د. صادق القاضي. أقلقت الحوار وشغلت الرأي العام، قضية شكل الدولة هذه، بتوترها وتناقض تصوراتها وحلولها لما تبدو وكأنها باتت بالإجماع مشكلة بديهية، وهي الوحدة اليمنية، دون التأمل الموضوعي في حقيقة المشكلة، وعلاقتها بالحلول، وهل الوحدة اليمنية هي المشكلة حقا، لتكون الفيدرالية أو الكونفدرالية أو الانفصال حلولا لها؟! في البدء يجب التأكيد على أن الوحدة أو الانفصال خيارات سياسية نفعية، ولا علاقة لهما بالقداسة أو الإثم، وصولا إلى حيثيات الوحدة اليمنية، والتحقق من كونها مشكلة، وفي الواقع يكفي القليل من التأمل في التاريخ اليمني المعاصر لمعرفة أن اليمن يشكو تقريبا من كل أنواع المشاكل والأزمات المستفحلة ما عدى مشكلة الوحدة.! كانت الوحدة حلم النخب والجماهير اليمنية طوال القرن الماضي، وهدف ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وعندما تمت عام (1990م)، ترتب عنها طفرة هائلة من الحقوق والحريات الفردية والسياسية والمدنية.. ولأول مرة في التاريخ اليمني شهدت الحياة السياسية نظاما ديمقراطيا ودستورا مدنيا وانتخابات حرة ونزيهة.. نكسة( 94م)، بتداعياتها ومضاعفاتها الكارثية، لم تحدث بسبب الوحدة، بل بسبب الظواهر والقوى المتحدرة عن زمن التشطير: الفساد، الاستبداد غياب القانون، الاستقواء بالسلاح والعنف، التفكير الشمولي، القبلية، المناطقية، العنصرية، مراكز القوى التقليدية وتناحرها على السلطة.. هذه الظواهر هي التي أنهكت الشمال والجنوب قبل الوحدة، وبعدها، وما تزال تعصف بأي توجهات حقيقية لبناء يمن جديد. هذه الرواسب الشمولية والقوى التقليدية هي المشكلة الحقيقية لا الوحدة، وطالما أن الوحدة ليست مشكلة، ومن الصعب أن يثبت العكس، فإن الحديث عن فيدرالية أو كونفدرالية أو انفصال.. وأقاليم ومخاليف ومقاطعات.. حديث لا يهدف إلى حل المشكلة اليمنية، بل حل مشاكل القوى التقليدية المتحدرة عن زمن التشطير، وتوازن مصالحها. لا وجود لمشكلة حقيقية اسمها الوحدة اليمنية، وبالتالي فكل الحلول المقدمة لهذه المشكلة المفتعلة عبر الحوار تهدف إلى حل مشاكل أصحاب المشاكل وأزماتهم، لا حل مشاكل اليمن والشعب وأزماته الطاحنة، فالمشكلة اليمنية منذ صلح دعان حتى الآن، هي في غياب الدولة وليس في شكل الدولة، في التاريخ وليس في الجغرافيا، في النظام وليس في الوحدة. *صحيفة اليمن اليوم