ما يزيد من خطورة ضعف جاذبية الاقتصادات العربية أن جميع دول المنطقة، نفطية وغير نفطية، بحاجة للاستثمارات الأجنبية لاستقطاب وتوطين التكنولوجيات الحديثة، والاندماج في الأسواق العالمية، وتوفير 50 مليون فرصة عمل خلال 20 سنة مقبلة، ومواجهة ضعف الموارد الطبيعية والنفطية والغازية. وأشار إلى أن جاذبية الاستثمار ناتجة من الكفاءة الاقتصادية العامة والقدرة التنافسية للبلد، والإنتاجية وجودة العمل، وانفتاح الاقتصاد وحرية الأسواق، وجودة الخدمات العمومية،وفاعلية القوانين، وطبيعة النظام السياسي، ومدى احترام الحريات الفردية والرأي المخالف. توفير الظروف أوضح الشيخ الدكتور مشعل جابر الأحمد الصباح، مدير عام هيئة تشجيع الاستثمار المباشر في الكويت، في كلمة ألقاها نيابة عنه مدير الادارة القانونية في الهيئة الدكتور برجس الهاجري، أن الملتقى يستهدف الحوار البناء بين المسؤولين عن التخطيط والتنمية من جهة والاستثمار والترويج له من جهة أخرى، ومراجعة الوضع القائم وتبيان حدود الثغرات وأسباب المعيقات، لتعزيز اطر التنسيق الجاد لتحسين جاذبية دول المنطقة للاستثمار. وحثّ على ضرورة توفير الظروف الموضوعية التي تجعل منطقتنا العربية اكثر جاذبية للاستثمار عبر تعزيز الشفافية في الإجراءات، والأخذ بأفضل الممارسات في التخطيط ووضع السياسات المتناغمة، والإفادة من تطبيق مخرجات البحث الاكاديمي الرصين في المجالات المتاحة لتجويد الممارسة على أرض الواقع. تحسن مناخ الاستثمار من جهته،أكد فهد راشد الإبراهيم، مدير عام المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات،أن مناخ الاستثمار في المنطقة شهد خلال النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحسنًا لافتًا، بفضل الإصلاحات العديدة التي طبقتها حكومات المنطقة على صعيد التشريعات والإجراءات وتحسين البنى التحتية وتفعيل دور القطاع الخاص في العمل التنموي. وترتب على ذلك تضاعف مجموع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى المنطقة خلال الفترة بين العامين 2005 و2010 إلى 436 مليار دولار، أي ما يزيد على 6 أمثال مجموع التدفقات الواردة خلال الفترة المناظرة لها بين عامي 1999و2004 والتي بلغت 69 مليار دولار. وأشار إلى تضاعف مجموع تدفقات الاستثمارات العربية البينية المباشرة بين العامين 2005 و 2010 إلى نحو 145 مليار دولار، وقال إن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية أثرت في قدرة بعض الدول العربية على استقطاب الاستثمارات الخارجية، وإجراء المعاملات التجارية والمالية الدولية. تفعيل القطاع الخاص أما مُدير عام المعهد العربي للتخطيط الدكتور بدر عثمان مال الله فقال إن التحديات المستقبلية تفرض على الدول العربية العمل على الوصول إلى السبل الناجعة والمبتكرة لتطوير مناخ الاستثمار لزيادة حجم وكفاءة الاستثمار الأجنبي والمحلي على حد السواء لسد فجوة الاستثمار القائمة ما بين الفرص والواقع. وأوضح أن مشاركة القطاع الخاص العربي في أعمال هذا الملتقى هو إضافة هامة، وذلك لما للقطاع الخاص من دور كبير في جهود التنمية العربية خاصة في مجال الاستثمار، داعيا لمواصلة تفعيل دور القطاع الخاص وتسهيل كافة الإجراءات أمامه ليقوم بدوره في تعزيز الجهود التنموية. إعادة النظر وفي أولى جلسات حوار الملتقى، طلب الدكتور وليد عبد مولاه، الخبير في المعهد العربي للتخطيط، إعادة النظر في سياسات الترويج وضرورة ربطها بالخطط التنموية، مع وجود التحديات التي تواجه هيئات الترويج للاستثمار في المنطقة،كعدم الاستقلالية ومحدودية الموارد المادية والبشرية، وضعف التنسيق مع الجهات الاخرى وغياب رؤية موحدة للتغيرات التشريعية والمؤسساتية اللازمة. وكشف رئيس البحوث والدراسات في المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات رياض بن جليلي عن أن الدول العربية حلت في المرتبة الخامسة عالميًا في مؤشر ضمان لجاذبية الاستثمار الصادر ضمن تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2012-2013. وشدد على أهمية قيام الدول العربية بالتحرك الشامل لسد فجوة جاذبية الاستثمارعلى صعيد الاستقرار الاقتصادي الكلي والحوكمة والإدارة العامة والبيئة المؤسسية والاجتماعية وببيئة أداء الأعمال، وتطوير الكفاءة الإنتاجية ورأس المال البشري والتنمية التكنولوجية والبحث والتطوير مع ضرورة إنشاء مراصد للاستثمار وقواعد بيانات تفصيلية ودقيقة ومحدثة دوريًا. مصر منفتحة وفي الجلسة الحوارية الثانية، التي ركزت على علاقة الخطط التنموية بالاستثمار، تحدث وزير التخطيط المصري الدكتور أشرف العربي عن إهتمام مصر بفتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في خطط التنمية منذ سنوات. كما أشار إلى الدور الذي تقوم به الخطط التنموية في إتاحة فرص محددة ومدروسة للقطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ مشروعات في قطاعات ومناطق متنوعة، تساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والعربية المباشرة إلى مصر، لاسيما في المشروعات القومية في قناة السويس وطريق سوهاج البحر الأحمر وغيرها.وأشاد العربي بالدعم الخليجي للاقتصاد المصري، وتم استخدام معظمه في تمويل إضافي بالموازنة الحكومية للعام 2013/2014 بقيمة تصل إلى 30 مليار جنيه، للانتهاء من أعمال المرافق في 35 منطقة صناعية ومساندة المصانع المتعثرة ودعمها لإعادة تشغيلها ودعم المقاولين والموردين وسرعة سداد مستحقاتهم واستكمال المشروعات القائمة، التي يتوقف إنجازها على التمويل. أما وزير التخطيط المصري السابق الدكتور عثمان محمد عثمان فأشار إلى أن نجاح مصر في الربط بين خطط التنمية والإصلاح من جهة وسياسات الاستثمار من جهة أخرى بداية من العام 2004، وحتى نهاية العقد الاول من القرن العشرين،أدى إلى ارتفاع واضح في تدفقات الاستثمارات الاجنبية المباشرة الواردة اليها. تونس والعراق وليبيا كشف وزير الشؤون الاقتصادية التونسي رضا السعيدي عن منظومة استثمار جديدة في بلاده تتجاوز الحوافز وتشمل كل العوامل الهامة ذات العلاقة بالاستثمار، على غرار تدعيم انفتاح السوق وإرساء دعائم اقتصاد المعرفة والتجديد وحماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية وإعطاء مزيد من الضمانات للمستثمرين وتكريس مبدأ الشفافية والمنافسة الشريفة. وأوضح وكيل وزارة التخطيط العراقية الدكتور سامي بولص أن خطة التنمية 2010 -2014 أعطت دورًا فاعلًا للقطاع الخاص بحدود 46% من إجمالي الاستثمار المخطط، كما تتوقع الخطة الجديدة 2013-2017 استثمارات خاصة محلية وأجنبية بحدود 76 مليار دولار وبحصة 21% من إجمالي استثمارات الخطة. ومن جهته، أكد وكيل وزارة التخطيط الليبية عبداللطيف البشير التونسي أن الرؤية المستقبلية لليبيا حتى العام 2030 تركز على دمج القطاع الخاص في تنفيذ وتمويل وإدارة مشاريع التنمية باعتباره شريكًا ومساهمًا فيها من خلال خطط تنموية متوسطة الآجل تأخذ في الاعتبار الاهتمام بالتنمية المكانية باعتبارها أساسًا لتحقيق التنمية الشاملة، والتركيز على التنويع الاقتصادي.