نرضى بقضاء الله وقدره ونخضع لأمره وحكمه، ونقر ونؤمن بأن الموت ومواراة الثرى واقع لا مفر منه ومشهد لامناص عنه (كل نفس ذائقة الموت...).. ولكن يظل الفراق والوداع صعبًا، ورحيل الأحبه فجيعة وحسرة. وبالأمس القريب غيب الموت عنا الوالد الحاني والحبيب الغالي سيدي الخال عبدالرحيم مبارك عويضة، فانطفأت لغيابه شمسنا، وأظلمت بعده ديارنا، وتألمت بموته قلوبنا، وانسالت لفراقه دموعنا فكادت العين من الحزن تفقد بصرها. ماذا تراني يا سيدي اكتب بعد رحيلك؟.. القلم يقطر ألما على فقدك، والحروف والكلمات حزينة لفراقك، أن الحزن الذي يسكن في داخلي عليك لا يخففه رثاء الشعراء، ولا سطور الكتاب والأدباء، ولا حتى دموع الرجال ولا بكاء النساء. عذرا للقارئ الكريم لهذه المقدمة الحزينة لكن لو علم مقدار وقدر هذا الرجل في نفسي وحتى في نفوس الكثيرين ممن عرفوه من مساكين طيبة الطيبة لما له من أياد بيضاء ومساع للخير كثيرة لعذرني على ذلك. لن أنساك أيها الغالي ولن ننسى أنا وأخواتي ووالدتي فضلك علينا فقد كنت الأب، الذي فقدناه ونحن صغار أكبرنا كانت في سن الرابعة وأصغرنا عمره لم يتجاوز الأربعين يوما وأذكر هنا ما قاله والدي له عندما اقترب أجله هؤلاء أبنائي أمانة عندك من بعدي فوالله كنت خير من أدى الأمانة.. كنت لنا الوالد الحنون والأب العطوف الرؤوف، ما شعرنا يوما باليتم والعوز وهو يرعانا، ما سألناه شيئا إلا أعطانا، وما ضقنا إلا وجدناه بعد الله أمامنا، وما طلبناه أمرا إلا بعون الله كفانا، ما لبس أبناؤه ثوبا إلا لامس جسدي مثله وأحسنه، وما أطعمهم طعامًا إلا ذقنا أفضله، حرص وصرف على تربيتنا وإسعادنا حتى كدنا والله نشعر أننا أسعد حظا ممن هم في كنف أبيهم. هنيئا لك سيدي الخال بذلك الدعاء الذي كانت تدعوه لك والدتي ونحن حولها أطفال تقوم في ظلمة الليل وترفع يدها للسماء وتقول الدعاء، الذي مازال في ذاكرتي (اللهم أعتق سيدي عبدالرحيم من النار كما أعتقني من سؤال الناس). ماذا عساني أكتب عنك بعد هذا يا أغلى الناس وأنا شرفت وسعدت بالقرب منك مند طفولتي حتى فارقتني.. لمحت فيك وتعلمت منك الكثير من الفضائل، رأيت فيك عزيمة وهمة الرجال، ونبل الأوفياء، وسخاء الكرماء وحكمة العقلاء، وحب المساكين والفقراء. لن أترك هده المناسبة الحزينة تمر دون أن أطلعكم عن بعض سيرتك العظيمة وتاريخك المشرف وخدماتك الجليلة لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهلها. دعوني أبدأ بذلك الموقف العظيم الذي وقفته والدته تلك المرأة العجوز التي ماتت وهي في الصلاة ساجدة عندما باعت سوارها وقدمت ريعه لابنها عبدالرحيم ليكرم ضيوفه من كبار تجار ينبع عندما زاروه ليقدموا له العزاء في والده.. فكان الموقف هدا دافعا وحافزا له في الحياة فأراد الله أن يكون بداية الخير له. أما الحديث عن أعماله الخيرية وخدماته الاجتماعية لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وساكنيها كثيرة ومن الصعب حصرها في هذه السطور، ولكن من اللائق ذكر الأجل منها وهي تأسيسه رحمه الله ومجموعة مباركة من أبناء المدينةالمنورة لصندوق البر الذي عنى بالصرف على فقراء وأيتام وأرامل المدينة. أما العمل الآخر الجدير ذكره للفقيد فهو قيامه هو ومجموعة من رجال طيبة بإنشاء جماعة تحفيظ القرآن الكريم، والذي أصبح رئيسًا ومشرفًا متطوعا لها خادما للقرآن وأهله عقودا من الزمن. كما كان رحمه الله عضوا في كثير من اللجان الخيرية والاجتماعية، وكانت له مساهماته الشخصية والمالية في خدمة هده اللجان ونذكر منها المجلس الإداري بالمنطقة، لجنة السجناء المعسرين، لجنة أصدقاء المرضى وغيرها من اللجان. أما الأعمال الخيرية والصدقات وجبر العثرات ومساعدة الأيتام والأرامل والفقراء فقد تخطت محيط أسرته الكبيرة إلى كثير من أسر المدينة، فوالله ما علمت أحدا في الأسرة أو خارجها قصده في عوز أو حاجة أو هو علم بها إلا بادر بمساعدته وتقديم يد العون له. وبعد.. إن ما ذكرته آنفًا هو غيض من فيض من سيرة ومسيرة هذا الفقيد الغالي. هنيئا لك أيها الغالي العزيز وأنت تموت بعد لفظ الشهادتين وتلاوة الآية التي كنت تحبها وترددها دائما (ويعفو عن كثير...) وكسبت شرف الموت في مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وصلي عليك في مسجده ودفنت في بقيع الغرقد بجوار أهل البيت وأصحابه رضوان الله عليهم جميعا. أسأل الله الكريم أن ينزل الصبر علينا بفقدك وأن يتولاك برحمته ويجزيك عنا وعن كل ما قدمت خير الجزاء وأن يجمعنا بك في الفردوس الأعلى من الجنة بجوار نبينا وحبيبنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم – وجميع المسلمين إنه سميع مجيب. ابنك المحب/ حسين حمزة محمود عويضة