أعادت صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة سبأ للأنباء، عدد الأحد 30 مايو 2010، مقالة نشرتها جريدة الشرق الأوسط للكاتب الأمريكي توماس فريدمان، ومحور المقال (الاتفاق الثلاثي: الإيراني التركي البرازيلي) ، وقد اعتادت "السياسية" نشر مقالات خفيفة تُضيع بها فرصة القارئ من المقالات الدسمة فقط لأن تلك المقالات تنتقد إيران وتؤيد فرض العقوبات عليها وتفلسف لذلك، وإيران تقف خلف الحركة الحوثية كما يحب مسئولو اليمن ان يفهم العالم ، وأحسب أنّ مقالات فريدمان هي دوماً من المقالات الدسمة بغض النظر عن التوافق أو الاختلاف عليها . بدا فريدمان يقطر حقداً في مقاله ليس بسبب الاتفاق وإنما بسبب ما يخفيه من تحالف صاعد بين الأطراف الثلاثة [ إيران ، تركيا، البرازيل] والدليل على ذلك أن فريدمان حاول النيل ليس من إيران فحسب بل وتركيا والبرازيل بل وجعل كل الصورة قبيحة وقد كان عنوان مقالته " لا شي أقبح من ذلك" وفي الواقع هو يقصد التحالف لا الاتفاق . بالمناسبة الاتفاق لم يعجب سادته في البيت الأبيض وأسماه الصهاينة "تلاعب" إيراني . أطلق فريدمان في مقاله على أحمدي نجاد وصف "مجرم إيراني سرق الفوز في الانتخابات ، وينكر وجود الهولوكوست" ، والسؤال: ما وجه الإجرام عند أحمدي نجاد ؟ هل لأنه أحرق غزة ؟ أم أنه دعم الإجرام الصهيوني وهو يحرقها بسلاحه؟ هل احتل العراق ودمرها وقتل أكثر من مليون عراقي! بالمناسبة أكبر ديكتاتور في أفريقيا عيدي أمين حاكم أوغندا الأسبق قتل في فترة حكمه فقط بين 80 ألف و500 ألف على حسب تقديرات المنظمات الغربية التي لم تُحصِ قتلى الشعب العراقي.. أم هل احتل نجاد أفغانستان أم أقام معتقل جوانتانامو أم سجن أبو غريب؟ كفاك هذياناً يا فريدمان لا شيء من ذلك. أنه مجرم في نظر توماس فريدمان لأنه يحافظ على قيم الثورة الإسلامية مثلما حافظ عسكر تركيا ورؤساؤها على العلمانية الأتاتوركية حتى غدا من الصعب الدفاع عنها أمام إفلاس متبنيها، لا بل أحمدي نجاد وإيران الثورة أقامت ديمقراطية عزّ نظيرها في المنطقة وعيبها ، عند فريدمان ، أن جماعته خسروها بجدارة. أحمدي نجاد مجرم عند توماس لأنه يصر على أن تمتلك بلاده سلاح الردع الذي يوقف به الغرور الصهيوني بالتفرد بامتلاك السلاح النووي في المنطقة وبالتالي العربدة فيها وقتل من تريد ولو كانوا أتراك على سفينة مساعدات إنسانية مدنية ، ومن ثم ماذا يسمي فريدمان من نهبوا فوز حماس في فلسطين ، إنهم بمعياره "مجرمون"!! أما حكاية الفوز في الانتخابات وسرقته فلماذا تسميها سرقة ؟ هل لأن نتيجتها خيّبت آمال تياركم المتأمرك داخل إيران بقيادة الرسام ...؟ ، لماذا لم تتحدث عن سرقات حقيقية للانتخابات وتفصيل رسمي للقوانين الانتخابية لا يسمح بالفوز سوى للحاكم وموالاته في دول عربية مثل مصر والأردن ، ان ذلك عندكم مباح لأن السرقة هنا وتفصيل القوانين المصادرة للديمقراطية هناك في صالح أدواتكم ومطاياكم في المنطقة ، وأحمدي نجاد ليس كذلك. لماذا والغرب قد أوقف انتخابات الجزائر 1989 لأن الفائز إسلاميون ، ولماذا وقفت أمريكا ضد فوز حماس في انتخابات شهد بنزاهتها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ، ثم تأتي تتحدث عن انتخابات وسرقة فوز فيها !!!. أما إنكار الهولوكوست فهو سبب حقيقي ثان يجعلكم تستميتون في موقفكم ضد إيران ، لأنكم بخرافة أعداد المحرقة التي استحقيتموها بجدارة استطعتم ابتزاز ألمانيا ولا تزالون بل وكانت وسيلتكم لإثبات مسكنتكم وبالتالي دعمكم ومؤازرتكم وأنتم في الواقع أكثر بني آدم شراً وفجوراً . ولم ينس فريدمان أن يسكب دموع التماسيح على حقوق الإنسان في إيران ،وفي "غمرة" مخاوفه من مسعى إيران لامتلاك سلاح نووي يكتب فريد مان "يقول الخبراء أن الأمر لن يستغرق سوى أشهر معدودة لجمع كمية كافية لصناعة سلاح نووي" وهو غافل أن إسرائيل تمتلك بالفعل هذا السلاح منذ عشرات السنين ، فلماذا حلال لإسرائيل امتلاكه وحرام على إيران؟ لا بل إنّ الغرب كان يؤيد امتلاك إيران الشاه ذلك السلاح لأن شاهها مضمون وسيخوّف فقط دول الخليج لتبقى متدثرة بالحضن الغربي ، ولا ينسى توماس أن يتحدث عن الضغط على إيران لفتح "منشآتها النووية أمام مفتشي الأممالمتحدة"، أما الكيان الصهيوني فهو فوق الشبهات وبالتالي لا داعي لتفتيش مفاعل ديمونا ولا أي مفاعل صهيوني آخر . ويتناقض فريدمان مع نفسه حين يقول : "في وجهة نظري تعتبر "الثورة الخضراء" في إيران أهم حركة ديمقراطية ذاتية ظهرت في الشرق الأوسط على مدار عقود" ثم يقول بعد سطر واحد فاضحاً "ذاتية" الثورة: "لقد بذلنا وقتاً وجهداً ضئيلين للغاية في تغذية هذا التوجه الديمقراطي" كيف يستقيم "ذاتي" و"بذلنا جهدا ووقتا في تغذية هذا التوجه"؟ وهو يسميه ضئيلاً ليبرر فشل الغرب في إنجاح ثورته (الذاتية) ، لم يكن ضئيلاً جهد الغرب في تدعيم ذلك التوجه بل جنّد له كل ما استطاع ولكن جرفت شعبية أحمدي نجاد ما حشده الغرب ، و يستغرب أحدنا أن يمتدح فريدمان ذلك "التوجه" لأنه "ديمقراطي"، فما معنى الديمقراطية هنا ؟ هل هي ديمقراطية التحلل من القيم والسقوط في مستنقع العري والرذيلة الذي تشجعه الصهيونية المنتمي لها فريدمان وتسميه "حقوق الإنسان" لتصبح في العالم إنسانية بلا أخلاق يسهل للصهيونية السيطرة عليها، ولو كانت الإجابة نعم فإنما هذا التوجه هدفه تخريب المجتمع الإيراني من داخله لصالح الصهيونية التي يهمها ذلك ليخلو لها الجو في "الشرق الأوسط"، أما إذا كانت الديمقراطية بما تعنيه من انتخابات نزيهة وحرية تعبير فهذه مقبولة عند فريدمان بشرط ان لا يفوز فيها إسلاميون على نحو حركة حماس أو الإخوان المسلمين في مصر ، أما أصحاب الثورة الخضراء فهم غير إسلاميين ، إنما هم متحررون وإلا لما حصلوا على دعم الغرب و عشق فريدمان الجارف. ويقول فريدمان بكل وضوح "سيكون العالم أكثر أماناً من دون مزيد من الأسلحة النووية، خصوصاً في الشرق الأوسط" . هو حديثه عن الشرق الأوسط أما باقي "العالم" فهو للتورية ، يكفي الشرق الأوسط أن تمتلك فيه إسرائيل سلاحا نوويا، أما الآخرون فلا داعي لذلك لأنهم ليسوا ديمقراطيين ولا يتحلون بروح المسئولية ولا الشفافية كما تصنع وتمتلك إسرائيل. ثم يذهب فريدمان إلى أنّ من يعمل على تأجيل وقوع السلاح النووي بيد إيران نجاد ويعمل على إنشاء نظام ديمقراطي حقيقي في إيران فإنه "يؤيد ما فيه الخير والرشاد" وهو يقصد خير ورشاد الكيان الصهيوني ، أما نحن فخيرنا عند ليبرمان ان نبقى دون سلاح نووي لتبقى إسرائيل تسومنا العذاب و تستضعفنا وتخرّب بيوتنا ومزارعنا ومساجدنا وتغتال أشاوسنا الأماجد. وختاماً تلك صفحة من تنظيرات فريدمان القائمة على أساس العاطفة المشبوبة المتبتلة في محراب الحركة الصهيونية .