صحابية جليلة وأنصارية وراوية ثقة ومجاهدة صابرة، فمن تكون هذه التي جمعت هذه الصفات النبيلة واختصت بها؟ إنها أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية، ابنة عمة معاذ بن جبل رضي الله عنهما أسلمت وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وروت عنه أحاديث وشهدت معه فتح خيبر، ولقد لقبت «برسول النساء» إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا اللقب قصة يحسن بنا أن نذكرها لما فيها من الفائدة لعامة النساء. روى مسلم بن عبيد أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وافدة النساء إليك، ان الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل وإن الرجل إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم الأجر والثواب؟ فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي إليها فقال: افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها (أي حسن مصاحبتها له) وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله، فانصرفت المرأة وهي تهلل. يا لها من رسالة خالدة، ومسؤولية عظيمة، فتنال المرأة أجر الجهاد وهي في مخدعها، وتنال ثواب الجماعة وهي في غرفتها، وتكسب شرف الجراح والاستشهاد في سبيل الله وهي لما تغادر بيتها، فجزاك الله عنا خيرا يا أسماء، فقد كنت سببا في تعليم النساء أقرب الطرق إلى الجنة ومن أقصرها وهو سبيل الطاعة. شهدت أسماء فتح خيبر مع من خرجن من النسوة لمداواة الجرحى ومناولة السهام وطبخ الطعام وخرجت مع جيش خالد بن الوليد لملاقاة الروم في معركة اليرموك وقتلت بعض جنود الروم بعمود خبائها، فلله درك أسماء! فقد نلت أجر الجهاد مرتين: الأولى وأنت في بيتك والأخرى في ساحة الوغى. امتدت بها الحياة حتى شهدت انتهاء الخلافة الراشدة وتكوين الدولة الأموية وتوفيت في خلافة معاوية في السنة الرابعة والخمسين للهجرة. رحم الله أسماء ورضي عنها فقد صدق فيها حديث رسول الله: «رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن حياؤهن من التفقه في أمور دينهن».