* * * * في قريتنا الكائنة على أطراف الصعيد ترعرعنا وكبرنا لنجد أن شخصًا ما تم تعيينه من جانب وزارة الداخلية، لم يكن غنيا، ورث بضعة قرارايط عن أمه ومثلهم عن أبيه، لا يوجد لديه أطيان أو وضع اجتماعي فريد بين أقران قريته لتولي المنصب، لذلك قرر هذا العمدة أن يفتتح بقالة يبيع فيها البيض والسكر والجبن واللحوم المجمدة والملابس الداخلية للأطفال والشباب، فكان كلما أراد أحد زملائنا من الطلاب ممن يعيشون في القري المجاورة في نقدنا أو الهجوم الشخصي علينا يقولون لنا "يابتوع العمدة بياع البيض والجبنة"، لما لا وهؤلاء الصبية يعيش معهم عمدة يمتلك مالايقل عن 3 مزارع فواكه و400 فدان من الأطيان تطل كلها على نهر النيل وغيرها من الممتلكات الاثيرة الأخرى. عشنا ردحا من الزمن نشعر بغصة في الحلق وبالعار؛ لان العمدة الذي تمتلكه قريتنا لا يستطيع أن يجاري قدرات الشخصيات الأخري ذات نفس المنصب في القري المجاورة وأصبح ينظر إلينا بين اقراننا في المدارس الثانوية والجامعية باعتبارنا "هامش بشري لا محل لنا من الإعراب ولا جدوي من بقائنا على ظهر البسيطة"... هكذا كانوا يشعروننا يوميًا ولذلك في نهاية مشوار التعليم هاجر العشرات من أبناء قريتنا خارج زمام القرية وخارج البلاد ليس بحثاً عن المال في المقام الأول ولكن للبحث عن رد الاعتبار لانفسهم عما لحقهم من " نقيصة" العمدة. جاء في مخيلتي تلك الذكريات العبثية وأنا أقرأ كل يوم عن رغبة أصبحت الآن علنية بعدما كانت مكبوتة منذ عشرات السنوات من جانب المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع الحالي للترشح لرئاسة الجمهورية عقب الاطاحة برئيس سابق جاء عبر انتخابات رئاسية شهد القاصي قبل الداني بصحة نتائجها الختامية وسعي المجلس العسكري الحثيث لدعمه ليعلو كرسي الحكم في البلاد لتبدأ مصر مرحلة جديدة من الإزدهار السياسي والاقتصادي والاجتماعي حسبما يروج مريدوه بين ازقة وحواري المدينة. كانت احدي الحجج الجاهزة للقبول بهذا الواقع هو أن الإخوان هم من وضعونا في هذا المأزق بعد فشلهم الساحق في إدارة البلاد ومن ثم لم يعد لدي الشعب من خيار سوي الجيش ورموزه لما للقوات المسلحة من وضعية خاصة في قلوب المواطنين ، ولا أدري كيف رصد هؤلاء المريدون كافة قناعات الشارع المصري واكتشفوا أنها مؤيدة لترشح السيسي للانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من أن المشير السيسي رجل عسكري كما يبدو لأقل الناس ثقافة في مصر ولاصغرهم أعمارًا إلا أن رغبة بعض التابعين والمؤيدين له يجرون أنفسهم ليقعوا فريسة لسخرية المتابعين لهم حينما يتكلموا عن أن السيسي سوف يقدم استقالته من الجيش ليصبح بعدها رجل مدني، وعلى الرغم من ادراكي التام من أنه غير مقتنع بهذه الخزعبلات ولكن السوط يفتن فالكل يخشي السجون والقتل والتشريد إذا ما أعلنها صريحة رفضه للسيسي كما حسب مع الإخوان في كافة الصدامات السابقة سواء في رابعة العدوية أو النهضة أو رمسيس. تجده ينفخ اوداجه ثم ينفث دخان سيجارته الفقيرة وينظر اليك ويقول "لا شك المشير يتمتع بشعبية طاغية لما قدمه من نجاحات ضخمة للشعب المصري في الشهور المصرية " وحينما تسأله عنها يقول سريعا " قتل وتدمير الإخوان الارهابيين" بدا في النهاية أن محاولات التطهير الاثني والعرقي لفصيل سياسي في الدولة والقتل والتشريد وصدور أحكام جائرة لا علاقة لها بالواقع واغتصاب الفتيات ومكشف عذريتهن وضربهن وتعذيبهن أحد مجالات الفخر والنجاح كما يري هؤلاء. يقولون إن من حق أي شخص الترشح للرئاسة وعلى رأسهم السيسي ، فهل قال القضاء كلمته في سلامة موقف السيسي القانوني ؟الم يكن على راس السلطة حينما تم الاطاحة بمرسي ؟ ومسئول عن تسيير البلاد ؟ اذا من المسئول حتى ولو لم يكن جنائيا ؟ من المسئول سياسيا عن قتل هؤلاء الارهابيين الاخوان كما يروج الاعلام الرسمي؟ واذا اتفقنا على مضض انهم ا رهابيين ..هل أجرت الدولة تواصلاً حواريًا واضحًا معهم قبل سحقهم كالباعوض هكذا؟ أليس مرسي متهم بالتخابر على حد قول القضاء الشامخ ؟ ألم يكن السيسي موظفًا تحت يده ؟ ألا يحاكم الموظف مع رئيسه للخلل الوظيفي؟. بدا أنه في النهاية أن مصير الكثير منا هو الهجرة الأبدية إلى خارج البلاد كسابقاتها من الهجرات الماضية ليس بحثاً عن الأموال الوفيرة وشراء السيارات والعقارات بل ربما للبحث عن أرض لا يوجد فيها عمدة آخر لا يمتلك من أوجه الوجاهة التي يظهر بها أمام رعاياه سوي بقالة تروج فيها جوقته أهليته للمنصب في الوقت الذي يبيع فيها العمدة بضاعة فاسدة مزجاة. مواضيع متعلقة بص وطل