مختارات من نصوص التراث(4) ياسين الشيخ سليمان قسوة الخليفة العباسي المعتضد بالله : ذكرت كتب التراث: إن المعتضد بالله كان يجتهد في تحصيل الحقوق ورد المظالم، وأعاد للدولة العباسية كثيرا من هيبتها؛ ولكنه: " كان مع ذلك قليل الرحمة، كثير الِإقدام، سفاكاً للدماء، شديد الرغبة في أن يمثل بمن يقتله. وكان إذا غضب على القائد النبيل، والذي يختصه من غلمانه أمر أن تُحفر له حفيرة بحضرته، ثم يُدلى على رأسه فيها، ويطرح التراب عليه، ونصفه الأسفل ظاهر على التراب، ويداس التراب، فلا يزال كذلك حتى تخرج روحه من دبُره. وذُكر من عذابه أنه كان يأخذ الرجل فيكتفه وَيُقَيده، فيؤخذ القطن فيحشى في أذنه وخيشومه وفمه، وتوضع المنافخ في دبره حتى ينتفخ ويعظُم جسده، ثم يُسدّ الدّبر بشيء من القطن، ثم يُفصد، وقد صار كالجمل العظيم، من العرقين اللذين فوق الحاجبين، فتخرج النفس من ذلك الموضع، وربما كان يقام الرجل في أعلى القصر مجرداَ مُوثَقاً ويرمى بالنشاب حتى يموت." (مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي). قسوة حق لها ان تدون بمداد من الدماء! " ومن طريف عقوبات المعتضد، قتلته إسماعيل بن بلبل(كان وزيرا للموفق وللمعتمد)، حدّثني أبي(والد المحسن التنوخي مؤلف الكتاب، الذي منه أخذت هذا النص)، قال: أخبرني جماعة من أهل الحضرة، يعرفون ويحصّلون: إنّ المعتضد أمر بإسماعيل بن بلبل فاتُّخذ له تغار كبير( فارسية، وعاء كبير تغسل فيه الثياب)، ومُلئ إسفيداجا حيّا ( الجير الحي/ الشّيد) ، وبلّه، ثم جعل بالعَجَل رأسَ إسماعيل فيه، إلى آخر عنقه، وشيء من صدره، وأُمسِكَ حتى جمد الإسفيداج، فلم تزل روحه تخرج بالضراط، إلى أن مات " .(نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي أبي علي المُحَسِّن التنوخيّ ، بتحقيق المرحوم عبود الشالجي(1) الخليفة المعتضد يقتل آخر بسدّ جميع منافذه: وأخبرني أيضا (يعني أباه) رحمه الله: إنّ المعتضد، أمر برجل فسدّ بالقطن أنفه سدّا شديدا، وفمه، وعيناه، وأذناه، ومنخراه ، وذكره، وسوءته، ثم كُتّف وتُرك، فلم يزل ينتفخ، ويزيد، إلى أن طار قحفُ رأسه ومات. (نفس المصدر السابق). حيلة الخليفة العباسي القاهربالله بن المعتضد: " أمر القاهر بتحريم الخمر والغناء وسائر الأنبذة، ونفى بعض مَن كان يُعرف بذلك إلى البصرة والكوفة؛ وأمّا الجواري المغنّيات فأمر ببيعهنّ على أنهنّ سواذج لا يعرفن الغناء، ثم وضع من يشتري له كلّ حاذقة في صنعة الغناء، فاشترى منهنّ ما أراد بأرخص الأثمان، وكان القاهر مشتهراً بالغناء والسّماع، فجعل ذلك طريقاً إلى تحصيل غرضه رخيصاً، نعوذ بالله من هذه الأخلاق التي لايرضاها عامّة الناس."( الكامل في التاريخ لابن الأثير) الرحالة "ناصر خسرو " يقول الحق ولو على نفسه: " ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر، وظللت أشرب الخمر. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم "، حتى إذا كانت ذات ليلة، رأيت في المنام رجلاً يقول لي:" إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال! خير لك أن تصحو"، فأجبت: "إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا"، فأجاب: "إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل، والحكيم لا يستطيع أن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس، بل ينبغي عليه أن يبحث عما يزيد العقل والحكمة". قلت: "وأنّى لي هذا؟! " قال: "من جدّ وجد"، ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً. فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي، وقد أثرت فيّ، فقلت لنفسي: "صحوت من نوم البارحة وينبغي أن أصحو من نوم أربعين سنة خلت"، وأمعنت الفكر، فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي . وفي يوم الخميس السادس من جمادى الآخر سنة437 (20 ديسمبر1045) منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى أن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى." (سفرنامة لناصر خسرو) ناصر خسرو يزور معرة النعمان وأبو العلاء فيها حي يرزق: هذا النص نشره موقع "الوراق" على صفحته الرئيسية، ولكي يتسنى لمن لم يزر ذلك الموقع مطالعة النص، أدونه هنا بعد اختصار قسم من أوله: " وكان بهذه المدينة رجل أعمى اسمه أبو العلاء المعري، وهو حاكمها. كان واسع الثراء، عنده كثير من العبيد كأن أهل البلد خدم له .أما هو، فقد تزهد فلبس الكِلِيم(2) واعتكف في البيت. كان قوُته نصف مَنّ(3) من خبز الشعير لا يأكل غيره. وقد سمعت أن باب سرايه مفتوح دائما، وأن نوابه وملازميه يدبرون أمر المدينة ولا يرجعون إليه إلا في الأمور الهامة. وهو لا يمنع نعمته أحدا؛ يصوم الدهر، ويقوم الليل، ولا يشغل نفسه مطلقاً بأمر دنيوي. وقد سما المعري في الشعر والأدب إلى حد أن أفاضل الشام والمغرب والعراق يقرون بأنه لم يكن من يدانيه في هذا العصر، ولا يكون. وقد وضع كتاباً سماه: " الفصول والغايات" ذكر به كلمات مرموزة وأمثالا في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه، ولا يفهمه إلا من يقرأه عليه. وقد اتهموه بأنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرآن. يجلس حوله دائما أكثر من مائتي رجل يحضرون من الأطراف يقرءون عليه الأدب والشعر. وسمعت أن له أكثر من مائة ألف بيت شعر. سأله رجل: " لِمَ تعط الناس ما أفاء الله تبارك و تعالى عليك من وافر النعم ولا تقوت نفسك"؟، فأجاب:" إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي". كان هذا الرجل حيا وأنا هناك ".(سفرنامة لناصر خسرو) أقول أنا ياسين: والعجيب أن هذا الرحالة لم يجتمع بأبي العلاء المعري رغم أنه قدم إلى المعرة وأبو العلاء حي يرزق؛ إنما ذكر ما يقوله الناس عنه، وليته اجتمع به لنتعرف عليه عن كثب! وإذا تساءلنا عن السر في وصف أبي العلاء بالثراء، وفي أنه كان حاكما لمعرة النعمان، فسوف نجد جوابا مقنعا عند طه حسين في كتابه: "تجديد ذكرى أبي العلاء"، وقد ذكر ذلك مترجم ومحقق "سفر نامه" د.يحيى الخشاب رحمه الله تعالى في تقديمه للكتاب حين قام بترجمته. حقوق مؤلف الكتب دعاء إلى الله تعالى: ذكر المسعودي في مقدمة وخاتمة كتابه: " مروج الذهب ومعادن الجوهر" تحذيرا ينهى فيه عن التصرف في الكتاب ويخوّف من ذلك.قال: " فمن حَرَّفَ شيئا من معنى هذا الكتاب أو أزال ركنا من مبناه، أو طَمَسَ واضحة من معانيه، أو لَبَّسَ شاهرة من تراجمه أو غيّره، أو بدّله، أو انتحله، أو اختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سوانا، أو أسقط منه ذكرنا، فوافاه من غضب الله وسرعة نقمته وفوادح بلاياه ما يعجز عنه صَبْرُه، ويَحَار له فكره، وجعله الله مُثْلَةً للعالمين، وعبرة للمعتبرين وآية للمتوسمين، وسلبه الله ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه من قوة ونعمة مُبْدِعُ..." أقول أنا ياسين: يبدو أن عصر المسعودي كان حافلا بلصوص النصوص. وفي عصرنا هذا الحاضر، والكثيرون يعلمون ما أقول، وعلى الرغم من وجود قوانين تحفظ حق المؤلف والناشر؛ إلا أن هناك سرقات أدبية، وبحثية، وهناك نسخ ولصق من على الشبكة العنكبوتية، ولا حق يُحفظ، ولا قوانين تُطبق، ولم يبق للمؤلفين المستلبة حقوقهم إلا دعاء المسعودي، وأنعم به من دعاء! وأتذكر هنا، والشيء بالشيء يذكر، ما قاله الجاحظ في مقدمة كتابه "المحاسن والأضداد" ما معناه إنه كان يؤلف الكتاب المتقن ويتفنن فيه وينسبه إلى نفسه، فيتفق جماعة من الكتّاب من ذوي الحسد على الطعن فيه والحطّ من شأنه؛ نكاية بصاحبه وغيرة منه، وربما سرقوا أفكاره وانتحلوها لأنفسهم بعد إجراء بعض التحوير عليها. وإذا ألف الجاحظ كتابا أقل شأنا من سابقه ونسبه إلى أحد المشاهير ممن سبقوه كابن المقفع مثلا، فإن أولئك الحساد يتلقفونه ويتدارسونه، ويتخذون منه قدوة في الكتابة والتأليف وهم غير عارفين بأن مؤلفه هو الجاحظ نفسه، فوا عجبا من أولئك الكتّاب ، ولله انت يا أبا عثمان! وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى 1 عبود الشالجي: قانوني وأديب وباحث عراقي، كان مغرما بمطالعة كتب التراث وقد حقق عددا منها. وله مصنفات منها: "موسوعة العذاب"، وهي متوفرة للتنزيل من على الشبكة. ومما حقق من الكتب: " الفرج بعد الشدة"، و "نشوار المحاضرة" وكلاهما للقاضي التنوخي. توفي في لندن سنة 1996. وقد جاوز الثمانين ببضع سنين. 2 الكِلِيمُ - كِلِيمُ : الكِلِيمُ : ضَرْبٌ من البُسُط غليظُ النَّسج ، يُصنَع من الصُّوف . والجمع : أَكلمة . واللفظ مولّد. (المعجم الوسيط) في "سفرنامه" ترجمة وتقديم د. يحيى الخشاب وجدت كلمة " كِليم " (أظنها الصحيحة) بدلا من "كلتم" التي على موقع الوراق. 3 المَنّ : بالفتح والتشديد ج أمنان ، مكيال سعته رطلان عراقيان ، أو أربعون أستاراً = 39 ، 815 غراماً ، المعجم: (مصطلحات فقهية) دنيا الوطن