د. عبدالإله محمد جدع * في حديث الشيخان من حديث عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا) صحيح البخاري، ونحن نوجّه أبناءنا وبناتنا إلى تحرّى الصدق والبعد عن الكذب والافتراء والتدليس لأنها صفات مقيتة تورد صاحبها إلى الهلاك غير أن صنفًا من الناس قد جبلوا أنفسهم على الكذب والمراوغة والادعاء بالباطل والفتنة والعلو في الأرض فهؤلاء كيف يكونون قدوة لأبنائهم؟! وفي لقاء مع مجموعة من النشء الذين كانوا يحرصون على التغيير الإيجابي وتطوير الذات أحسست بعضهم كأن به حرجًا مما تم تداوله في اللقاء عن الصدق والخلق الحسن والتواضع والخوف من الله والسعي لإصلاح النفس وتهذيبها. * والبعض عندما انتحيت به جانبًا أحسست استحياءه من الخوض في النقاش بحماس وبعد استدراجه في الحديث الجانبي قال: إني افتقد القدوة الحسنة!! فعائلتنا تفعل أشياء لا تعدّها من الزلل أو الخطأ أو العيب ومنها الكذب واستمراؤه في الكلام اليومي والأفعال والمعاملات لتحقيق مآرب أو كسب منافع وتعدّ ذلك شطارة وحذاقة.. وكذلك الأمر بالنسبة لصفات ذميمة مثل الرشوة والتلاعب وأكل الحقوق والافتراء على الناس بل حتى بالحلف الباطل والعياذ بالله وهو يتساءل كيف يتسنى له أن يصلح حاله في ذلك الجو الفاسد؟! * وفي الحقيقة لقد أحزنني ما سمعت.. إذ أن الكذب والغش والخداع والافتراء على الناس والحميّة في الباطل والمراوغة صفات إذا تحلّى بها الكبار كانوا قدوة سيئة لمن حولهم وسوف يتحمّلون ليس وزر أفعالهم المقيتة فحسب بل وزر من هم مسؤولون عنهم وسوف تلحقهم والعياذ بالله تبعات سيئات ما يقترفه الأبناء والبنات من مخالفات سيئة يكون وزرها على من أساء في تربيتهم وأفسد سلوكهم وأخلاقهم جهلًا وباطلا، فكيف سيدافع أولئك يوم الحساب عن سوء أفعالهم؟! * إننا نعاني في مجتمعاتنا العربية اليوم ظواهر لم تكن موجودة في أسلافنا الذين عرفوا الإسلام الحقيقي وميزان أخلاق القرآن وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي حذر من الكذب والخداع والفتنة والبهتان وأكل الحرام وغيرها من الصفات الدنيئة التي لا تليق بالمسلم أبدًا.. إن الكثير من مظاهر الفساد اليوم والجرأة فيه والاستهتار بذنبه هو نتاج مخرجات أسر لم تحسن التربية فكانت أرضها بورًا أنبتت نباتًا سيئًا أفسد من حوله وأساء لأهله والمجتمع.. * والكذب هو من الصفات المقيتة التي نهى عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى في المزاح ناهيك عن مواقف الجدّ.. بل إن البعض ليتنصل من أفعاله وأقواله واتفاقاته بكل بساطة ويكذب دون خوف من الله أو حياء من الناس الذين يعرفون الحقيقة بل إن لديه الاستعداد لحلف اليمين والعياذ بالله ويعتبْره منجاة.. ومخرج ويتناسى عقاب الجبار يوم لا ينفع مال ولا بنون. * وعود على بدء فإنه من المخزي أن يتحلى الكبار بتلك الصفات الذميمة ولا يلقون بالًا لما يسببه سلوكهم من تقليد في أسرهم وأهلهم حتى يتربى الجميع على الكذب وسيّئ الأخلاق فينقلوا الصفات الدنيئة ويوّرثوها جيلًا بعد جيل.. حدّثني صديق يعمل في المحاماة عن قضية لأحدهم أضطر لأنه موظف أن يكتب المحل وما فيه وسجلاّته باسم ابن عمه الذي وثق فيه وعاهده أمام الله ثم أمام أبنائه.. غير أن الدنيا قد خدعته بزينتها فزينت في عينه التجارة التي راجت والمال الذي نمى وتكاثر فما كان منه إلا أن أنكر ابن عمه الذي قال له: ألم تعاهدني؟ ألم تقل رقبتي سدّاده ولن أخونك؟! * قال له بالحرف الواحد: (سحبت كلامي).. ولم يعبأ للقرابة أو الأخوة أو المواثيق وقبل ذلك لم يخشى الله الذي يحاسب على الذرة (ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) في وقت كان السلف يأتي الواحد منهم يبحث عن صاحب الفضل عليه في نماء ماله ليرد له حقه أضعافا مضاعفة وفاء للعهد وخوفًا من عقاب الله.. إنها أخلاق الكبار فالكبير ليس بعمره أو مكانته أو ماله أو جاهه بل هو الكبير بأخلاقه العالية وأفعاله وأقواله الصادقة وسلوكه القدوة وأثره في تقويم الأسرة وإرشاد الضال ونصح المخطئ وصدق شاعرنا المتنبي حين قال: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain