الشارقة - محمد أبو عرب: فتحت ندوة "القصيدة العمودية، شكل فني أم مرجعية ثقافية؟" صباح أمس في بيت الشعر، إشكاليات الحداثة والتجديد العربي مقدمة قصيدة النثر كحالة إبداعية منفردة استوردها الحداثيون من الثقافة الغربية، ولم تأتِ كتطور طبيعي للقصيدة العربية . شارك في الندوة التي تأتي ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، الناقد د . سعد البازعي من السعودية، والناقد د . رائد عكاشة من الأردن، حيث قدم البازعي ورقة تحت عنوان "شجار البيت: عمود الشعر عمود الثقافة"، وقدم عكاشة ورقة بعنوان "محاولات تغريب القصيدة العمودية"، وأدار الندوة د . بهيجة مصري . واستند البازعي في ورقته إلى فكرة الاعتراض على التجديد بصورة عامة، ووجوده كظاهرة ثقافية في العالمين العربي والغربي، فقدم الخلافات التي دارت بين الشاعر عبد المعطي حجازي وعباس محمود العقاد في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كنموذج لتأكيد رؤيته على نشوء الاعتراض على التجديد إلى أن يثبت صلاحيته . واستشهد ببيت شعر لحجازي يهجو فيه العقاد ليفتح الباب على الخلاف بينهما، حيث يقول حجازي: "من أي بحر عصي الريح تطلبه/ إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه"، موضحاً أن هذا البيت جاء بمناسبة رفض العقاد لشعر التفعيلة الذي كان حجازي أحد رواده . واعتبر أن موقف العقاد وردة فعل حجازي يؤشران إلى بعض ملامح التكوين الثقافي العربي الحديث من خلال الإبداع الشعري والموقف منه، مكملاً سيرة الخلاف بين العقاد وحجازي وكيف رد حجازي على من يتهمه بأنه يهرب من الوزن ولا يجيد الكتابة فيه . وأشار د .البازعي إلى أن المثير في إشكالية كل من حجازي والعقاد هو سرعة لجوء الشعراء إلى الشعر الموزون المقفى من قبل شعراء يطالبون بتجاوز مرحلة القصيدة العمودية إلى شعر حر أو شعر تفعيلة اعتقدوا أنه أكثر قدرة على استيعاب متغيرات المرحلة ورؤى الإنسان، إلى غير ذلك من مرتكزات التحديث الشعري العربي . وأوضح البازعي أن الخروج على عمود الشعر، أو كلاسيكية القصيدة العربية، جاء منذ زمن مبكر إلا أنه واجه أيضاً الاعتراض والنقد والمواجهة، مؤكداّ ذلك بقوله: "كان أحد الذين خرجوا على بعض عناصر الشعر التي استحسنها العرب، أبو تمام، وأبو نواس، وابن الرومي، وغيرهم" مشيراً إلى أنه من الصعب العثور على شاعر كبير التزم بتلك العمودية . ولفت إلى أن ما التزم به الشعراء الكبار قديماً هو الوزن والقافية بناء على بحور الشعر المعروفة وإن نوّع بعضهم في تشكيلها وتشطيرها إلى غير ذلك كما في الموشحات الأندلسية، لكنهم خرجوا على الكثير من القواعد الأخرى . واستحضر البازعي بعض الخلافات التي دارت في الثقافات الغربية على آليات التجديد وأشكالها، ليؤكد رؤيته في وجود نوع من الاعتراض البديهي على أي جنس إبداعي جديد ومختلف عن المكرس، فقدم موقف الاتباعيين الأوروبيين في نهاية القرن الثامن عشر من الحركة الرومانسية . وقال: "حين جاء شعراء مثل وزردزورث وكيتس ليخرجوا على النمط السائد آنذاك، وهو نمط اتبع فيه شاعرا القرن السابق شكل القصيدة الكلاسيكية أو اللاتينية القديمة، واجههم واعترض عليهم الكثير من الاتباعيين الأوروبيين ولم يقبلوا خروجهم" . واختتم البازعي حديثه بالقول: "هذا التذمر من الجديد ليس حكراً إذا على ثقافة بعينها وإنما هو ردة فعل طبيعية تجاه التغيير الذي يخشى منه على القيم المستقرة للجمال والقواعد القارة للدلالة" . بدوره قدّم عكاشة رؤيته منطلقاً فيها منذ البداية على اعتبار قصيدة النثر شكلاً فنياً لا ينتمي إلى الثقافة العربي، ولا يعبر عن تطور القصيدة العربية، وإنما هي نتاج للحاق نخبة من المثقفين العرب بالفكر الغربي، واعتبارها حالة ضمن سياق فلسفي يشمل متغيرات الحياة كافة . وقال: "لقد أسهمت الحداثة وما بعد الحداثة في إنشاء تصوّر عربي يكاد يتماهى مع التصورات الغربية للوجود . ولعل من أبرز الأخطاء المعرفية والمنهجية التي أصابت (العقل العربي والعقل الإسلامي)، التماهي مع النظريات المعرفية والفكرية والفلسفية والأدبية واللغوية ذات البناء المعرفي المغاير للبناء المعرفي الإسلامي، بتجاوز الخصوصيات الثقافية والحضارية والاجتماعية العربية، والأسس الفلسفية والمعرفية التي قامت عليها . وأدّى هذا الخلل في الرؤية إلى مجانبة الصواب في قراءة تراث الأمة" . وأضاف: عبّر بعض الحداثيين عن انتمائهم إلى بنية النظام المعرفي الغربي، وشعروا بأن ثمة تماهياً فكرياً وروحياً مع هذا النظام، فأسقطوا معطياته وأفكاره وتقنياته على الثقافة العربية، فها هو أدونيس يعبّر عن هذا الشعور الوجودي والانتماء للغير، وعن اغترابه في الوقت ذاته فيقول: "وأنا شخصياً أجد نفسي أقرب إلى نيتشه وهيدغر، إلى رامبو وبودلير، إلى غوته وريلكه، مني إلى كثير من الكتّاب والشعراء والمفكرين العرب" . وبيّن عكاشة أن علاقة الحداثي بالتراث علاقة متوترة، حيث تأخذ الحداثة موقفاً مبدئياً وعقدياً وفكرياً رافضاً التراث، فتنحو معه منحى القطيعة التامة، موضحاً أن الحداثة في سياقها تعني نشوء حركات ونظريات وأفكار ومؤسسات وأنظمة جديدة تؤدي إلى زوال البنى التقليدية القديمة في المجتمع وقيام بنى جديدة، وهكذا تتمثَّل الحداثةُ بوصفِها "ازدراء التّراث" بكلِّ ما فيه . ورأى عكاشة أن الحداثيين العرب يعتقدون أنَّ الثّورة على المحافظة، والنُّظُم اللغويّة والتّقاليد الأدبيّة، وحدها هي التي ستمكِّن من خلق لُغة ثوريّة، وهذه بدورها حيويَّةٌ لتخليق ثقافة عربيّة جديدة مُغايرِة، مبيناً أن الحداثيين يرون أن تحقيق تلك اللغة بنُظُمها الثّوريّة يتطلب هدم وظيفة اللغة القديمة (التّراثيّة)، وإفراغها من محتواها ومضمونها الدّلاليّ بصورة خاصَّة، وتحقيقِ انزياحات مُدهشةٍ فيها لتكون حَداثيَّة تُمكّن الإنسان العربيّ، والمسلم من دُخول بوّابة العصر . حتى لو أدى ذلك إلى قلق دلالي عند القارئ وربما الأديب . وخلص إلى قول: "بناء على ما سبق فإن التأطير المعرفي والفني للحديث عن القصيدة العمودية، والتيارات التي خرجت منها وعليها، ينبغي أن يتأسس على مفهوم هوية القصيدة العمودية وخطاب هذه الهوية، لا على أساس الإطار الفني فحسب، بل على أساس المرجعية التي صاغت وتصوغ التفكير العربي . وعندما نتحدث عن مكانة المرجعية في بناء خطابنا النقدي وإبداعاتنا الفنية، فإننا نستحضر قوتها في التفكير والتنظير، من خلال انتمائنا الحضاري، واستعدادنا الفكري في استيعاب الأفكار وإنضاجها، والقدرة على التحاور بها وتطويرها، والإبداع في إنتاج البدائل . عندئذ نستطيع الحديث عن قوة المرجعية بدلاً من الحديث عن مرجعية القوة" . الخليج الامارتية