تحدث إمام وخطيب جامع السديس الشيخ على بن عايض القرني في خطبة الجمعة يوم أمس التي استغرقت 12 دقيقة عن أهمية الكلام والعدل فيه، وحذر من الاستطالة في الأعراض ومن كلام الأقران وتتبع العورات وذكر بفضل العفو والحلم والإعراض عن الجاهل حيث قال: كلامُ المرء يُترجِمُ عن مجهولِه، ويُبرهِنُ عن محصولِه، واللسانُ معيارٌ أطاشَه الجهلُ وأرجحَه العقلُ، وآفةُ القولِ تركُ العدلِ. ولَلصَّمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثَمٍ فكُن صامِتًا تسلَم وإن قلتَ فاعدِلِ. اعدِل إن أبغَضتَ، وأنصِف وإن سخِطتَ، ولا تكن ممن إذا غابَ عابَ، وإذا حضَرَ اغتابَ، وأكثرَ السِّبَابَ، واشتدَّ في العِتاب.والجليلُ المُصانُ من أصلحَ من لسانه، وأقصرَ من عَنانه، وألزَمَ طريقَ الحقِّ مِقوَلَه، ولم يُعوِّدِ الخَطَلَ مِفصَلَه، ولم يحمِلْه البُغضُ على الكذبِ والافتِراء، ولم يدفَعه السُّخطُ على البُهتان والاعتِداء. فمن لاحَ غدرُه وظهرَ مكرُه أجزلَ المدحَ لمُقرِّبِه ومُعطِيه، وأسدلَ السَّترَ على مقابِحِه ومساوِيه، فإذا انقطَعَ العطاءُ انقطَعَ الوفاءُ؛ فانقَلَبَ المدحُ قدحًا، والسَّترُ فضحًا، والثناءُ طعنًا، والدعاءُ لعنًا، ويكثُرُ القدحُ بين الأقرانِ والنُّظَراء الذين تجمعُهم وظيفةٌ أو مهنةٌ أو صنعةٌ أو دائرةٌ، فيتغايَرون، ويتحاسَدون، ويستطيلُ بعضُهم في عِرضِ بعضٍ بالذمِّ والسبِّ والتشويهِ والتحقيرِ والتصغيرِ لأدنى خلافٍ أو نزاعٍ، ولا يسلَمُ من ذلك إلا من حجَبَتْه التقوى ومنعَه العقلُ. وكلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ يُطوَى ولا يُروَى، ويُدفَنُ ولا يُنشَر؛ لأنه يصدُرُ في حال الغضبِ والحسَدِ، وتحمِلُ عليه العداوةُ والمُنافَسةُ، وتُذكِيه الوحشةُ والغَيرةُ، وتدخُلُه المُبالغةُ والزيادة والكذبُ والافتراءُ والكَيد. فالحَذَرَ الحَذَرَ من مسلَكٍ وخيمٍ يُزِلُّ القدَم ويُورِثُ النَّدَم، والحَذَرَ الحَذَرَ من الانشغالِ بنشرِ المعايِبِ وإظهارِ المثالِبِ، وتتبُّع العَثَراتِ والسَّقَطات، والكذبِ على الناسِ وذمِّهم، وتشويهِ سُمعتِهم؛ لأجل حُظوظ النفسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ. وترفَّعُوا عن إساءةِ الظنِّ، والتمِسُوا المعاذِيرَ، واعفُوا عن الإساءة والتقصير، ولا يُضِلَّنَّكم الشيطانُ؛ إنه لكم عدوٌّ مُضِلٌّ مُبينٌ. وقال لا يردَعُ السَّفيهَ إلا الحِلْمُ، ولا يرُدُّ الجاهِلَ إلا السكوتُ، وإذا سكتَّ عن الجاهلِ فقد أوسعتَه جوابًا وأوجعتَه عِقابًا، ولا راحةَ إلا في العفوِ والإغضاءِ، وقد قيل: «في إغضائِك راحةُ أعضائِك»، ويقول الأحنفُ بن قيسٍ: «ما عاداني أحدٌ قطُّ إلا أخذتُ في أمره بإحدى ثلاثِ خِصالٍ: إن كان أعلى منِّي عرفتُ له قدرَه، وإن كان دُوني رفعتُ قدرِي عنه، وإن كان نظيرِي تفضَّلتُ عليه»، فاعفُوا واصفَحوا، وتذكَّروا ثوابَ العفو وجزاءَ الصفحِ وعاقبةَ الحِلْمِ، وحاذِروا ما يُبدِّدُ شملَكم أو يُفرِّقُ جماعتَكم. صحيفة المدينة