اشار معهد دراسات استخباراتي اميركي الى ان الكيان الصهيوني يعيش حالة من الخوف والهلع والتوتر منذ عقد الاتفاق النووي بين ايران واميركا، وانه يشعر بالقلق حيال فقد مكانته الاستراتيجية في السياسة الاميركية. واشنطن (فارس) نشر موقع "ستراتفور" الاستخباراتي الاميركي مقالا بقلم رئيسه التنفيذي جورج فريدمان اشار فيه الى ان الكيان الاسرائيلي أعرب عن قلقه حيال الاتفاق الأميركي الإيراني الاولي، ذلك الاتفاق الذي من شأنه نظريا، الغاء الحظر المفروض على طهران، وانهاء برنامجها النووي واضاف: من المتوقع ان تظهر مثل هذه الهواجس، ولكن من غير الواضح ما الذي يقلق الحكومة الإسرائيلية؟ وكيف ستغير استراتيجياتها المستقبلية؟. * حزب الله لا ينوي خوض حرب اخرى مع "اسرائيل" ؛ ويصف فريدمان الوضع الاستراتيجي للكيان الصهيوني في الوقت الراهن بالممتاز، حيث انه وبعد سنتين من التوتر، لازالت معاهدة السلام مع مصر على حالها، وسوريا تعاني من حرب أهلية لا حلول لها ويقول: قد تبرز تهديدات ارهابية محتملة من هناك، ولكن احتمال وجود اي تهديد استراتيجي شبه معدوم. فلا يبدو في لبنان بأن حزب الله مستعد لخوض حرب جديدة مع "إسرائيل"، بالرغم من تطوير قدراته الصاروخية. كما ان الحكومة الاردنية التي تتناغم مع تل ابيب ستصمد امام الضغوط التي تمارس عليها من قبل المعارضة السياسية. وبتعبير آخر، فان الظروف التي كانت موجودة حين ابرمت اتفاقية كامب ديفيد للسلام، لازالت على حالها، وحدود "إسرائيل" محمية من الهجوم العسكري التقليدي، اضافة الى ذلك فان الفلسطينيين منقسمون في ما بينهم، ومع أنه من الممكن ان تتكرر هجمات صاروخية غير مؤثرة من غزة، ولكن ليس هناك احتمال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. * ايران النووية، الهاجس الاساسي ل"اسرائيل"؛ ويتابع الكاتب بالقول: لذلك فان القوات الاسرائيلية لا تواجه اي تهديد فعلي في المنطقة، باستثناء احتمال أن تطور إيران قنبلة نووية، وتستخدمها لتدمير "إسرائيل"، قبل أن تستطيع الاخيرة او الولاياتالمتحدة الوقاية من هذه الضربة. طبعا ان توجيه اي ضربة نووية لتل ابيب ستكون مدمرة ل"إسرائيل"، ورغم ان هذا الاحتمال غير وارد الا انه يبقى مصدر قلق كبير لها. ولذلك نرى ان تقدم البرنامج النووي الإيراني تحول الى بديل لجميع الاولويات الامنية لهذا الكيان. ويعتقد مسؤولو الكيان الصهيوني بحسب المقال ان على حلفائهم ايضا مشاركتهم هذه النظرة. ويقول الكاتب انه يمكن تفهم هذه المسالة كاستراتيجية اساسية، ولكن ليس من الواضح كيف ستستفيد منها. كما انه ليس من الواضح كيف سيؤثر استخدامها على العلاقات بين الولاياتالمتحدة و"اسرائيل" التي لا يمكنها الصمود امام ايران بدون دعم اميركا. * رغبة تل ابيب بالمحافظة على علاقاتها مع واشنطن ؛ ويشير الرئيس التنفيذي لمعهد ستراتفور الى ان الكيان الصهيوني يتفهم جيدا بانه مهما تكون الاوضاع الامنية الراهنة لصالحه، الا انه لا يمكن تخمينها ويضيف: قد لا تعتمد "إسرائيل" على امريكا بشكل كبير في هذه الظروف، ولكن هذه الاوضاع قد لا تدوم طويلا. لذلك تسعى "إسرائيل" الى ان تحافظ على علاقاتها مع الولاياتالمتحدة، مع ضمان بألا تصبح إيران دولة نووية. لان أي إحساس بأن الولاياتالمتحدة ستتنصل عن التزاماتها نحو "إسرائيل"، أو تسمح لايران بامتلاك السلاح النووي، سيؤدي الى تأزيم الاوضاع. رد الفعل الاسرائيلي تجاه المفاوضات (الاستياء الشديد والادانة العلنية) يجب ان يفهم في هذا الاطار، كما يجب دراسة الفرضيات التي ورائها. والحقيقة ان ايران لا تملك تكنولوجية الدفع المتطورة لاستخدام السلاح النووي، ولا القدرة على توفير المادة النووية الكافية حتى الان، ولا حتى خلال الشهور الستة القادمة. كما لا يمكن لإيران أن تطور سلاحا نوويا بدون تجربته تحت الأرض، وان حاولت، سيفشل أي هجوم نووي، ولينتهي برد فعل أميركي مدمر. كما ان مسالة نقل هذا السلاح له محاذيره. * هل تملك ايران القدرات اللازمة للهجوم على "اسرائيل"؟ ؛ - اكثر من اليورانيوم ويعتقد الكاتب ان ايران لا تمتلك حاليا سلاحا نوويا فعالا، لان تخصيب اليورانيوم خطوة ضرورية لصناعة القنبلة النووية ولكنه ليس كافيا. لان امتلاك السلاح النووي هو خطوة تتعدى مسالة اليورانيوم. فالسلاح مجموعة معقدة من التقنيات، ومنها الانظمة الكهربائية ومعدات الاستشعار، ونظرا الى الفترة التي كرستها ايران لعملية التخصيب، لايبدو انها سيكون بمقدورها الوصول الى هذه المرحلة في الامد القريب. هذا فضلا عن العقبات الاخرى التي تعترض طريقها. وعلى هذا الاساس فان النظرية القاضية بان ايران يمكنها انتاج السلاح النووي اذا ما سرعت وتيرها نشاطاتها السرية لا تبدو معقولة. * سلاح الجو الاسرائيلي لا يملك القدرات اللازمة لشن هجوم متزامن على منشات ايران ؛ - رد فعل متزن ويعتقد الكاتب ان احد اسباب عدم قيام الكيان الصهيوني بشن غارة على منشات ايران النووية وتنصل اميركا عنها، هو انه لازال على ايران ان تقطع شوطا طويلا لحيازة السلاح النووي. والدليل الاخر هو صعوبة القيام بمثل هذه الخطوة. فالقوة الجوية الاسرائيلية هي اعجز من ان تقوم بهجوم متزامن على المنشات النووية الايرانية، هذا فضلا عن تحصيانتها المتينة التي لايمكن تدميرها بالاسلحة التقليدية. * الكيان الصهيوني يدرك جيدا بان اي خطوة عسكرية ضد ايران ستبوء بالفشل ؛ بعد اقصاء خيار الغارة الجوية لا يبقى امام الكيان الصهيوني بحسب المقال سوى استخدام القوات البرية الخاصة. وهذا الامر فضلا عن الخسائر البشرية المحتملة يواجه عقبة اخرى وهي عدم الاطمئنان حيال تدمير جميع المنشات النووية الايرانية. فقد تكون هناك منشات (بحسب زعم المقال) لم تكشف عنها ايران. وبالتالي فان العملية ستكون فاشلة. ويعتقد الكاتب بأن عدم استهداف الكيان الصهيوني للمنشالت النووية الايرانية، يعود الى قناعة هذا الكيان بان تطلع ايران النووية، لازال بعيد المنال. هذا فضلا عن ان الاميركيين وجدوا فرصتهم في عدم وجود السلاح النووي الإيراني، مع نجاح تأثر الحظر الاقتصادي، كما وجد أيضا الإيرانيون فرصتهم للتقدم لموقع افضل، بعد المعاناة الاقتصادية. والحقيقة بأن ما كانت تتمناه الولاياتالمتحدة هو التفاهم مع إيران، لخلق توازن بين الدور الإيراني، ومع باقي الدول الأخرى في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ولدرجة ما، "اسرائيل". وكما استدلينا فان اميركا "ما زالت" مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط، ولكنها في نفس الوقت لا تريد استخدام اية قوة عسكرية فيها، كما تريد ان يكون لها علاقات عديدة في المنطقة، وليس فقط مع "اسرائيل"، والسعودية. * رد فعل الكيان الصهيوني حيال مفاوضات ايران واميركا ؛ ويشير فريدمان الى ضرورة تفهم رد الفعل الصهيوني حيال المحادثات الأميركية الإيرانية بناء على هذه الرؤية ويقول: "اسرائيل" تعرف فعلا بأن الملف النووي الايراني، ليس مشكلة آنية، كما أنه ليس هناك فرصة لنجاح اية عملية عسكرية، لذلك اقتنعت إسرائيل بأن الحل هو في المفاوضات، فهي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن توقف المشروع النووي الإيراني. لذلك اعتبرت طريق المفاوضات والانتظار ستة شهور أخرى قد يكون هو الحل الوحيد في هذه المرحلة. * المفاوضات تحمل في طياتها تهديدا استراتيجيا للكيان الصهيوني ؛ لايمكن للصهاينة وفقا للمقال بان يشيدوا بالوضع الراهن بكل سهولة، لان المفاوضات تحمل في طياتها تهديدا استراتيجيا لكيانهم. "اسرائيل" تعتمد بشكل كبير على الولاياتالمتحدة، ورغم انها لم ولمن تشعر بالارتياح حيال العلاقات بين واشنطن والرياض الا انها لم تستطع القيام باي خطوة، لذلك تأقلمت مع الوضع. لكن الاسرائيليين يدركون جيدا بان نتيجة هذه المفاوضات، ان كانت ناجحة، ستعني اكثر من تبادل البرنامج النووي في مقابل الغاء الحظر، فهذه المفاوضات ستعني بداية تعاون استراتيجي مع ايران. لقد كان لامريكا تعاونا وثيقا مع ايران حتى عام 1979. وكما بينت مبادرة نيكسون وكيسنجر مع الصين، فان الايديولوجية يمكن ان تتسم بالمرونة حيال الحقائق الجيوسياسية. وببساطة إيران بحاجة للاستثمارات الأجنبية، والشركات الأميركية ترغب بالاستثمار فيها. وبشكل معقد فان ايران تحتاج الى التاكد بان العراق لن يضر بمصالحها، وان روسيا و تركيا لا يشكلان تهديدا لها، ولن يضمن لها ذلك إلا الولاياتالمتحدة (حسب تعبير المقال). وفي نفس الوقت تريد الولاياتالمتحدةايران قوية، لاحتواء الدعم السعودي للمتمردين السنة، ولتقويض السياسات التركية في الشرق الاوسط، ولتذكر روسيا بأن القوقاز وعلى وجه الخصوص اذربيجان لا يواجهان اي تهديد من الجنوب ويمكنها التركيز على الشمال. ويعرب الكاتب عن اعتقاده بان اميركا تسعى الى بلورة منطقة متعددة الاقطاب من اجل تحقيق استراتيجية توازن القوى بدلا من قوة اميركا. * نظرة على آفاق العقد المقبل للكيان الصهيوني ؛ ويشير فريدمان الى انه بدا مقاله بالتنويه الى الوضع الامني الاسرائيلي في الوقت الراهن، الا انه يستنتج من خلال نظرة بعيدة لعقد قادم، بان "اسرائيل" لا يمكنها ان تفترض بقاء هذه الاستراتيجية على حالها في المستقبل. فمستقبل مصر غير معروف، ومجيء حكومة مصرية معادية ل"إسرائيل" الى سدة الحكم امر غير مستبعد، سورياولبنان تبدو منقسمة اليوم، لكن ليس من الواضح الى ان سنؤول هذه الاوضاع. كما لا يمكن التخمين هل ستبقى الأردن مملكة هاشمية بعد عقد من الزمن، أم ستتحول إلى دولة فلسطينية. ومع أنه لا تملك ايا من هذه الدول قوة عسكرية بارزة، الا ان القوات المصرية التي كانت تعيش اواضعا مأساوية عام 1967 باتت قوة لا يستهات بها في عام 1973 بفضل دعم الاتحاد السوفيتي آنذاك. فقد تجد داعما آخر لها بعد عقد من الزمن. * الهاجس الاسرائيلي الحقيقي من المفاوضات ؛ ويلفت المقال الى ان الكيان الاسرائيلي اليوم ليس بحاجة الى الولاياتالمتحدة، ولا مساعدتها ويقول: لكن "إسرائيل" بحاجة الى هذه الامور كرمز للدعم الأميركي، وستبقى بحاجة اليها. والهاجس الإسرائيلي اليوم هو أن يتحول الدعم الأميركي المباشر في الأمس إلى قرار باستخدام الخدع الماكرة، الامر الذي سيشكل تهديدا حقيقيا لها لو احتاجت الى الدعم الأمريكي المباشر في يوم ما. لكن الخطر الأكبر يتمثل في انه كلما اتسع نطاق علاقات الولاياتالمتحدة في المنطقة، سيؤدي ذلك الى التقليل من "اسرائيل" في استراتيجيات اميركا. فلو حافظت اميركا على هذه العلاقات مع السعودية، وتركيا والاخرين، ستخسر "إسرائيل" دورها الرئيسي في السياسة الأميركية، وتخرج من اولويات سياستها، وهذا هو الهاجس الإسرائيلي الحقيقي من هذه المفاوضات. * التغيير الجذري لسياسات الولاياتالمتحدة حيال "اسرائيل" ؛ ويختم فريدمان مقاله بالقول ان الكيان الصهيوني ما هو إلا كيان صغير وضعيف، جرى تضخيم قوته لضعف جيرانه، وضعف جيرانه ليس ابديا ويضيف: كما تغيرت السياسات الأميركية باساليب عدة منذ عام 1948، فيبدو ان هناك تغيرات جديدة في الطريق. فقد كانت تعتمد "إسرائيل" على الدعم اللامحدود من الشعب والكونغرس الأميركي، وقد قل هذا الدعم خلال السنوات الاخيرة، وان لم ينقطع تماما. وما خسرته لحد الان هو شيئان: اولا، فقدت السيطرة على الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وثانيا فقدت سيطرتها على العملية السياسية الأميركية. فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يكره المحادثات الأميركية الإيرانية ليس بسبب السلاح النووي، بل بسبب التحول الاستراتيجي في السياسة الاميركية. ولكن يجب تقييم ودراسة ردود الافعال هذه، لأن تأثير "إسرائيل" على الولاياتالمتحدة انخفض بشكل كبير مقارنة بالماضي. /2336/ 2811/