دعا د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى التخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم منتقدًا التشدّد الذي ينحو إليه بعض المسلمين ما كان سببًا في تشويه حقيقة الدين الحنيف وأعطى لبعض الدول الغربيّة مبرّرات لضرب الإسلام والمسلمين. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إذا نظرنا إلى أخلاقيّات أمّتنا اليوم في ضوء القرآن الكريم والسنّة النبويّة المشرّفة وفي ضوء قدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم كان صبورًا وحليمًا ورفيقًا في التعامل مع الناس فسوف نُدرك إلى أيّ مدى نحن بعيدون عن سنّته. وأضاف: أنظروا كم كان الرسول رفيقًا في تعامله مع الأعرابي الذي جاءه يومًا يطلب منه شيئًا فأعطاه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال له: "أأحسنتُ إليك؟"، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفُّوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئًا، ثم قال: "أأحسنتُ إليك؟" قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إنك قلتَ ما قلتَ وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقُلْ بين أيديهم ما قلتَ بين يدي؛ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك"، قال: نعم، فلمَّا كان الغد أو العشي جاء فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟"، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. وضرب د. القرده داغي مثلاً آخر للتدليل على الخلق الرفيع للمصطفى صلى الله عليه وسلم قائلاً: لقد بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال لهم الحبيب صلى الله عليه وسلم: " دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسّرين ولم تُبعثوا معسّرين" ولأنّ كرامة الإنسان أعظم عند الله من المسجد وهذا دليل على الترويض والتربية على الرفق وعلى كرامة أو إنسانية الإنسان وكذلك تعاملنا مع الخدم والسوّاقين فلا يجوز أن نغلظ عليهم فهؤلاء من بني جنسنا وقد يكونون عند الله أفضل منا فدفعهم العوز فأكرمه وأرفق بهم فهذه مسؤولية أمام الله. وكان ابو بكر رضي الله عنه يُكرم أحد الفقراء بالأموال والرفق ولما جاءت قصة الإفك مال هذا الرجل وكان على رأس الذين ينشرون هذا الإفك فحلف سيدنا أبوبكر ألاّ يُساعده بعد اليوم وكان عائلة الرجل تعيش على ما يُعطيهم أبوبكر رضي الله عنه ولكن الله سبحانه وتعالى ينزل في كتابه "وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" الله سبحانه وتعالى ربط بين المغفرة والرحمة وبين تعامله مع الناس وكأنّ مغفرة الله مقيّدة ومرتبطة بهذا الصفح بهذا الكرم والعفو والرفق. هذا هو ديننا وهؤلاء رجالنا أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جامعتنا يا جرير المجامع. العنف والإرهاب وتساءل فضيلته قائلاً: ولكن أين نحن من هؤلاء أنظر إلى الشدّة في أمّتنا فقد بلغت شأوًا كبيرًا والإرهاب والعنف حتى بين الإسلاميين بشكل كبير لا سيّما هؤلاء المتشدّدين الذين شوّهوا حقيقة الإسلام حقيقة بعدما فعلوه في أمريكا وغيرها وأعطوا لهم مبرّرات لضرب الإسلام والمسلمين حتى إن صحفيًّا دنماركيًّا سأل المسلمين عندهم: لماذا الرجل الأوروبي يكون طيبًا ولكن حينما يدخل الاسلام يصبح شديدًا ويكره الآخرين وينعزل. وأضاف: حاول المسلمون أن يُدافعوا عن دينهم بالتأكيد على أن هذا لا يُمثل الدين وأن هذه الفئة جاءت افكارهم من الجهل ولكن مع الأسف فإن هذه الفئة هي المنتشرة الآن وهي صاحبة الأصوات العالية التي تُروّج لها وسائل الإعلام الغربيّة. وقال: لو صرف الصهاينة والصليبيون تريليونات الدولارات لما استطاعوا أن يشوّه الإسلام كما يشوّهه هؤلاء المتشدّدون من الذين يقتلون الناس بدون وجه حق ويتقاتلون فيما بينهم في العراقوسوريا. وقال إنه في مصر استشهد حوالي 200 شخص في ذكرى الاحتفال بيوم 25 يناير بخلاف الجرحى والمعتقلين الذين وصل عددهم الى الآلاف. إذًا هو أمر غريب لأن المصريين كلهم سنّة وكلهم على مذهب واحد إلا فئة معيّنة وهم إخواننا الأقباط. وتساءل: لماذا جعلتم المصريين شعبين وتُريدون إبادة من حصلوا على استحقاقات انتخابيّة في اكثر من ستّ مرّات. وأبدى حزنه على ما يحدث في سوريا مشيرًا الى ان المؤتمرات التي تعقد تتسبّب في تضييع حق الشعب السوري وقال انه لا فائدة من هذه المؤتمرات إذا لم يرحم المسلمون أنفسهم بأنفسهم وتطرّق الدكتور القره داغي الى الحديث عن عناية الإسلام بقضية الرفق على ضوء الكتاب والسنة مشيرا الى ان الرفق من أعظم الاخلاقيات الاسلامية التي أولى لها الاسلام العناية القصوى ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا وكان الانبياء جميعً قدوة في كيفية التعامل مع الناس. والرفق في هذا الجانب، أي جانب التعامل مع الناس، أو ما يُسمّى اليوم بفن التعامل مع الناس. وفن التعامل مع الناس يهتم به حتى غير المسلمين لا سيّما الأمم المتحضّرة، ولهذا الفن معاهد وكليات تابعة لجامعات عريقة في كيفيّة التعامل مع الناس وفيها شهادات من الماجستير والدكتوراه في كيفيّة التعامل مع الناس. وأضاف: هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنه أمر فطري يحبّه الانسان ولا يرتقي الإنسان إلاّ بالرفق ولا ترتقي الحضارة إلاّ بالرفق ولا يمكن أن ترتقي الحضارة بالعنف والشدّة والقسوة. وزاد : الرفق في الإسلام يشمل الرفق الداخلي الذي يشمل الجوانب النفسية في ترويض النفس وملء القلب بحبّ الناس لأنّ التظاهر بالرفق لا يحقق الحقيقة ولا يحقق ما ينشده الإسلام لأنّ الرفق يجب أن يكون متأصلاً في داخل النفس وذلك حينما يكون الإنسان متصلاً بالله سبحانه وتعالى ويحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم وبالتالي يكون مقتديا به في حِلمه وصبره وفي رفقه وشفقته بالناس وذكر فضيلته أن الرفق الداخلي عبارة عن هذه المعاني الجميلة في داخل النفس وعن تربية النفس عليها وترويض النفس عليها وليس الرفق أمرًا سهلاً وإنما يحتاج الى الترويض والتدريب ويحتاج إلى التفكير في كيفيّة التعامل مع الآخر وفي داخل الأسرة ومع أقاربك والآخرين وحتى مع غير المسلمين بل أكثر من ذلك في التعامل مع الحيوانات لأنّ الله سبحانه وتعالى كتب الرفق في كل شيء. وقد ورد في أحاديث صحيحة إن الله رفيق يحبّ الرفق ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يُعطي على ما سواه وليس هناك عطاء أجزل من عند الله سبحانه وتعالى على عطائه حينما يكون الإنسان رفيقًا وحليمًا وصابرًا وحينما يتعامل الإنسان بالرفق والطيب مع الآخرين. الترويض في الجانب النفسي والتربية الصحيحة لهذا الجانب والعناية به هو المنطلق الأساسي للسان والجوارح والتصرّفات والحركات التي يتحرّك الإنسان من خلالها مع الآخرين. جريدة الراية القطرية