تفاعل عدد كبير من القراء وما طرحناه هنا في نفس الصفحة لموضوع «التربية الجنسية «هاجس» يؤرق مضاجع الآباء والأمهات» بطرح المزيد من التساؤلات التي تتعلق بالموضوع. كما طلب عدد منهم المزيد من التوسع في طرح التساؤلات والموضوعات ذات الصلة، وفي مقدمتها حيرة الأبناء إزاء تفسير الظواهر المرتبطة بالثقافة الجنسية، باعتبار أن توصيل المعلومة الصحيحة للأبناء ذكوراً وإناثاً من أهم أساسيات التربية الجنسية السليمة. إن الابتعاد عن الحقيقة المجردة عند الإجابة على تساؤلات الأطفال التي تحتاج إلى مزيد من الفهم والربط والمعرفة، تزيد الأمور تعقيداً، وتخلف ورائها مزيداً من الضبابية والحيرة التي ترهق نفس الفتى أو الفتاة الذي يكتشف أنه وحيد تتلاطمه دوامة عارمة من المعلومات والثقافات التي تتيحها أمامه وسائل الاتصال الحديثة. من الطبيعي للغاية أن يمر الطفل في الفترة العمرية خلال طفولته المتأخرة ما بين السادسة والثامنة من العمر تقريباً، بمرحلة يطلق عليها «مرحلة وسوسة المعلومات». فهو يتوقف بطبيعة الحال طويلاً عند الأمور الغامضة ولا سيما التي يتعلق منها بذاته وأحاسيسه ومشاعره ووجدانه. ويسأل كثيراً ويطلب تفسيراً مقنعاً لكل ما تقع عليه عيناه أو يصل إلى سمعه. إن مخيلته لا تزال خصبة، وخالية، وواسعة، لذا نجده يدقق في صغائر الأمور، وقد يتوصل إلى النتائج على طريقته. وكثيراً ما يقع الآباء والأمهات في حرج أو حيرة في كيفية تفسير ما يتساءل عنه الطفل في هذه السن، وعما تصل إلى مداركه من مشاهدات وملاحظات خلال أجهزة التلفزيون أو «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن الأصدقاء أو من الزملاء بالمدرسة أو من الشارع، أو من خلال مناقشات عابرة أحياناً بين الأب والأم. خطورة الأمر أن تهيمن «ثقافة العيب والخجل» على نمط التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بما يعطل مدارك الأطفال واستيعابهم لطبيعة التغيّرات الفسيولوجية التي يمرون بها، ومن ثم يصل إلى أذهانهم معلومات مغلوطة أو مشوهة، أو مبهمة في هذه السن مما يسبب له خللاً في التصور والإدراك، مما يسبب تكوين اتجاهات سلبية لديه في كثير من الأحيان. ومن الطبيعي أن يواكب نموه تطور طبيعي في إدراك المفاهيم، ومن ثم يصبح في حاجة إلى معرفة المزيد لتفسير ما يجري حوله، ومن ثم يطرح تساؤلات قد تضع الآباء والأمهات في حرج شديد في أحيان كثيرة، ويتساءلون: «كيف نفسر، وكيف نجيب عن مثل هذه التساؤلات المحرجة؟». الحقيقة المجردة تقول فاتن خوري «جامعية وموظفة»: «لا يوجد أب وأم يسلمان من تساؤلات الأطفال المحرجة، وهم لهم كل الحق فيما يطرحون، وكلنا مررنا بهذا السن، ونعرف معاناته. إنني أحاول أن أوضح الحقيقة المجردة عند الإجابة عن تساؤلات أطفالي المباشرة بالشرح المبسط للتساؤلات التي تحتاج إلى مزيد من الفهم والربط والمعرفة، وعادة ما أواجه تساؤلات أخرى تزيد الأمور تعقيداً، وأحياناً أعجز عن التوضيح أو قول الحقيقة المجردة، عندما يسأل عن أمور سياسية أو دينية أو جنسية، وأتعجب كيف يسأل ابني مثل هذه التساؤلات. وربما يرجع ذلك إلى ما يسمعه من التلفزيون، حيث إنه المصدر الرئيس للأخبار أو المعلومات الآن، إلى جانب تأثير المناخ العام في الشارع وفي المدرسة وبين الأصدقاء في تزويد الطفل بمعلومات جديدة أو معلومات غامضة سرعان ما يسأل عنها فور عودته إلى المنزل. أحياناً تبرز الأفلام التاريخية أو الوثائقية أو الدراما التلفزيونية والأفلام كثيراً من التساؤلات والإجابات أيضاً التي تدور في مخيلة الطفل وتزوده بمعارف وثقافات كثيرة من خلال الموقف الدرامي، وقد يفشل الآباء في شرحها، ونحاول قدر إمكاننا توضيح الجوانب الغامضة بالشرح المبسط، لكن من المؤكد أن هناك صعوبات كثيرة تواجهنا في ذلك عندما يتطلب الأمر توضيح أمور مجردة أو جوانب يصعب على الصغير تخيلها، أو الربط فيما بينها، لكنني ما أستطيع أن أجزم به أن قدرة الأطفال على الاستيعاب والفهم تتطور بشكل سريع بفعل عوامل كثيرة أهمها انتشار وسائل الاتصال، والإنترنت، وتطور ثقافة هذا الجيل بشكل عام». ... المزيد