د. عبدالإله محمد جدع ويْحي على سَهْمٍ أصابَ قلبَ أخِي فأحدث النزفَ في جَرحٍ بغيرِ دَمِ وعشَّشَ الحزنُ في أركانِ منزلهِ رحيل درّتَه في غيهب العَدَمِ (رؤى) الحبيبة قد غابت وفارقها نبض الحياة وحكم الله في الأممِ يا رب عفوك فالأقدار نافذة والشكر لله في فرْحٍ وفي ألمِ أخي تصبّرْ.. فلا تدري عسى غدها عند الكريم حياض السَعْدِ والنِّعمِ لا نعرف السر.. في الأقدار يعلمه رب العباد وما في الأمر من حكم يا رب فانزل عليهم صبرَ محتسبٍ وثبّت الأجر في القربى وفي الرَّحِمِ ربّاه وارحمْ (رؤى) مولاي واقْبلها في جنة الخلد في عفو وفي كَرَم كتبتْ على لوحة الأيام سيرتَها الكلّ يذكرها في طيّبِ الكَلِم تأبى الخصام وحتى لو تناوشها سحر الأذية لا تصغي لمنتقمِ رحم الله بنت أخي (رؤى)، فلقد توفاها الله بعد معاناة طويلة مع المرض، نسأله تعالى أن يتقبّلها في الشهداء، فقد كانت كالوردة النّضرة تفوح طيبًا في كل مكان.. وكانت بارّة بأمها وأبيها، مسالمة تواصل الجميع، وحتى من أساء إليها. ولقد عانى والدها شقيقي حسني الذي أثقل الحزن كاهله، وكاهل أمها وإخوانها (محمد ومعتصم ومنصور)، وعانوا جميعًا طوال شهور ما مّرت به فقيدتهم الحبيبة التي كانت كالنسمة مبتسمة راضية بقضاء الله وقدره، إذ لم يمهلها مرضها طويلاً، فاختارها الله إلى جواره، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا)، ولقد فطرت معاناة زوجها ريان عرب قلوبنا جميعًا؛ لأنه عاصر كل شيء، وتحملّ تساؤلات طفليهما الصغيرين عن الأم المريضة، وغيابها في ألمانيا لزمن دون أن ترد على رسائلهما واتصالاتهما، فقد دخلت في غيبوبة لشهرين متّصلين، وكان الاستماع لتسجيل اتصالات الطفلين الصغيرين يُدمي القلوب.. أمّا موضوع الغيبوبة، وما آلت إليه الفقيدة، فتلك قضية أخرى تتّصل بممارسات الأطباء واجتهاداتهم في كل مكان، وربما يأتي الحديث عنها يومًا، ولقد كانت الظروف قاسية بكلّ ما تحمله الكلمة من مشاعر وأحاسيس ينفطر لها الفؤاد، ولا يدركها إلاّ صاحب إحساس. فالمشهد في غاية الشجن والألم.. لكن الجدير بالذكر أن الله سبحانه وتعالى يخلق من المحن والابتلاءات دروسًا وتهذيبًا للنفس والروح، فقد شهدت المأساة تكاتف الإخوان وتلاحمهم مع الزوج، ومع أمهم ليتناوبوا في رعاية الفقيدة -رحمها الله- والتخفيف من آلامها، وحزنها، وغربتها.. إنها المواقف التي تبني النفوس وترفعها، وقد أحسنوا صنعًا في التعامل مع الأمر، ومع حزن أبيهم شقيقي الكبير، فلم يكن الأمر سهلاً أو ممكنًا في مجاهرته بالواقع الأليم، والحقيقة الدامية، فأردوا تدريجه حتى يمتص الصدمة دون عواقب وخيمة.. وليت الناس يدركون حقيقة هذه الدنيا الفانية التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فكل شيء إلى زوال قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ومع ذلك يتخاصم الناس، ويأكلون حقوق بعضهم، ويظلمون بعضهم البعض، ويسعون في إيذاء الآخرين، والحقد عليهم، والمكر بهم، ويتناسون أن المنتقم الجبار من فوق سبع سموات لا يضيّع حق المظلوم، إن لم يكن في الدنيا، ففي الآخرة.. إن حكمة الموت بالغة لا يدركها إلاّ أصحاب التقوى.. وللفقيدة موقف جدير بالذكر، فقد ظلمها بعضهن فقالت: لا أريد الانتقام، ولا ضياع وقتي بالحديث عنهن، أو تحمّل إثم غيبتهن، وسأطلب حقي هناك في الآخرة.. سبحان الله! إنها القلوب التي ملأها الإيمان، واختارت حكم الله وليس حكمها.. رحمكِ اللهُ يا بنتَ أخي، وأسكنكِ اللهُ فسيح جناته، وجبر والديكِ وإخوانكِ، وأنزل على قلوبهم السكينة وعوّضهم عنكِ خيرًا.. وأذكّر والديها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم: فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد).. أمّا المؤسف أنّنا تعرّضنا لفتنة حتى في غمار ما نمّر به من أحزان (شقيقي وأنا)، فقد حاول البعض استغابتي، وإثارة أخي بسؤالهم أين أخوكَ، وتجاهلوا أنني كنت معه قلبًا وقالبًا، ولم أتركه حتى دُفنت الفقيدة.. وهو وأولاده يعرفون ظروف سفري لمؤتمر رسمي، وليس ثمة أحد يؤلمه فقدها قدر أهلها، ثم كاتب هذا المقال، فهي ابنة أخيه، وفي مقام ابنته، لكنّ البعضَ أصرّ على تعكير المياه؛ ليفسد فيها، ويزجّ بنفسه فيما لا يعنيه بين أخوين شقيقين.. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة