هاجمت منظمة العفو الدولية في تقرير نُشر الخميس السلطات المصرية وقالت إنّ البلاد شهدت عنفا للدولة على نطاق غير مسبوق منذ عزل الجيش لمحمد مرسي. في حين ردت الحكومة بكون التقرير غير دقيق ويشوه الحقائق. صبري عبد الحفيظ من القاهرة: عشية إحياء المصريين الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، ووسط مخاوف من وقوع أعمال عنف من جانب جماعة الإخوان، وقمع شديد من قبل السلطة، إنتقدت منظمة العفو الدولية أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وقالت إنه بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة، لا يزال القمع يمارس على نطاق واسع وبلا هوادة، فيما ردت الحكومة المصرية بالقول إن تقرير المنظمة "غير دقيق". يأتي تقرير المنظمة بالتزامن أيضاً مع إنتشار مقطع فيديو لعمليات تعذيب جماعي للسجناء بسجن الحضرة بالإسكندرية، بينما ردت الشرطة بالقول إن مقطع الفيديو "مفبرك". حقوق الإنسان... تحت عنوان "خارطة الطريق إلى القمع: لا نهاية تلوح في الأفق لانتهاكات حقوق الإنسان"، أصدرت منظمة العفو الدولية، تقريراً حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر تزامناً مع مرور ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير، التي نجحت في إزاحة نظام حسني مبارك عن الحكم. وقالت المنظمة في تقريرها: "منذ 3 يوليو/ تموز 2013، لقي نحو 1400 شخص مصرعهم في أعمال عنف سياسي، قضى معظمهم جراء استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة". إنتهاكات الشرطة وانتقدت عدم التحقيق في إنتهاكات الشرطة، وقالت: "لم يتم فتح تحقيقات مناسبة في وفاة أكثر من 500 شخص من أنصار مرسي عندما جرى اللجوء إلى استخدام القوة المفرطة لفض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في أغسطس/ آب 2013. ولم تُسند ولو إلى عنصر واحد من عناصر قوات الأمن تهما تتعلق بتلك الواقعة التي كانت عبارة عن حمام دم مروع على نطاق غير مسبوق". على حد تعبير المنظمة. وأضافت المنظمة في تقريرها: "في الأشهر الماضية، شهدت البلاد أعمال عنف بمستويات غير مسبوقة، لا سيما مع ارتكاب قوات الأمن لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ولجوئها إلى استخدام القوة المفرطة بشكل روتيني معتاد، بما في ذلك استخدام القوة المميتة ضد محتجي المعارضة وأثناء المظاهرات داخل الجامعات". الإفلات من العقاب وواصلت المنظمة إنتقاد إفلات منتهكي حقوق الإنسان من الجهاز الأمني من العدالة، وقالت: "منذ ثورة 25 يناير، لا يكاد عدد أفراد قوات الأمن ذوي الرتب المتدنية الذين أُدينوا بقتل المحتجين يتجاوز عدد أصابع اليد". وتابعت: "في الشهور التي تلت الإطاحة بمرسي، تعرضت نقاط التفتيش التابعة للجيش وعناصر الأجهزة الأمنية والمباني الحكومية للمزيد من الهجمات على أيدي جماعات تصفها السلطات بأنها "إرهابية". وفي الوقت الذي يُعتبر فيه أن من حق الحكومة المصرية وواجبها القيام بحماية أرواح الناس ومقاضاة المسؤولين عن ارتكاب مثل تلك الجرائم، فلا يجوز التضحية بحقوق الإنسان تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". السلاح الثقيل ! كما انتقدت تصريحات وزير الداخلية حول التصدى للمتظاهرين بالأسلحة الثقيلة، وقالت المنظمة: "عشية حلول الذكرى الثالثة للثورة، حذر وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم قائلا أنه قد تم تزويد السجون وأقسام الشرطة بأسلحة ثقيلة. وفي استعراض للقوة بهدف إظهار مدى الجرأة التي أصبحت قوات الأمن عليها، فلقد تحدى الوزير الجميع محذرا من محاولات اختبار بأس تلك القوات". ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإنه: "تجلت أكثر صورة القمع جرأة في قيام السلطات بالتعدي على حرية التعبير عن الرأي والتجمع، حيث قامت قوات الأمن باعتقال الآلاف من الأنصار المزعومين لجماعة "الإخوان المسلمين" وأعضائها جراء انتقادهم عزل الرئيس محمد مرسي. كما لم يسلم الرجال والنساء والأطفال الذي مارسوا حقهم في معارضة الجيش بشكل سلمي من القمع". الإخوان "إرهابيون" وأشارت منظمة العفو إلى أن الهدف من تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية من قبل الحكومة تسهيل عمليات القمع، وقالت: "في ديسمبر/ كانون الأول، أعلنت السلطات أنها تعتبر حركة "الإخوان المسلمين" "جماعة إرهابية" مما يجعل الأمر أكثر سهولة للسلطات كي تقوم بقمع الجماعة. وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول، تم تجميد الأصول العائدة لما لا يقل عن 1055 جمعية خيرية لها صلة بحركة الإخوان المسلمين". إستهداف الطلاب ورأت المنظمة أن إستهداف الطلاب ونشطاء ثورة 25 يناير، وقالت في تقريرها: "اعتُقل مئات الطلبة أثناء الاحتجاجات والصدامات. وفي قضية تلخص رمزية المشهد، فلقد أُردي في نوفمبر/ تشرين الثاني الفتى محمد رضا (19 عاما) قتيلا بطلق ناري في جامعة القاهرة عندما قامت قوات الأمن المركزي بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش داخل حرم الجامعة". واستطردت: "كما استُهدف الناشطون العلمانيون والطلبة في محاولة واضحة من الحكومة لقمع جميع أشكال المعارضة طالت جميع ألوان الطيف السياسي. وها هم أبرز ناشطي "ثورة 25 يناير" يقبعون حلف القضبان اليوم لما أظهروه من جرأة على الدعوة إلى تحقيق المساءلة واحترام حقوق الإنسان". ترخيص للقمع وحسب وجهة نظر منظمة العفو الدولية، فإن قانون التظاهر يمنح الشرطة الرخصة في القمع، وقالت: "تم تشريع قانون جديد يفرض قيودا على التجمعات العامة والمظاهرات، مما يشكل تهديدا خطيرا لحرية التجمع، ويمنح قوات الأمن رخصة لاستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين. وتبلورت نتيجة هذه الأفعال لتتخذ شكل قمع تجيزه الدولة ويعطي الضوء الأخضر لقوات الأمن كي ترتكب الانتهاكات". ... النيل من الصحافة وقالت المنظمة إن إعتدءات تقع بحق الصحافيين وتضييق على حرية التعبير، وأوضحت: "صاحب ذلك وقوع اعتداءات على الصحفيين والافتئات على الحريات الإعلامية، وكذلك مداهمات ومحاولات بهدف فرض المزيد من القيود على المنظمات غير الحكومية. وعمدت السلطات المصرية عموما إلى تضييق الخناق على حرية التعبير عن الرأي والتجمع". تعذيب في السجون يأتي هذا في الوقت الذي تداول فيه نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يظهر عمليات تعذيب جماعي للسجناء، في ردت وزارة الداخلية بوصف الفيديو بأنه "مفبرك". ورد نشطاء بالقول إن مقطع الفيديو صحيح، لكن تاريخه يعود إلى العام 2011، وليس 2014، وجرت وقائعه في سجن الحضرة بالإسكندرية، وأضاف النشطاء أنه بغض النظر عن تاريخ مقطع الفيديو فإن الجُناة لم يقدموا للعدالة. ويظهر في الفيديو مجموعة من رجال الشرطة يقفون في صفين وهم يمسكون بعصي وأحزمة، ويمر رجال مدنيون من بينهم، فرداً فرداً، ثم يبدأون في الإعتداء عليهم بالضرب المبرح على كل رجل يمر من بين الصفين، وعندما سقط رجل من كثرة الضرب، تجمّع عليه رجال الشرطة وإنهالوا عليه بالكثير من الضرب. ووصف مصدر أمني مقطع الفيديو بأنه مفبرك، وقال ل"إيلاف" إن جماعة الإخوان تحاول إثارة المصريين ضد الشرطة من أجل المشاركة في مظاهراتها في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير. ضربات موجعة للحرية وفي معرض تعليقها على التقرير، قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، حسيبة حاج صحراوي: "لقد شهدت مصر سلسلة من الضربات الموجعة التي سُددت إلى حقوق الإنسان، وارتكاب الدولة لأعمال العنف على نطاق غير مسبوق خلال الأشهر السبعة الأخيرة". وأضافت: "بعد مرور ثلاث سنوات، لا زالت مطالب "ثورة 25 يناير" بالكرامة وحقوق الإنسان تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى. وثمة عدد من مهندسي الثورة وراء القضبان الآن، وأصبح العرف السائد الآن هو القمع والإفلات من العقاب". وذكرت حاج صحراوي أنه "بوجود هذه التدابير، انحدرت مصر سريعا باتجاه مسار المزيد من القمع والمواجهة. وما لم تغير السلطات مسارها وتتخذ خطوات ملموسة تبرهن من خلالها على احترامها لحقوق الإنسان وسيادة القانون، بدءا بإخلاء سبيل سجناء الرأي فورا ودون شروط، فمن المرجح أن تجد مصر سجونها وقد اكتظت بسجناء محتجزين بشكل غير مشروع، ومشارحها ومستشفياتها وقد امتلأت بالمزيد من ضحايا سوء استخدام القوة التعسفية من قبل الشرطة". وأضافت حاج صحراوي: "يمكن وصف حالة حقوق الإنسان في واقع الحال بأنها مزرية.وسوف يُحكم على أداء الحكومة المصرية من خلال أفعالها وليس أقوالها. وستظل التأكيدات الشفوية بمثابة وعود جوفاء ما دام القمع مستمرا على أرض الواقع، وطالما ظلت مجرد تغريدة بسيطة كفيلة بالزج بالمرء في السجن". وأردفت حاج صحراوي القول إنه "يجب على السلطات أن تخفف من شدة قبضتها على المجتمع المدني وأن تسمح بتنظيم الاحتجاجات السلمية وغيرها من قنوات التعبير عن المعارضة بشكل مشروع. وتُعد سياسات السلطة الحالية بمثابة خيانة لمطالب "ثورة 25 يناير" الخاصة بتأمين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وقالت حسيبة حاج صحراوي: "عوضا عن كبح قوات الأمن، عمدت السلطات إلى منح تلك القوات تفويضا بالقمع. وها نحن نرى مرة أخرى خطاب مكافحة الإرهاب ومفرداته يُستخدمان في مصر لتبرير أعمال القمع الشاملة التي لا تذر أحدا ولا تميز بين المعارضة المشروعة والاعتداءات العنيفة". ودعت في الوقت نفسه إلى "محاسبة قوات الأمن على ما ترتكبه من انتهاكات حقوق الإنسان. ولكن بدلا من أن يتحقق ذلك، فلقد تسببت السلطات بزيادة جرأة قوات الأمن من خلال السماح لها بالإفلات من العقاب. ولن تتوقف دوامة الانتهاكات إلا عندما يُطبق القانون على الجميع بصرف النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي". وأضافت حاج صحراوي قائلة: "ثمة جهود منسقة تسير على قدم وساق من أجل إقصاء المراقبين المستقلين بدءا بالناشطين منهم ومرورا بالصحفيين وانتهاءا بالمنظمات غير الحكومية. وتُعد تلك محاولة مقصودة من أجل جعل الأمر أكثر صعوبة عليهم بحيث لا يتسنى لهم العمل داخل مصر والاستمرار في توثيق وتغطية أخبار ما ترتكبه الدولة من انتهاكات". وانتقدت حاج صحراوي، ما قالت إنه سعي "السلطات إلى توظيف نظام العدالة الجنائي كأداة للقمع" مضيفة أن: "أصبح القضاء يُوظف في معاقبة مناوئي الحكومة بينما يُترك مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان بحيث يتسنى لهم الإفلات من العقاب". غير دقيق من جانبها، انتقدت الحكومة المصرية تقرير منظمة العفو الدولية، ووصفته بأنه "غير دقيق". وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون الهيئات الدولية والأمن الدولي، هشام بدر، إن التقرير "غير متوازن وغير دقيق ويعكس استخفاف منظمة العفو الدولية بإرادة وطموح الشعب المصري". وتهم بدر منظمة العفو ب"محاولة تشويه الحقائق، وقال: "الحكومة المصرية مسئولة أمام شعبها أولاً وأخيراً، ولا تلتفت إلى محاولات تشويه الحقائق". ايلاف