الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    شاهد لحظة اختطاف الحوثيين للناشط "خالد العراسي" بصنعاء بسبب نشره عن فضيحة المبيدات المحظورة    الصين توجه رسالة حادة للحوثيين بشأن هجمات البحر الأحمر    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    غزو اليمن للجنوب.. جرائم لا تسقط من الذاكرة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    استشهاد 5 نساء جراء قصف حوثي استهدف بئر ماء غربي تعز    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية السبية .. الجزء الرابع عشر بقلم عبدالحليم ابو حجاج
نشر في الجنوب ميديا يوم 30 - 12 - 2013


14
ألقت سلمى جسدها على فراش متواضع ، وأسندت رأسها الذي يعجُّ بالأفكار إلى الحائط ، وعلَّقت عينيها في سقف الحجرة ، وأخذت تسبح بخيالها في بحر من المحن ، فتلاطمت حولها الأمواج تتقاذفها بعنف إلى أن أعياها الفكر ، وأمضَّها التَّذكُّر. وتسلَّل الوسن من فرجة جفنيها ، فنامت وما نامت ! ، إذ تكاثرت عليها الأحلام ، وتخاطفتها الرؤى التي تخشى حدوثها ، فرأت ما يراه النائم ؛ رأت العصفوري يقف أمامها والسوط في يد ، ووردة حمراء في يد أخرى ، وكان له وجهان أحدهما عابس ، والآخر تغشاه ابتسامة باهتة . أطلق في الهواء ضحكة أفزعها ، وجعلها تتسمَّر في مكانها ، فأغمضت عينيها ، وغطَّت وجهها بكفيها ، إلا أنَّ صوت العصفوري جعلها تنتفض ، وتمدُّ عينيها ، فإذا به اثنان أحدهما أسود والثاني حنطي اللون .
- سلمى ! إني أُخَيِّرُكِ فاختاري ، ما بين الجنة والنار .
ردَّت بصوت مرتجف :
- دعني أذهب إلى أرض محايدة .
- لقد اهترأت تحت قدميكِ كل أرض تحسبينها محايدة .
- إذن ، دعني يا عصفوري ، واغرب عني .
- ألهذا الحد تكرهينني ؟ .
- هذا حصاد زرعك .
تغيرت لهجة العصفوري إلى شيء يميل إلى الرقة .
- صدقيني يا سلمى : إني قد وقعتُ في هواكِ .
- أنتَ تجري وراء سراب .
- أنسيتِ أني إن أردتُ شيئاً فلا محالة واصله .
- أنسيتَ أني على ذمة رجل يحبني وأحبه .
- مَنْ.... سعيد ؟.
- نعم ! إنه زوجي ، وهو ما زال حياً وسيعود .
- لا عليكِ ! فغداً ستُزَفين إليَّ في عرس بهيج .
- لن يكون .
- بل سيكون .
- تستطيع أن تملك الجسد ، لأني أسيرتك ، ولكنك لن تستطيع أن تملك قلبي وروحي .
- سأُقحم نفسي .
- أَرِحْ نفسَك ، فوالله لن تجد عندي غير الصَّد والرد .
وهاج العصفوري وتقدم " الأسود " بوجه صارم ، وعينين تتقادحان الشرر ، وألقى الوردة على الأرض ، وأخذ يهوي على جسد سلمى بالسوط فصرخت . وهنا تفيق سلمى من نومها وتتحرر من كابوس ثقيل ، وتنظر حواليها فلم تجد أحداً من العصفوري لا الأسود ولا الحنطي ، وأخذت تتحسس جسدها فلم تجد أثراً للضرب ، إنَّما هي الرؤيا . ومدت يدها إلى إبريق فخاري ، وتجرعت شربة ماء ، وتعذبلت من الشيطان الرجيم ، ثم اعتدلت في جلستها ، وأطرقت وهي تتمتم بسورة الفاتحة والمعوذتين . وإذا بطرق خفيف على النافذة ، فارتعدت فرائصها ، وتوقفت الآيات على طرف لسانها ، وخشيت أن تتحقق الرؤيا فيأتيها العصفوري بسوطه ويذيقها لوناً من الألم والمرارة ، ولكنها ارتدَّت عن هذه الخاطرة ، إذ لو كان الطارق هو العصفوري لجاء من الباب وليس من النافذة . فمَنْ يمنع العصفوري إذا وقف بالباب يريد الدخول ؟ . وهنا سمعت سلمى همساً يقول :
- سلمى!.... لا تخافي .
ترددت قليلاً قبل أن تجيب ، وتسمَّرت في مكانها ، وأرهفت سمعها حيث سمعت :
- سلمى!.... أنا عباس ، لا تجزعي . افتحي النافذة .
قالت سلمى بصوت مبحوح يدل على خوف صاحبه :
- وماذا تريد يا ....؟ .
قاطعها قائلاً :
- اخفضي صوتك ، ولا تذكري اسمي.... هيا افتحي النافذة .
شقَّتْ سلمى النافذة ، وأطلَّ وجه عباس من ورائها وابتدرها قائلاً في همس :
- اسمعيني جيداً .
- ماذا ؟ .
- أستطيع أن أُخرجك من سجنك هذا.... إنْ أردتِ .
- كيف ؟.
- أساعدك على الخروج من هذه النافذة التي تتسع لجسمك وتهربين .
- إلى أين ! ولا عاصم يمنعني من العصفوري ؟ .
- أطير بك إلى الشيخ حرب السيناوي تستجيرين به فإنه يمنعك ويقدر .
- لا.... لا.... يا عباس ، إنَّ هذا التصرف يثير حفيظة العصفوري عليَّ وعلى أهل القرية . فلماذا أتركهم يسددون حساب فكرة طائشة ، ثمنها باهظ التكاليف ؟ ومَنْ يدري ! فقد يدفعه ذلك إلى إنفاذ تهديده بالانتقام من سعيد .
- ليس هناك حل غير الهرب .
- إنه عمل يجلب العار والدمار على أهلي وأهل القرية جميعاً .
فابتسم عباس ساخراً :
- أهناك عار أكبر من عار استلابك يا سلمى ؟ .
رفعت سلمى رأسها ، فرأت القمر يمدها بضيائه أملاً ، وتسللت إلى وجهها بشائر النصر ، وقالت كمن يحدث نفسه :
- ما أحلى تلك اللحظات التي أرى فيها شباب القرية يتقدمون نحوي يفكون أسري ، وأخرج على مرأى ومسمع من العصفوري عزيزة كريمة .
- أنتِ تحلمين يا سلمى ؟ .
- إذن ، دعني أحلم ، فلابد لليل أن ينجلي .
- قد يطول حبسك .
- خبِّرني يا عباس ، كيف أحوال القرية ، وكيف والدي وعمي الشيخ زيدان وسائر أفراد الأسرتين ؟ .
- القرية كما تركتِها لم يتغير فيها شيء ، وأهلها بخير فجميعهم يذكرونك ليل نهار، ولا تهدأ ألسنتهم في مجالسهم عن الشجب والاستنكار . إنهم في نقاش دائم ، ولكنهم مختلفون في الوسيلة التي بها يخلِّصونك من الأسر، وما أكثر وسائلهم وخططهم ! .
- أبلغهم أني فرس عربية أصيلة ، وأني على العهد باقية ، ولن أخذلهم أبداً .
- وأنا يا سلمى ، لن أتخلى عنك ، وإني قريب منك صباح مساء ، وكلما جدَّ جديد سآتيكِ به .
انصرف عباس وترك وراءه سلمى حائرة فيه ، إنه من رجال العصفوري المخلِصين ، وهو أحدهم الذي يعتمد عليه العصفوري في تنفيذ بعض المهمات الجريئة ، فتراه ينفذ الأوامر دون تردد ، وقد ارتضى لنفسه أن يكون في الصف المعادي لأهل قريته ، فما هذا التحول ؟! وما الذي دفعه لأن يعرض على سلمى تقديم يد العون والمساعدة ؟! تُرى هل كان صادقاً فيما عرض ؟ أم أنه جاء إليها يرمي حولها شِباك العصفوري ليسبر غورها ؟ ولكنَّ العصفوري لا يفعلها . ولاكت سلمى كل كلمة سمعتها ، وعادت إلى ذاكرتها تستنطقها ، فتستبين لها لهجته ورنة صوته ولهاث أنفاسه وانفعالات وجهه تحت ضوء القمر الخافت ، فتتحقق من صدق نواياه وصدق عرضه وصدق نخوته بتخليصها من يد السجَّان .
وحارت سلمى في هذا العباس ، ما الذي جعله يتحول هذا التحول ؟! ما الذي أيقظ في صدره هذه النخوة التي تتصف بالمجازفة ؟! . نعم ! إنه يجازف بروحه ويغامر بحياته . ولكنها تذكرت تلك اللحظة التي تقدَّم منها عباس يفك قيدها وهي واقفة بين يدي العصفوري ، وتذكرت ما همس لها به : " لن أتركك نهباً للمخاطر " . نعم إنها الشهامة ، ولِمَ لا وسلمى تُمَثِّل رمز الشرف والكرامة لهؤلاء الفلاحين ولهذه
القرية التي ينتمي إليها عباس .
وصاح الديك معلناً بزوغ الفجر، فرفعت سلمى رأسها من خلال النافذة إلى السماء ، فهبَّت على وجهها نسمات رقيقة تسعف النفس المكلومة ، وقالت بصوت المناجاة :
- يا رب...!.
وعادت تتكوم على فراشها تستقبل يوماً جديداً ، وقد مضى على أسْرِها أيام لا تدري كم عددها ، ولكنها قد علمت من الرياح التي تذرو الرمال ، ومن تراقص ذوائب الأشجار، ومن لسعات الهواء البارد ، أنَّ منافذ السماء قد تتفتح قريباً ، وأنَّ موسم الشتاء قادم .
وتسمَّرت عينا سلمى على باب حجرتها لحظة أن تحرَّك رتاجها ، فدخلت إليها
امرأة في عنفوان الشباب ، ملفوفة بهالة من الجمال الطبيعي ، قد أُضيء وجهها ببسمة تشع اطمئناناً ، فاطمأنت سلمى بعد إذ جزعت ، وزفرت ما بجوفها من هواء ألهب صدرها ، ولكنها لم تتحرك ، إذ ما زالت ذاهلة ، وتوقفت المرأة في مكانها ، وقالت قبل أن تخطو :
- أتأذن لي سلمى بالدخول ؟ .
اغتصبت سلمى ابتسامة خفيفة زيَّنت بها وجهها الذي يُطِلُّ منه الحزن وقالت :
- تفضَّلي !.
تقدمت المرأة التي كانت فارعة الطول ، ترتدي ثوباً من التوبيت المطرَّز ، تضع على رأسها عصابة حريرية كسائر نساء قضاء الخليل اللاتي يبدو عليهن النعيم .
كان وجهها يميل إلى البياض ، يعلوه حاجبان كهلاليْن في أوائل الشهر العربي ، وقد اكتحلت عيناها ، فترى فيهما ذلك الحَوَر الذي تغنَّى بجماله الشعراء ، كما ترى في شفتيها حُمرة وردية تُغري بالقُبَل ، وهي مع هذا الجمال ومع هذه الرقة تراها قوية الشخصية . جلست قبالة سلمى وقالت :
- أنا مريم " أم عزام " الزوج الثالثة للشيخ العصفوري .
- أهلاً بكِ يا عمتاه !.
- يؤسفني أن أراكِ وأنتِ على هذه الحال .
- إنْ كان بيدك خلاصي ، فلا تتواني .
- هوِّني عليك ، وأخبريني صدقاً : ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ .
- وهل تعتقدين أني جئتُ برضائي يا عمة ؟ .
- كلا يا ابنتي ! ولكني أسألك عن السبب الذي دفع الشيخ " أبا نوَّاف " لاحتباسك هنا في قصره .
لوت سلمى شفتيها ، وتطلَّعت إلى اللاشيء ، وقالت :
- يتهمني أنا وزوجي بتحريض أهل القرية للخروج عليه .
- وماذا فعلتما ؟ أصدقيني القول ، وقِصِّي عليَّ نبأكما .
روت سلمى لأم عزام قصتها وقصة زوجها ، وحكت لها حكايات أهل القرية وما تجرَّعوه من كئوس الظلم والقهر والإذلال علي أيدي العصفوري ورجاله وأتباعه من عسكر الدَّرَك . وقصَّت عليها ألواناً من أفاعيل العصفوري وأبنائه ورجاله ، ثم ختمتها بما كان منه وما أصابها به يوم أن سباها رجاله ، وساقوها تتسربل ثوب الهوان. وسالت دموع سلمى بوقار وسكينة ، وتدافعت حباتها على خديها لؤلؤاً يلصف.
كانت أم عزام تُصغي بكل جوارحها إلى هذه الصَّبِيَّة ، وبدا عليها التأثر، فطفقت تحنو عليها ، وتهدئ من روعها ، ثم قالت :
- سلمى !.
- نعم !.
- هل بدا من الشيخ ما يريب ؟ .
- ألمح لي بطول المقام ، وأخبرني أن زوجي قد لا يعود .
- ثم ماذا ؟ .
- أطرَى علي جَمالي ، وأثنَى على ذكائي .
- ثم ماذا ؟ .
- أظهرَ إعجابه بشخصيتي .
- ألم يطلب منك أن تكوني له حليلة ؟ .
- أنا على ذمة رجل .
- وماذا كان ردك عليه ؟ .
- لقد سمع مني رأيي حين ألمَحَ بذلك ، فأنا لن أَخُوُن العهد ، ولن أستبدل
بزوجي أحداً من الرجال ، مهما كان هذا الأحد .
- ولكنْ يا ابنتي ، قد يُكْرِهُكِ على شيء يريده ، وإنه لقادر على إكراه المأذون ، واستحضار شهود الزُّور.
- سأقاوم ولن أستسلم لنزواته .
- قد تنهزمين أمام مضائه .
- لن أُفَرِّط في الأمانة ، أو الموت دونها .
- يا لكِ من مهرة أصيلة ! .
- هذا لا يكفي يا عمَّة ، فإن كنتِ تستطعين أن تَكُفِّي عني هذا البلاء وتُفرِّجي عني هذه الكُرْبَة ، فلا تبخلي ولا تتباطئي فيه .
- تجمَّلي بالصبر والصلابة ، وإني سأجتهد في مساعدتك ، وكسر القيد عن يديكِ . سأنصرف عنك الآن ، وإني سأعود .
* * * * *
انعقد المجلس الذي ضمَّ كثيراً من رجالات القرية : شيبها وشبابها . فكانوا يمثلُّون كل القرية ، وكان جميعهم قد لبُّوا الدعوة وحضروا إلى دار الشيخ عبد السلام ليتدارسوا همومهم وما يستجدُّ لهم من أمور. كانت النفوس ثائرة بحجم الحدث الذي أحدثه فيهم الشيخ العصفوري ، وما لهم لا يجتمعون فيُجمِعون على رأي واحد ، وإنهم ليأمُلون الخروج من كَرْبهم الذي أجهد نفوسهم ، وأمضَّ أجسادهم ، ونفَى النوم من عيونهم ، وشرَّد هدأة بالهم .
تصدَّر الشيخ عبد السلام المجلس ، وكان يجلس عن يمينه وعن شماله كُبَراء
القوم من الشيوخ والفتيان ، وكانت أصوات المؤتمِرين تُحَلِّق فوق رءوسهم فتعلو
وتنخفض بأحاديث متفرقة ، ولكنها لا تخرج عن استعراض همومهم الحياتية .
- أيها القوم ! .
سكتت الألسنة ، واشرأبت الأعناق ، وتطلعت العيون إلى الشيخ عبد السلام الذي أخذ يقول :
- أيها القوم ! على رِسْلكم ، لقد دعوتكم إلى هذا الملتقى لنتدارس الأمر الجلل ليدلي كلٌّ دلوه ، علَّنا نصل إلى حل ، فالمسئولية جماعية .
انطبقت الأفواه ، وشخصت الأبصار، وأبحر الغواصون منهم في أعماق أفكارهم ، كلٌّ يفكر في حل يُجَنِّبُهم مزيداً من القهر والإذلال ، ويخرجهم من حياة البؤس والحرمان . ونشط الشباب في طرح أفكارهم وبسط مقترحاتهم ، ولكنَّ اعتراض الشيوخ كان يئدها في مهدها ، الشيء الذي جعلهم يسأمون ، وجعلهم ينكرون على شيوخهم مواقفهم التي تبدو في نظرهم خضوعاً لواقع ورثوه ، ونبتوا في مستنقعه ، فهم يَأْمُلون من شيوخهم أن يطلقوا أيدي هؤلاء الفِتْيَة ، ويُخَلُّوا بينهم وبين العصفوري حتى تكون المواجهة ، فتنتهي بالغلبة للذي هو أقوى . وقد يكون هؤلاء الفِتْيَة على حق فيما يزعمون ، إذ إنهم يميلون إلى العنف طريقاً للنجاة من الغرق في مستنقع العصفوري ، وهم على حق أيضاً فيما يزعمون ، عندما يروْن آباءهم الشيوخ يُسامُون الخسف ، ويرسفون في قيد أوله في رقابهم وآخره في كف العصفوري . وهم على حق فيما يزعمون ، عندما تُهان نساؤهم ، وتنتزع إحداهن وتُؤْخذ سَبِيَّة ، وكان من قبل قد استلب العصفوري أرضهم وعَرَقَهم ، وصادر أرزاقهم ، وهجَّر الأمن والأمان من صدورهم وبيوتهم . ولكنهم ليسوا على حق عندما يزعمون أنهم أشد قوة من العصفوري ومن رجال الدَّرَك . وإنهم لينظرون إلى شيوخهم على أنهم القيد الذي يعقل أيديهم وأرجلهم عن الحركة والفعل .
وها هم شيوخهم يجلسون بوجوه متجهِّمة ، تنمُّ عن إعمال الفكر ، وإنه ليحار فيهم القول ، ويرتاب فيهم الرائي ، ويشك في مصداقيتهم السامع ، فهم يخشون على القرية
مزيداً من الأحزان والآلام ، فقد أوجعتهم ضربات العصفوري ، وقد أفجعهم هذا
الرجل بما يُمَثِّل من العَنَت والغِلْظَة ، وهم يخشون أن يُحْدِث فيهم ما يُرَوِّعهم ويُضْنِيهم ، وهم على حق فيما يفكرون ، لأنهم يذكرون الأمس ويخشون من الغد . وما لهم لا يخشون العصفوري الذي انتزع الأرض ، وأرهق أهلها بما يفرضه عليهم من إتاوات وضرائب !. وما لهم لا يخشوْنه وهو الذي امتلك البشر ، وأحاطهم بسياجات لا ينفذون منها إلا بأمره !. وما لهم لا يخشوْنه وقد أطبق على أنفاسهم ، فضرب وعَذَّب ، وسجن وشَرَّد ، وسرق ونهب ، وأزهق الأرواح دون أن يهتز شاربه ، وإنه ماض في طريق طويلة دون أن يقف في وجهه أحد !. وما لهم لا يخشون رجال الدَّرَك الذين يُسلِّطهم عليهم فيُحْدِثون فيهم أحداثاً تفجعهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم !. وما لهم لا يخشون بطشه ، وعقولهم ما زالت تكتظ بذكريات أليمة ، تحتفظ بها بعد أن خلَّف وراءه المآسي لهذه القرية الوادعة التي لم يجد فيها قوة تردعه ، ولا قانوناً يحمي أهل القرية من أنيابه ويدفع عنهم مخالبه !. إنهم يَزِنُون الأمور بميزان العقل ، وإنهم يعلمون جيداً حجم قوة القرية . ولهذا ، فهم يخشون على أنفسهم وأبنائهم وبناتهم من قوة لا قِبَلَ لهم بها . ولكنْ هل يستكينون ؟ وهل يستملحون المهانة ؟ . وكيف لهم أن يستكينوا وضجيج الجراح تطنُّ في أسماعهم ، تنغِّص عليهم راحتهم ؟ . كيف لهم أن يستملحوا حياتهم أو يشعروا بالقرار والأمان ، والنار تتلوى في صدورهم وتكوي ظهورهم ؟ . فهل يا تُرى يستسلمون ويسايرون العصفوري كما سايروه عقوداً من السنين تآكلت خلالها صفوة الآباء ، أم أنهم يتحركون ويأذنون لأبنائهم بالحركة ، وقد يكون في الحركة نعمة وبركة....؟ .
- أيها القوم !.
والقوم يتهامسون ، منهم من يَجِدُّ في همسه ، ومنهم من يعبث ويسخر، لأنه تحت وطأة اليأس والخوف . ويُلوِّح الشيخ عبد السلام يده طلباً للهدوء وحسن الاستماع :
- أيها القوم : أعيروني اهتمامكم ، واقدحوا زناد عقولكم ، علَّنا نصل إلى رأي نرتضيه .
انطلق صوت جابر من فوق الرءوس :
- وماذا في جعبتك يا شيخنا ؟ .
- لقد قمتُ وبعض شيوخ القرية بالاتصال بالشيخ حرب السيناوي ليلة أمس ، وإنكم لتعلمون مَنْ هو الشيخ حرب ، وقد لا تعلمون مكانته بين مشايخ العرب .
قال جابر بصوت عالٍ ، وبلهجة توحي بالسخرية :
- نراك يا عماه تُبْعِدُنا عما نجتمع له .
- كلا يا جابر! فما أُبعِدكم عنه إلا لأقربكم منه ، نعم التقيناه وسألناه العون والمشورة ، علَّنا نختزل به الزمن ، ويختزل بنا الألم .
تطلَّع الحاضرون بعيون يُطِلُّ منها الدَّهَش ، إذ نزل عليهم هذا الخبر كصاعقة خرَّت على رءوسهم من السماء، فأدارتها ودارت بهم الأرض، والْتَوَت عليهم عقولهم ،
وانعقلت ألسنتهم .
- أَبْسِطْ علينا قولك ، فنحن لك منصتون .
- لا تتعجلوا الأمور، يرحمكم الله !.
وسكت الشيخ عبد السلام هنيهة ، ومال يميناً يُحَدِّث الشيخ رجب والشيخ زيدان والحاج حسين . ومال يساراً يُحَدِّث المختار أبا سفيان والحاج زكي " أبا نزار" وآخرين من رجالات الحارة الشرقية وحارتي المصاروة والمغاربة الذين وفدوا تلبية لدعوة الشيخ عبد السلام . ثم أطرق قليلاً ، وابتلع ريقه كمن يلملم شعث كلماته فيهذبها ويقول :
- لعلكم سمعتم ما سمعناه عن الشيخ حرب السيناوي ، شيخ عشيرة السيناوي
التي تقيم في أطراف قرية عجور، ولعلكم تجهلون مقدار الضيق الذي يُكِنُّه الشيخ العصفوري للشيخ حرب ، خشية أن ينفسه على مكانته وهيبته ، وخشية أن يجمع حوله الحانقين عليه فيثورون به ، وإنَّ بين الشيخين لتنافساً شديداً على الزعامة ، بل التفرُّد بهذه الزعامة على قُرانا ، وقد رأينا أن نمدَّ بيننا
وبين الشيخ حرب جسور الوُدِّ ، فسعينا إليه طالبين منه العون على ما
يُعرض لنا من كُرَب وابتلاءات . فما رأيكم يا قوم ؟.
قال أسامة :
- فيم يا عماه ؟ .
- فيما سمعتم الآن .
- وما الثمن الذي نسدِّده للشيخ حرب نظير عونه لنا ؟.
- سندخل في حلف معه ، وسيمدُّنا بالمال والسلاح .
هاج الجمع وماج ، وتناثرت الهمسات هنا وهناك ، دون أن يُفهم منها شيء ، وانطلق صوت خالد متسائلاً :
- وما رأي كبارنا يا شيخ عبد السلام ؟.
- ها هم كباركم وكبراؤكم ، اسألوهم .
قال الشيخ البكري :
- ونِعْمَ الرأي ما قاله الشيخ عبد السلام .
وهَزَّ رأسه وأمَّن بلسانه كلٌ من الشيخ زيدان والحاج حسين والمختار أبي سفيان والحاج زكي وآخرين من كبار القرية وكبرائها ، واستأنف الشيخ البكري يقول :
- أبشروا بالخير وكونوا متفائلين به .
وردَّ أسامة في انفعال ظاهر:
- ولكنْ ، أنا لستُ منكم في تفاؤلكم هذا .
- مم تخشى يا بني ؟ .
- المعادلة ناقصة ، وهي في حاجة إلى الرقم المفقود .
- والله يا بُني ، أنا لا أفهم فلسفة المدارس ، فخير لنا أن تُفصح ، ولا تغرقنا في الغموض .
- أنا لم أقصد الغموض ، ولكنْ الشيخ حرب كبير في العرب ، والشيخ العصفوري كبير أيضاً في العرب ، وقد لا يُضحي الكبير بالكبير لأجل سواد عيون الصغار .
وهنا احتدَّ الشيخ عبد السلام وخطف الكلام قائلاً :
- بل لقد قدَّمْنا له ما يُغريه .
- وماذا تبَقَّى لدينا من شيء يُغْري ، وكل شيء تنازلنا عنه للشيخ العصفوري ؟ .
وعقَّب خالد قائلاً :
- إنَّ العلاقات بين شيوخ العشائر تحكمها أعراف وقوانين ، لا يخرجون منها ، ولا يحيدون عنها .
قال الشيخ البكري :
- لماذا استبدلتم بأملنا يأساً ، وصَيَّرتم فرحتنا غمّاً ونكداً ؟.
قال أسامة :
- ما كان لنا أن نضيء الشموع في ليلة ليلاء إلا بوجود علبة ثقاب . فإن رأيتم
غير ما أرى فأتوني بسبب يجعل الشيخ حرب يمدُّ لكم يده بالمال والسلاح ،
ويناصب العصفوري العداء .
قال مروان الذي ظل كعادته صامتاً ، فلا يتكلم إلا نادراً :
- يا شيخنا ، يا كل شيوخنا الأكارم ! أنسيتم أنَّ قريتكم تَبَعٌ للشيخ العصفوري ، والعرب حولنا تعرف ذلك وتُقِرُّه ؟. فإن أنتم تحولتم عنه إلى الشيخ حرب تتبعونه في حلف جديد ، فإنكم بعملكم هذا تُشعلون حرباً بين مشايخ العرب ورؤساء العشائر ، نكون نحن وقودها .
قال الشيخ عبد السلام مبتسماً :
- نعم يا مروان ! إنها مصلحة القرية ، وإن قامت الدنيا ولم تقعد ، فإننا لا نخسر شيئاً ذا قيمة عمَّا خسرناه من قبل وحتى هذا اليوم .
قال مروان في هدوء أثار حفيظة محدثيه :
- وإن أنتم أفلحتم في مسعاكم ، فهل تنتقل القرية من قبضة العصفوري إلى قبضة الشيخ حرب ؟ .
ثار الشيخ عبد السلام ، ولكنه تدارك الموقف ، وأخفَى ثورته ، وبقيت علائم
الغضب التي ظهرت على قسمات وجهه تفضح ما يخفيه صدره من حنق وضيق ،
فقال وهو يضغط على حروف كلماته :
- يا مروان ، يا بُنَي ! لماذا ترتاب فيما اتفقنا عليه ، ونحن لم نبدأ بعد ؟.
- اتفقتم ؟!. مع مَنْ ؟ وعلام ؟.
- لقد اتفقنا مع الشيخ حرب وحَلفنا اليمين بالله وعلى السيف والبكرج على
الولاء والوفاء ، وألا نَخُوُن .
حينها انفجر أسامة قائلاً :
- ما شاء الله !!! فما دمتم قد عقدتم الحِلْف ، فلماذا تدعوننا وتحاوروننا ؟.
قال الشيخ زيدان وكان في صوته بحة خفيفة :
- لقد قُضي الأمر، وانتهى أمرنا إلى الشيخ حرب .
قال الشيخ البكري :
- امنحونا ثقتكم وموافقتكم .
قال خالد :
- أن نوافق أو لا نوافق ، فهذا لا يقدِّم شيئاً ولا يؤخر . أم أنكم تريدون بَصْمَتَنا على صك كُنَّا عنه غائبين ؟ .
جلس مروان وهو غاضب ، وكان يشاركه الغضب كثير من الشباب أترابه ، لاسيما المتعلم منهم ، وتناقلت عيونهم آراء بعضهم ، وظلوا في وجومهم حتى تنحنح الشيخ عبد السلام وقال :
- يا معشر الشباب : ما فعلنا من شيء يضرُّ بمصلحة القرية ، بل إننا قد اجتهدنا للخروج من قبضة العصفوري والتحرر من عسفه وإذلاله لنا ، فارتأينا هذه الوسيلة للخلاص مما نحن فيه من كروب ، ولولا ثقتنا بمباركتكم لهذا الحِلْف ما عقدناه .
قال مروان وهو يهز رأسه أسفاً :
- إنه لا يفيد الكلام ، وإنكم لا تلبثون أن تخرجوا من قبضة العصفوري ، إن قُدِّر لكم الخروج ، لتدخلوا قبضةً قد تكون أشد قسوة ، وأعظم بأساً .
قال خالد في ضجر:
- ألَا تُبَّاً للأحلاف ، فإنها محرقة وقودها الشعوب .
وتعالت الأصوات ، وازدادت الهمهمات ، وارتفع الصياح ، وانقسم الجمع إلى ثلاث فرق : فمنهم المؤيد ، ومنهم المعارض ، ومنهم من لا يعرف إلى أين يقصد فالتزم صمت اللسان ، وصمت التفكير. وقد كادت تَحْدُث مشادة كلامية بين الشباب وبين شيوخهم لولا بقية من حياء ، ولولا بقية من الحرص على التماسك ، فدفع هذا الحرص الشيخ عبد السلام ليقول :
- أيها القوم ! على رِسْلِكُم ، إننا لن نخسر شيئاً ، فدعونا نخض هذه التجربة فإنَّ الأمر معلَّق لحين ذهاب وفد الحارة الشرقية وعلى رأسهم المختار أبو سفيان إلى الشيخ حرب ليعلن أمامه موافقته أو رفضه ، فكلمة المختار هي الفيصل .
تململ المختار أبو سفيان ورفع يده طالباً منهم أن يصمتوا ، ثم قال :
- أعلم أنكم ستسألونه العون والمشورة ، ولكني لا أعلم أكثر من ذلك ، فمن أين جاءت فكرة الحِلْف ، ومن المبادِر: أنتم أم هو ؟ .
- بل نحن ، وكان هو من المتمنعين ، وإنه ينتظر قدومك ومعك نفر من رجال حارتكم لتعلنوا أمامه ولاءكم ومباركتكم للحِلْف ، وإن لم تفعل فهو في حِلٍّ منه .
- وماذا سيقدِّم لكم ؟.
نظر إليه الشيخ عبد السلام نظرة زجر وقال :
- بل قل : ماذا سيقدِّم لنا ؟.
استشعر المختار أبوسفيان خطأه ، وأعاد السؤال :
- نعم ، ماذا سيقدِّم لنا ؟.
- طلبنا منه المال والسلاح والمشورة ، فوافق .
سأل الحاج زكي :
- وهل سيحارب الشيخ حرب السيناوي في صفنا ضد العصفوري ؟ .
- لن يحارب العصفوري إلا أنتم يا أهل بيت جبرين ، ومَن والاكم مِن أهالي
القرى المجاورة . وإن ضاقت علينا واستحكمت حلقاتها ؛ فإن الشيخ حرب لن
يخذُلنا يا أبا نزار.
عاد المختار أبو سفيان يسأل :
- وما الثمن ؟.
- الولاء له ، والطاعة لكل أمر أو مشورة تصدر عنه .
قال أسامة :
- إننا نرتاب في هذا الحِلْف الذي طوقتم به أعناقنا ، خشية أن نُساق غداً إلى الشيخ حرب كقطيع الماشية راغمين ، لانملك من أمرنا شيئاً . ولا نقبل لك ياشيخ عبدالسلام أن تقوم بمثل الدور الذي قام به حسين بن علي (شريف مكة) الذي اتصل سراً بهنري مكماهون (مندوب بريطانيا) فأعلن الثورة العربية ، وطرد الأتراك من مدن الحجاز ، فرمى نفسه ورمى العرب تحت نعال الإنجليز بثمن بخس من وعود كاذبة باستقلال العرب ، وأغروْه بالمناصب له ولأولاده ، فضحكوا منه وضحكوا عليه ، وكانت المكافأة أن بِيعتْ بلاد العُرب في أسواق المزاد العلني .
حسم المختار أبو سفيان الأمر بقوله :
- يا قوم ، يا أهل بيت جبرين ! سنلتقي الشيخ حرب السيناوي غداً ، وسأكون أنا والحاج زكي وآخرون بصحبة الشيخ عبد السلام والشيخ رجب وسنرى ونسمع ونَزِن الأمور بميزان المصلحة العليا للقرية . والله يفعل ما يشاء .
قال الشيخ عبد السلام :
- ستعلمون علم اليقين أنَّ قضيتنا في أيدٍ أمينة ونظيفة .
قال خالد ساخراً :
- هكذا هي الأيدي ، تبدأ نظيفة وتنتهي ملوَّثة لا يُطهِّرها إلا النار.
قال الشيخ عبد السلام :
- نريد ثلاثة منكم يا معشر الشباب يصحبوننا إلى الشيخ حرب غداً ليتعارفوا
ويأخذوا عنه ما يشير به عليهم ، وإنكم سَتُغَيِّرون رأيكم فيه بعد الاتصال به
والتعامل معه ، وسوف تقفون بأنفسكم على مدى وفائه لكلمته وإخلاصه
لأصدقائه وحلفائه. ونسي القوم خلافاتهم ، واختاروا من بينهم ثلاثة فتيان : أحمد وجابر وعدنان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.