18 - اصبري يا سلمى ! فالفرج قريب ... هكذا بادرتها جميلة وهي تَلِج عتبات الحجرة التي تقبع سلمى بين جدرانها حبيسة ، ولكنها ما إن سمعت سلمى مقالتها حتى انتفضت ، ثم رفعت إليها رأسها وعينيها مذهولة لا تفهم تفسيراً لذلك . ومع هذا فقد استجمعت أشلاء تفكيرها ، وقالت بصوت يشيع منه الدفء والحزن معاً : - أفصحي يا أختاه ! إني أشم روائح الانعتاق تفوح من بين أردية كلماتك . لمعت عينا جميلة ، وسالت الابتسامة منهما لتستقر على وجنتيها ، بينما انساب الكلام من على لسانها عذباً رائقاً مفعماً بالأمل . - قريتنا تُعِدُّ نفسها لاسترجاعك ، فأبشري . - وهل تَقْدِر ؟ . - لقد استعانت بالغرباء . - وماذا عن الأقرباء والأنسباء ؟ . - تخلَّوا عنك وعن أهل القرية ، ولم يبقَ في جعبتهم إلا كلمات الشجب والاستنكار تتطاير ثم تتلاشى دون أن يبقى منها أثر . - لماذا تخلَّت القرى المجاورة عنا وتركتْنا ؟ . ألسنا وإياهم عصبة واحدة ، وأنَّ المصير واحد ؟ . - يخشى أهلها أن يذهب عنهم ما هم فيه من نعيم مقيم . هَزَّت سلمى رأسها وقد ألمَّ بها حزن عنيف مما تسمع ، ثم قالت : - يحسبونه نعيماً ، وما هو بنعيم . - لا تقلقي ، فالحرب قاب قوسين أو أدنى من الاندلاع . - بسببي ؟ !. - ولِمَ لا ؟ فأنتِ رمز الشرف والكرامة . - يا ويلي ! قد يَلْحَقُ الدمارُ بقريتي ، ويموت من القرية خلق كثير بسببي . - اسمعي يا سلمى ما تَبَقَّى من الأنباء . وأخذت جميلة تسرد ما لديها من أخبار ، بينما أسندت سلمى خدها على قبضة يدها تسمع وهي محزونة ، وتخشى من عاقبة الأمور . وقفت جميلة تتهيأ للانصراف ، بينما أخذت سلمى تتمتم : - دعيني أنمْ يا جميلة ، واتركي هذا الجسد المتعب يتحطم فوق الفراش ، اتركيني أَرِحْ نفسي المجهدة مِن شقاوة الأفكار التي تَطِنُّ في رأسي ، ومن انطفاء الرؤيا في بصيرتي ، فأينما أُوَجِّه وجهي أرَ ظلمة حالكة . - سأترك لكِ المكان وأغادر، ولكنْ ترفقي بنفسك ، ولا تَعْذِلِيها . خرجت جميلة ، وأحكمت مغاليق الباب ، وتركت سلمى كومة هشَّة حيث انزوت في أحد الأركان ، ووضعت رأسها على راحة يدها ، وأخذ خيالها يجول في مفارق طرق الحياة الوعرة ، تُحَدِّثُ نفسها هامسة بصوت محزون : - " يا ويلي ! إني لأرى المأساة تسعى مستأنية إلى قريتي فتصيب أكبادها ، وتكوي أفئدتها ، وسأكون غداً في نظر الرواة وعلى ألسنتهم ؛ أني السبب في اشتعال الحرب التي قضى فيها خَلْقٌ كثير، ونفق فيها ما يدُبُّ عليها من الأنعام ، وهلك فيها كلُّ شيء حي . يا إلهي ! ما أفظع ما تنتظره قريتي ! ليتني مِتُّ أو كنتُ نسياً منسياً ! . ها نحن- معشر النساء- السبب في كل بلاء ، ألم يُحَدِّثنا التاريخ عن حروب جلبت الفناء والدمار ؟ . ألم يصف لنا الوصَّافون تلك الحرائق التي التهمت الديار؟ . ألم يروِ لنا الرواة أخبار المعارك الدامية التي أوقدتها هيلينا والهَيْلَة الملقبة بالبسوس ، وكليوبترا والزَّبَّاء ، وأخريات غيرهن كثيرات ؟ . فهل خَلَتْ حربٌ من امرأة لا تكون هي السبب في اشتعالها ؟ . وهل أنا سأكون إحداهن ؟ . وهل سيروي الرواة أنَّ " سلمى " كانت قد نفثتْ في جمر هامد ، فتأججت ألسنة اللهب فأحرقت الأخضر واليابس ؟. وهل يبقى العصفوري يشرب الأنخاب ويرقص على أشلاء القرية وأهلها ؟ " . " هيلينا ! يا ابنة الإله الأكبر " زيوس " : مازلتِ في نظر الأساطير غانية ، ما زلتِ في عين التاريخ زانية ، فَتَنْتِ الفتى الوسيم " باريس" ، وأشعلتِ الحرب بين الممالك ، وجَرَّ جَمالُكِ الويل والدمار ، وأكلتِ الحرائق ليل المدينة ، فأقام فيها الموت لا يبرح الساحات ، وتَعَسَّر قدوم النهار، فطال الانتظار، وما هجع الرجال ، وما أُغمِدت السيوف ، وما انطفأت جذوة الحرب إلا بعد أن استردَّك زوجك إلى بيته – بيتك ، حيث كانت ابنتك طفلة ناعمة تمدُّ بصرها تتشوف ما وراء الأفق ، تنتظر رجوعك . فتباً لك " هيلينا " من امرأة لعوب غانية ! وطوبَى لزوجك " مينلاوس" الذي ثار لشرفه ، وغضب فيك غضبة قرشية ، فلم يتخلَّ عنه الأمويون ، ولم يخذله العباسيون ، بل كلٌّ في حومة الوغي يقاتل " . " هيلينا : أنا لستُ مثلك ، وإنه ليفرقني عنك أني رمز لشرف قرية ، قد حافظتُ على شرفي وحصَّنتُ نفسي ، أما أنتِ فقد أغراكِ جمالُ فتاكِ ، وجريتِ وراء الرغبة " . " هيلينا : أنا سَبِيَّة انتُزِعْتُ من بيتي غَصْباً ، أما أنتِ ، فقد خرجتِ من بيتك شريكة في مؤامرة الخروج والهرب إلى دار الخطيئة ! . رحماك يا رب ! ففي النهاية كلتانا امرأة ، وكلتانا في سوق الموت نتاجر " . وألقت سلمى جسدها على فراش مخدعها ، وقد ذهب بها الإعياء مذهباً شديداً ، فقد أجهدها الفكر، وأَرَّقَها طول الترقب والانتظار، فتعلَّق نظرها في سقف الحجرة إلى أن دهمها النوم ، فحاصرتها أمواج الأحلام ، وهجمت عليها الرؤى المفزعة ، ولم ينتشلها من مكابدتها إلا صوت جميلة يناديها : - سلمى ! أفيقي ، فالنهار قد أضحى . * * * * * وصل وفد قرية بيت جبرين قصر العصفوري ، فهالهم ما رأوا من فوضى الرجال والسلاح الذي يعجُّ بهم المكان ، أفواج من المُعَزِّين تدخل ، وأخرى تخرج ، والصمت يرفرف بجناحيه ويَحُطُّ على الرءوس إلا مِن ذِكْر للشهادتين هنا ، وترديد للحوقلة هناك ، وهمهمات الترحم التي لا تتوقف . النار في " الكانون " منطفئة ، والبكارج منكفئة ، والحزن يبسط ظلاله في أجواء الرواق الكبير الذي ضُرب لغرض العزاء ، فانتاب وفد القرية شيء من الخوف وشيء من الخشوع الذي فرضه الموقف ، ولاحت نظرة من الشيخ العصفوري إلى الشيخ عبد السلام ، فشجعته على تقديم واجب العزاء باسم القرية وأهلها جميعاً ، وأضاف : - إننا لمحزونون أشد الحزن ، فما إن تواردت الأنباء بالفاجعة ، حتى وددنا أن تكون كاذبة ، ولكنْ ، إرادة الله فوق كل رغائبنا . ردَّ الشيخ العصفوري بصوته الجهوري : - أشكر لكم مسعاكم . - عوَّضكم الله عن الفقيدين خيراً ، وشفَى الله الجرحى ، والبركة فيك وفي بنيك . - سيكون عزائي يوم أخذ الثأر والانتقام من المجرمين . - ألم يتعرف رجالك على أولئك الفاعلين ؟ . - في يدي أول الخيط . - إني أرجِّح أن يكونوا لصوصاً لا غير . - ومن أين أتاك هذا الرُّجْح ؟ . - البلاد تمرُّ بجوع شديد ونقص في الثمرات ، وأنتَ لديك الخير الوفير، والطامعون كثير . - ولكني أرجِّح رأياً غير ما قلتَ يا شيخ عبد السلام . توقف العصفوري لحظة وجال ببصره على الوجوه يجلوها ، واستأنف قائلاً : - إنه نوع من التطاول عليَّ ، بل إن أردتَ فقل ، إنه نوع من المواجهة السرية لمارقين خوارج . أحس الشيخ عبد السلام والذين معه بما يكنه العصفوري من نوايا ، وأحسوا أيضاً أنَّ الحديث قد التوى إلى وجهة غير التي يرتضونها ، فقال المختار أبو فوَّاز : - نحن أهل القرية يهمنا ما يهمك ، وما زلنا تبعاً لك ، فمُرْنا تجدْنا طوع أمرك . - بارك الله فيكم !. وقال المختار أبو سفيان يؤمِّن على قول أبي فوَّاز : - الرأي ماترى أيها الشيخ ، وسينكشف الأمر ، وتنجلي عن الفاعلين حقيقة مقصدهم ، وإننا بُرَءَاء مما يفعلون . ونهض لسان الشيخ عبد السلام : - نعم ، نحن أهل قرية بيت جبرين نبرِّئ أنفسنا منهم ومن أفعالهم سواء كانوا لصوصاً أو مارقين . تململ الشيخ العصفوري في جلسته كالأسد الجريح ، وقال بشيء من الثبات والتحدي: - لا عليكم ! فإني كفيل بهم ، فإنْ كان طيشاً سنردُّهم إلى اتزانهم ، وإنْ كانوا خوارج مارقين فلن أدعهم يخرجون عليَّ مرة ثانية ، أو يمرقون على قانوني ونظامي ، فسأمهلهم رويداً حتى يعمل فيهم سيفي هذا الأعاجيب . وأشار بيده إلى سيف يتدلى فوق رأسه ، وتجهَّم وجهه ، وانعقدت سحابة سوداء بين عينيه اللتين تشعَّان كالجمر لهيباً حارقاً . قال الشيخ عبد السلام في شيء من التورية : - نسأل الله أن يُضَيِّق على الظالمين ، وأن يذيقهم من العذاب ألواناً ، وأن يجرِّعهم من ذات الكأس التي تجرَّعناها ، والله مُهلك كلَّ معتد أثيم . استطابت نفس العصفوري بما سمع من وفد القرية ، وشكر لهم حسن وفادتهم ، فقد أحسن الشيخ عبد السلام في اختيار ألفاظه تلميحاً لا تصريحاً ، بأن ينتقم الله من العصفوري الذي تكبَّر وتجبَّر ، وظلم فأوجع . وإنَّ شجرة البغضاء والكراهية التي زرعها في صدور أهل القرية والقرى المجاورة ، وسقاها بقسوته قد نَمَتْ وكَبُرَتْ وأثمرت ، وطال عليها الزمان حتى شاخت ودبَّ فيها الوهن ، وآنَ لها أن تتهاوى في جمرات العداوة والأحقاد التي أجَّجَها في صدور الفلاحين الذين ينامون على خوف ويستيقظون على قلق دائم . * * * * * أثارت سنابك الخيل غباراً كثيفاً يحجب الرؤية ، كانت أفراسهم تعدو مسرعة في شيء من الاضطراب والغضب ، تطير على وجه الأرض بلا أجنحة ، تفكر بما يفكر به فرسانها ، وتُوَطِّد النفس على إرضائهم وطاعتهم ، وتتحمَّل الأذى والصعاب حتى يعودوا وقد هدأ سرهم ، وارتاح بالهم . وكان منصور ذلك الشاب اليافع يتقدم الركب ، يقودهم إما إلى حتوفهم وإما إلى حتوف غيرهم ، وإنه لا يبالي ، فتراه يندفع كالسهم ، يلكز فرسه كلما أحسَّ منه توانياً ، ولا يتردد في ضرب كفله بسوط كان بيده . ولقد عُرف عن منصور هذا ، أنه غضوب دائماً ، لا يعرف وجهه الابتسام ، وأنَّ قلبه لمعمور بحب الانتقام واستنزال الشدِّة على الآخرين جرياً على نهج أبيه في سَوْس الفلاحين من أبناء هذه القرى الذين يمتازون بالبساطة ويتصفون بالبؤس . كان وهو على ظهر فرسه يفكر في أقسى أساليب الإيلام التي يستخدمها في قمع الناس ، وإنه لجريح لا يداوي جراحه إلا إلحاق الأذى والألم بهؤلاء الذين يعمرون قرية بيت جبرين والقرى المجاورة لها . نعم ، إنه عنيف كأبيه ، وإنه عنيد كأبيه ، وإنه سفاح للدم كأبيه ، وقد فاق أباه في عنفه وعناده وسفحه للدماء ولا غرو في ذلك ، فقد ورث عنه عنفه وكبرياءه وحبه للسلطة والتسلط على رقاب العباد ، وإنه قد تعهَّد لأبيه أن يثأر لموت أخيه الشقيق نوَّاف ، ولدماء شقيقه مسعود ، ولجراح أخيه جاسر ، وينتقم للنَّمر أحد رجال العصفوري ، ولكرامة العشيرة وشيخ العشيرة الذي أهانها وألقى بها هذا التعدي السافر إلى مهاوي الرَّدَى ، وقد عهد له أبوه بهذه المهمة التي ينوء بحملها كبراء القوم ، وإنه مع حداثة سنه لقادر ، وكيف لا وهو الفتى الجريء الذي يُؤْثِر الاضطراب على الطمأنينة ، ويُؤْثِر العنف وارتقاء الصعب على الدعة واللين . ولو أنه قد أعمل فكره مرة ، وقابل بين هذه الحياة التي اختطها لنفسه وبين الحياة التي يَقْدِر على أن يحياها بشيء من هدوء البال وراحة الضمير في هدأة الليل ، وبشيء من اللهو حين يصخب النهار، لَفَضَّلَ الثانية على الأولى ، ولكنه لم يكن يفعل على الرغم مما لديه من قوامات الحياة الهادئة الهانئة ، ففي يده المال والسلطة والجاه ، وتحت إمرته رجال أشداء يحوطونه بالمنعة وقوة القانون القبلي ، ولكنه يأْبَى ذلك ، ويختط لنفسه هذه الطريق التي يسلكها ؛ هذه الطريق التي رسمها أبوه ، وليس له إلا السير فيها مهما كانت الصعاب ، ومهما انتصبت في وجهه الأهوال والشدائد . وها هو منصور يجوس خلال ديار بيت جبرين يعيث فيها فساداً ، ويعبث بمصادر أرزاق أهلها ، وينثر الشر على مفارق الطرق ، فيضرب ويقتل وينهب ، وإنه في نشوة لا تعدلها نشوة ، فتراه يستعذب انتصاراته ، ويشبع نهمه ، ويشفي غليله ، ويحث الآخرين من رجاله على تحطيم كل شيء تقع عليه عيونهم ، وتصل إليه أيديهم دون رحمة . وينعطف منصور وركبه إلى قرية تل الصافي ، فيقيمون فيها الأحزان والأتراح ، ويشعلون في زروعها ناراً أكولة ، ويوقدون في صدور أهلها أحزاناً تتأجج بمرور الأيام . وترتفع ألسنة النساء بصراخات تتصاعد متلاحقة إلى عنان السماء ، فتكتحل المآقي بسواد مأساة جديدة ، وتغتمر الأزقة بدموع العيون التي يغرق فيها منصور. ولكنه يحسن العوم ، ويستعذب الأنين ، ويستمر في غَيِّه فيجوب برجاله كل الأرجاء ، لا يترك خِرْبة ولا واد ولا تل إلا يسائله عن رجال غرموا بالأمس فلا مجيب ، فيدفعه ذلك إلى أن يعلن عن مكافأة مقدارها مئة ليرة ذهب " عثمانلي " لمن يأتي بالأخبار الأكيدة عن هوية أحد الرجال الذين اشتركوا في مهاجمة القصر وشاركوا في إطلاق الرصاص الذي أردى نوَّاف والنَّمر قتيليْن ، وأصاب آخرِين . ثم يرجع منصور إلى أبيه بخفيِّ حُنَيْن كما يقول المثل وفي نفسه غيظ دفين . * * * * * - ما هذه الحياة يا ناس ؟! . ماذا فعلنا أو ماذا اقترف آباؤنا حتى تنزل علينا هذه اللعنة ؟!. - ألا تعلمون أنَّ خطيئة المرء يُصاب بها الولد السابع في نسله ؟ . - ولكنَّ الله سبحانه يقول : " ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . - ويقول سبحانه وتعالى أيضاً : " وما ربك بظلاَّم للعبيد " !. واستجمعت الألسنة قوتها ، ونطقت بصوت أقرب إلى الهمس منه إلى الجهر " صدق الله العظيم " . هذا ما خرج من أفواه كثير من رجال ونساء قرية بيت جبرين ، كل منهم يتساءل وهو يضرب كفاً بكف ، وقد أمسك الصمت بتلابيب ألسنتهم ، فيلملمون جراحاتهم ويكفكفون دموعهم ، ويطوون أساهم في صدورهم ، وينامون تلك الليلة . ولكنْ هناك عيون أخرى لم تنم ، ولم يعرف أصحابها للراحة سبيلاً ، إذ يتسللون من وراء جفن الليل يحملون أسلحتهم في أيديهم ، ويحملون في صدورهم مشاعل النقمة والكراهية لهذا الطاغية الذي أقضَّ مضاجعهم ، ونحر الدموع في عيونهم ، وجعل الحزن يستوطن قلوبهم . قال أحد الرجال : - فرصتنا أن نضرب ضربتنا هذه الليلة . - وماذا بعد ؟ أَلَا تعلم أنَّ العصفوري قوي الشكيمة ، ويستطيع أن يتلقى ضربات كثيرة دون أن يُطاح به ؟. - لا يا خالد ، لا يغرَّنَّك به الغرور ، فإن نحن نفَّذْنا خطتنا بإحكام وأنفذنا فيه ضرباتنا فإنه سيترنح وسيهوي ، فهو إنسان من قبل ومن بعد ، وستهزه ضربتنا هذه الليلة هزة لا يستجمع بعدها قوته العقلية ، وستكون أيضاً موجعة له ولباقي رجاله . قال خالد : - ولكنني أخشى أن يَحْدُث ما لا يخطر ببالنا . - لا تخشَ شيئاً ، فإنَّ القمر لا يخون !. قال أسامة بشيء من التهكم : - لقد أخبرتنا الأيام أنَّ القمر قد غَطَّى وجهه بعباءة " كشميرية " ، فخان أصحابه . - قل يا رب !. شَقَّ الرجال طريقهم التي تُضاء تارة ، وتعتم تارة أخرى بتعاقب السحب على وجه القمر ، وكانت قلوبهم تحمل المشاعل التي يستنيرون بضيائها ، وينطلق لسان أحد الرجال وهو يردِّد بعض المواويل والأغاني الشعبية ، فيَطرَب جميعُهم بما تفيض به عاطفة صاحبهم ، وتعود بهم الذكريات إلى أيام الطفولة وأوائل الشباب ، وقد انبعثت في صدر كل منهم أمنية عزيزة آملين أن تعود بهم الأيام إلى سوالف عهدها ، فيمرحون ويهنأون بعيشهم . طافت بهم الذكريات على أجنحة " الدلعونة والميجانا " وكادت تصعد بهم إلى معارج السماء ، وتنأى بهم عن واقع الحال الذي هم فيه ينغمسون ، لولا أن شدَّ أسامة أعنَّة خيالهم بقوله : - أيها الرجال ! أحكموا اللثام ، فنحن على مشارف الهدف ، لا ينسَ كل منكم دوره ، ولا يتعداه ولا يستبدل به عملاً آخر . توكلنا على الله.... كانوا ثمانية ، انشطروا إلى مجموعتين ، كل مجموعة تعرف مهماتها وتعرف طريقها، فاتجهت إحداها إلى زروع العصفوري تشعل فيها النيران ، وتلقي حممها إلى ممتلكاته حيث الحظائر والإسطبلات والبوايك وصوامع الغلال ، فارتفعت ألسنة اللهب تلتهم كل وقود يابس أو أخضر، وارتجت الأرض بأصوات الحيوانات والدواجن فأحدثت جَلَبَة وصخباً انتزعا العصفوري ورجاله من مراقدهم ، فانخلعت قلوبهم فزعاً مما سمعوا ، وذُهلوا عن أنفسهم حين رأوا الجحيم . ودارت الأرض برءوسهم حينئذٍ ، فهم لا يفقهون شيئاً مما يحدث ، ولا يعرفون كيف يتصرفون ، فأخذوا يتخبطون وهم في أماكنهم يترنحون . واعتلت ألسنة النيران مراقي السماء ، ولكنَّ بضعة من رجال العصفوري قد أفاقوا من ذهولهم ، فحملوا بنادقهم وخرجوا يواجهون الموقف ، وأيديهم تضغط على الزناد . وحدث اشتباك ، تبادل فيه الفريقان إطلاق النار من أسلحتهم ، ودارت معركة حامية تعفَّر بها وجه الأرض الذي اتشح بالسواد المنبعث من الحرائق ، وتمزق من هولها رداء الليل البهيم الذي ترنح من تحته سراج وَهَّاج بذبالة لا تنطفئ . كان رجال العصفوري يتصرفون بحذر شديد وبشيء من الخوف ، إنهم لم يتبينوا أحداً ، إنما هي شخوص مُلَثَّمة تكِرُّ بأفراسها وتفِر كأنها أشباح ، ما إن تظهر حتى تختفي ، وما إن تختفي حتى تظهر . ويأخذ بعضهم طريقاً أخرى تحت تغطية من رفاقهم ، فيتسللون إلى القصر من باب خلفي دون أن يواجهوا حراساً في طريقهم ، فكل رجال العصفوري قد تجمعوا أمام باحة القصر لصد هذا العدوان الذي فاجأهم فأربكهم ، الأمر الذي أغفلهم عن بعض المواقع ، فتركوا خلفهم فراغاً دفاعياً نفذ منه المهاجمون . دخل الملثمون القصر وقد جاسوا خلال الديار دون عناء ، وتوقفوا أمام إحدى الحجرات يطرقون بابها طرقاً عنيفاً ، فخرج عزام من حجرة نومه يفرك عينيه بكلتا يديه ، وقد ظهر عليه الفزع مما يسمع من جَلَبَة تختلط فيها أصوات الرجال وأصوات طلقات البنادق ، ومد يده إلى رتاج الباب ، وما إن فتحه حتى فوجئ بدخول اثنين منهم عليه ووقوف اثنين آخرين بالباب ، وقبل أن يفيق عزام ، وقبل أن يعود إليه رشده ، تقدَّم منه أحد الملثمين شاهراً سلاحه في وجهه ، وقد خطا الثاني ليأخذ بندقية معلقة على الحائط فوق مخدع عزام ، وقال له : - عزام ! لا داعي للمشاغبة ، فطلقة واحدة تنهي حياتك ، وهذا ما لا نريده لك ، فأتمِر بأمرنا وكن سَلِساً . قال عزام وقد أفاق من نومه وصحا من فزعه : - مَنْ أنتم ؟ وماذا تريدون ؟. - نريدك أن تخرج معنا دون أن يحس بنا أحد . - إنْ كنتم تريدون .... فقاطعه الملثم برفق : - ما نريده أكبر من قدرتك ، لهذا سنأخذك معنا لأمر، وستعود . - أخبروني من أنتم ؟. - سنتعارف فيما بعد . - وماذا تريدون مني ؟. - سنتحدث في هذا الأمر في حينه ، أما الآن فنحن على عجلة من أمرنا . وتقدَّم أحد الرجال وقد طرح على رأس عزام كوفيته ، فغطى بها وجهه وعصب عينيه ، وقيَّد يديه بعقاله من خلف ، طالبين منه الخروج معهم بهدوء لئلا يصيبه منهم ما يؤذيه ، مهددين إياه : إن لم يفعل ما يُؤْمَر يكن الضحية . أطاع عزام ، واقتاده الرجال بهدوء إلى خارج ساحة القصر من الجهة الخلفية ، ومازالت المعركة مستمرة على الجانب الآخر من القصر . ركب الرجال أفراسهم واستاقوا معهم الفرس الذي يمتطيه عزام ، وبعد مسافة ليست بعيدة انطلقت من بنادقهم طلقات انسحب على إثرها المهاجمون الذين حملوا معهم قتيلاً منهم ، كما أخذوا في حسبانهم ملاحقة رجال العصفوري لهم . فبحسب خطتهم ابتعدوا في مسيرهم عن الطرق التي تؤدي إلى إحدى القرى المجاورة ، لئلا يُظَن أنَّ الفاعلين من أهلها ، فتدهمهم سنابك خيل العصفوري ، ويُلحِق بهم رجاله القتل والدمار. مال الركب إلى " خِرْبة عراق الخيل " حيث كهف أثري مهجور، اتخذه الثوار مقراً لهم ، ينامون فيه ويصبحون ، فوارَوْا صاحبهم في التراب ، وأسعفوا اثنين من المصابين ، ثم امتطوا جيادهم متجهين شرقاً إلى قرية " دير نَخَّاس " التي تبعد عن بيت جبرين بضعة كيلو مترات ، وهناك نزلوا داراً في طرف القرية لا تخترقها العيون ، وقد هيأ لهم بعض الرجال الذين كانوا في انتظارهم شيئاً من طعام وشراب ، وشيئاً من ترتيبات المقام الآمن ، وقد اختاروا إحدى الحجرات ذات الحوائط القديمة المصنوعة من الطين اللبِن والقَصَل ، المسقوفة بأعواد الذرة والبوص ، والتي لها باب خشبي ثقيل برتاج محكم ، ليقيم فيها خطيفهم . فأودعوه فيها بعد أن فكوا قيده ، ورفعوا العصابة عن وجهه وعينيه ، وقدموا إليه طبقاً فيه شيء من طعام ، وإبريقاً فخارياً فيه قليل من الماء ، وأغلقوا عليه الباب ليستريح ، ووُكِّلَ للسهر عليه وحراسته اثنان من الرجال الأشداء . تكوَّم عزام فوق كومة من القش في ركن قصي من أركان هذه الحجرة العتيقة ، وأسند رأسه على راحتي يديه ، وأخذت الأفكار تتماوج في رأسه ، تُرَى أيُّ نوع من الخاطفين هؤلاء ؟ وماذا يبتغون من وراء فعلتهم هذه ؟. وأصغَى قليلاً فإذا بالخواطر تتقاطع ، فيتساءل في نفسه : تُرَى هل هم لصوص ؟ وماذا يريد اللص سوى المال ؟. إنهم لم يسألوه عن مال لحظة دخولهم عليه واقتياده من بيته ، ولم يمدوا أيديهم لشيء ثمين ، وما أكثر الأشياء الثمينة التي يحتويها قصر أبيه . ونفض رأسه نافياً كونهم لصوصاً، ثم أغمض عينيه ، ووضع رأسه فوق راحة يده اليسرى ، بينما أصابع يده اليمنى تعبث بالقش الذي يفترشه ، فجال في خاطره كثير من الأحداث لعله يجد ما يفسر وجوده هنا ، وتعاقبت على ذاكرته الصور، وتوقف عند أفاعيل أبيه وإخوته بأهالي بيت جبرين وغيرها من القرى . وتساءل يُحَدِّث نفسه : هل يكون جبروت أبي هو سبب أسري ؟. واستبعد ذلك مرجحاً أنَّ منصور ومسعود وغيرهما أولى منه بالأسر . وأحس تعب الفكر، وشعر بالإرهاق ، وساءل نفسه : هل سيدفع ثمن ما ارتكبه الآخرون ؟ كلا ، ولكنه لابد أن يصل إلى تفسير معقول . وطافت الأفكار ترفرف برأسه ، وحامت سحابات النوم تظله وتهدهده ، وتغلق منافذ عينيه كما أغلقت منافذ الفكر الذي أضناه ، وتمدَّد على القش ، وأسلم نفسه إلى نوم عميق ، أيقظه صوت رتاج الباب وهو يَصِرّ ، فانفتح عن شاب يتقدم منه وهو يقول بشيء من الود الذي يهدئ من الروع ، ويشيع الطمأنينة : - أسعد الله صباحك أيها الفتى !. فرك الفتى عينيه بظاهر يديه ، وتثاءب قليلاً، وقال وهو يلتفت إلى الشاب الذي جلس القرفصاء أمامه : - أسعد الله صباحك أيها الرجل !. - لعلك ارتحتَ من وعثاء السفر. - ولكني لم أرتح من وعثاء الفكر. - لا تجهد نفسك بالتفكير، فكل شيء بأوان . تنبَّه عزام إلى مُحَدِّثِه ، وقد طرد ذيول النوم من عينيه وأيقظ عقله وفؤاده ، وأخذ يتفرَّس في هذا الرجل الذي يجلس قبالته ، فقدَّر أنه في عمر الشباب ، كان يافع القامة ، ممشوق القوام ، عريض المنكبين ، يتمنطق بحزام يتدلى منه مسدس جولد 14 مم ، ولم يبدُ من وجهه الذي يخفيه تحت حَطَّتِه إلا عيناه الواسعتان الكحيلتان ، وصمتَ كلاهما لحظات ، كل يتفرَّس في عيني صاحبه . قال عزام : - مَنْ أنتم ؟. - أنت ضيفنا. - أرفض ضيافة بالإكراه . - لا تخشَ مكروها . - لَمْ تجبني.... مَنْ أنتم ؟. - نحن طلاب حق . - قُلْ – ولا تُمارِ– إنكم لصوص . - بل نحن ثوار. - وأعجزكم المال ، وتريدون فِدْيَة من أبي . - لسنا قُطاع طرق أو رجالاً من الصعاليك . - إذن ، ماذا تريدون مني ؟. - نريد شيئاً غالياً من أبيك . - ذهباً أم سلاحاً ؟. - ما نريده أغلى من الذهب وأثمن من المال والسلاح . - حَيَّرتني أيها الرجل ، أفصح عما تريدون ؟. - نريد أن نقهر أباك ونرغمه على اللهاث وراءنا . دُهش الفتى مما يسمع ، واعتراه دوار كاد يطيح برأسه ، ولكنه فرك جبهته بكف يده اليمنى ، وقال راجياً : - لا تُسمِعني ما لا أحب سماعه في أبي ، ولا تُكرِهني على النفور منك أكثر، ثم إنك لم تخبرني من أنتم ؟ وما وراءكم ؟ . وتجاهل الشاب سؤاله وقال : - ألَا تعلم أنَّ أباك قد سبَى امرأة من قرية بيت جبرين ، وإنه يحتفظ بها سَبِيَّة في قصره . خفض الفتى عينيه ، وقال بصوت يكاد يُسمع : - " سلمى " !. - نعم ! سلمى ، وقد طال عليها الزمن ، وأودَى أبوك بزوجها في غياهب السجن ، ليخلو له وجهها . طأطأ الفتى رأسه كسيفاً وقال : - الآن ، قد فهمتُ السبب وراء لعبتكم . - لا تقل لعبة ، إنها مخاطرة جريئة ثمنها أرواح بشر. تنهد الفتى وأخرج ما بجوفه من حرقة الغضب ولوعة الحزن الدفين ، وقال بصوت كسير: - وا أسفاه !!. - هل ترضى لأبيك أن يخطف شرف القرية ورمز كرامتها ؟ . هل ترضى لأبيك أن يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟. هل ترضى لأبيك أن يُرَوِّع الأطفال والنساء ، ويحني جباه الرجال فيُسلِّط عليهم الحكومة ، ويُسَخِّرهم في خدمته ؟. هل ترضى لأبيك أن يزوِّر في الأوراق ويدَّعي شراء أرض الحاج زيدان ، ويقتاد ابنه مكبَّلاً أمام أهل قرية بيت جبرين بغير حق ؛ فيذيقه ألواناً من العذاب المهين؟. هل يرضيك نهب الخيرات وفرض الإتاوات وتجويع الفلاحين والتحكم في مصائرهم ؟ . وهل ..... فقاطعه عزام صارخاً في وجه مُحَدِّثه : - كفى.... كفى.... يا.... يا.... ويميط سعيد اللثام عن وجهه الذي نبتت فيه لحيته، وغطَّى شارباه جزءاً من فمه ، ويصيح عزام كمن عثر على شيء افتقده : - سعيد ؟! . نعم أنتَ سعيد ، لازلتُ أذكر مرآك ، وإن تغيرتْ هيئتك بعض الشيء . فيردُّ سعيد بصوت متهدج : - نعم ! أنا سعيد ، ولعلك كنتَ أحد المشاهدين يوم كنتُ فُرجة أهل القرية ، يومها كنتُ أنا الضحية ، وكان أبوك هو الجلاد . أتذكر ذلك يا عزام ؟ . فماذا فعلتَ لي وأنتَ تعلم أنَّ أباك هو الظالم ؟. ماذا قدَّمتَ لأهل القرية حين كانوا يُرْزَأُون من أبيك ؟ . تنهَّد الفتى وأخرج ما تبقى في جوفه من لهب حارق وقال بصوت كسير: - لم يكن بمقدوري أن أفعل لك ولا لغيرك شيئاً سوى أني كنتُ أُحجم عن مجاراة إخوتي في مداهمات القرية وإنزال العقوبة بأهلها . - والآن يا عزام ، لقد جاء دورك . - لم أفهم ، أَفْصِحْ عما تريد ؟. - نحن نأسف لاختطافك، فأنت شاب مسالم تُؤْثِر مصاحبة الآخرين بالمعروف ، ولقد اخترناك لأننا نعلم أنك الوحيد لأمك ، وأنها تذوب حزناً وجزعاً لفراقك ، وستمارس على أبيك دوراً ضاغطاً لتتم المبادلة ، ولكنك تستطيع أن تساعدنا لتعود إليها سالماً دون إبطاء . فقد نُمِي إلينا أنها عطوفة على سلمى ، شفوقة بها، ونريد أن نقابل إحسانها بإحسان ، لأجل هذا لانريد أن يطول مقامك عندنا لئلا يطول إلتياعها عليك ، ويضنيها الم البعاد . - ما المطلوب مني ؟. - أنْ تكتب إلى والدك الشيخ العصفوري أن يطلق سراح سبيَّته مقابل عودتك إلى بيتك . - وإنْ لم أفعل . - تتحمل ما يلحق بك من نتائج . - وإنْ لم يفعل . - أيضاً يتحمل ما يلحق به من نتائج . - أبي لا يهزُّه تهديد أو وعيد . - سنضطره يقبل . - إنه عنيد عناد الصخر في الواد . - سنقوِّض كبرياءه ، ونهدم عنفوانه ، وسنُكْرِهه على القبول . - دعك من لغة التهديد ، فهذا لا يجدي معه نفعاً . - اكتب إليه يا عزام : أنَّ اليد التي انتزعتْك من بيتك تستطيع أن تنتزع إحدى بنات الشيخ العصفوري ، ونحن لا نريد أن نسلك هذه الطريق إلا إذا أَجْبَرَنا عليها عناد أبيك وغطرسته . توقف الكلام ، ورفرف الصمت فوق رأسيهما ، فلا تسمع شيئاً سوى صفير ريح تضرب بكفيها وجه الأرض ، وتصفع ذوائب الأشجار فتتطاير أوراقها وتتناثر جدائلها ، فتراها تتمايل يمنة ويسرة في حركة مطردة ولكن بلا نظام ولا اتزان ، كالدراويش حين تباغتهم الغيبوبة وهم في حلقة الذِّكْر في ليلة روحانية . انتفض عزام من مكانه كطائر حزَّت رقبته سكين الصياد ، وأحسَّ طعنة نجلاء تنفذ إلى ضميره وقلبه ، وتخترق عِزَّته وكبرياءه ، وقال وهو يضغط على الحروف بأسنانه : - يا ويلكم إن فعلتموها ، فالموت عندي أرحم من رؤيتي لفعالكم الطائشة . - نحن لا نريد لك الموت ، بل نريد منك أن تكون عوناً لنا فترفع المظالم وتردّ المغانم ، ولا أظنك ترتضي لنا ما لا ترضاه لنفسك من جور، ولا أظنك تُقِرُّ لأبيك ما تنكره علينا من فُحْش ، وها نحن نحكِّمك فينا فاحْكم بيننا يا مَن " .... فيكَ الخصامُ وأنت الخصمُ والحَكَمُ " . هَزَّ عزام رأسه وأطرق قليلاً ، وقال بحزم ظاهر منتزِعاً نفسه من التردُّد : - آتوني قرطاساً وقلماً . تهلَّل وجه سعيد ، ونادى بأعلى صوته مبتهجاً : - القرطاس والقلم . دخل شاب ربعة يضع لثاماً على وجهه ، ودفع إلى سعيد ما بيده من أشياء وخرج . عاد عزام إلى سهومه ، وقد غشيتْ وجهه مسحة من غضب ، تتقاذف من عينيه شواظ من نار حارقة ، وأخذ صدره يعلو ويهبط بحركة سريعة تنمُّ عن شدة الانفعال ، وأمسك بالقلم يخطُّ على ورقة بيضاء كالحة قد صفَّرتْها أشعة الشمس ، فقام عنه سعيد وتركه وحده يخاطب أباه بما شاء له أن يخاطبه . [email protected] دنيا الوطن