القتل والتعذيب والتنكيل وفرض الجزية وغيرها من الأمور التي ارتبطت بما يطلق عليه «داعش» أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، لم تكن اعتداءات «داعش» المتكررة ضد النظام الأسدي فحسب، بل صوبت أسلحة التنظيم تجاه صدور السوريين العزل، فأصبحوا يواجهوا بين ليلة وضحاها نظام بشار ومعه جماعات الإرهاب..! امتدت أيضا اعتداءات داعش على التنظيمات المسلحة الأخرى، والتي تحظى بقبول شعبي لأنها تدافع عنه، وفي مقدمتها «الجيش السورى الحر»، فضلا عن التيارات الأخرى، مما جعله (داعش) يدخل في حالة عداء مع الجميع، سواء مع المواطنين السوريين، أو مع التنظيمات المسلحة، والأغرب مع التيارات الجهادية، في ذلك التوقيت الحرج الذي تمر به سوريا، خاصة بعد انتهاء الجولة الأولى من جنيف 2، والتي آلت إلى لا شيء، ومن المنتظر أن تستأنف الجولة الثانية في 10 فبراير المقبل. يعتبر «داعش» حالة نادرة في أوساط التيارات الجهادية من حيث النشأة والأفكار والممارسات، حيث تأسس عن طريق سياسة فرض الأمر الواقع، إذ اتخذ أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «دولة العراق الإسلامية» قرارًا منفردًا، في أبريل 2013، بالاندماج مع «جبهة النصرة» السورية تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، رغم رفض كل من أبو محمد الجولانى زعيم «جبهة النصرة»، وأيمن الظواهرى قائد تنظيم «القاعدة»، الذى يعتبر «الأب الروحي» لكل نماذج «القاعدة»، بما فيها التنظيمات الجهادية في العراقوسوريا، والذى طالب بإبطال هذا الاندماج، وهو ما قوبل برفض قوي من جانب البغدادي، وبذلك يكون تنظيم «داعش» قد تشكل رغمًا عن قيادة تنظيم «القاعدة» التي تدين لها أغلب الجماعات الجهادية بالسمع والطاعة، بما يجعل نشأته مختلفة حتى في تكوينها عن نشأة التيارات الجهادية الأخرى. كما أنه يمثل نموذجًا مختلفًا عن كل التنظيمات التابعة ل»القاعدة» في المنطقة من الناحية الفكرية، لأنه تجاوز بنهجه المتشدد للغاية أسلوب تنظيم «القاعدة»، من حيث الاستهانة بالدماء والإفراط في القتل لمجرد عدم البيعة أو المخالفة في الرأي، مما جعل أفكار «داعش» وممارساته تمثل منظومة فكرية متمايزة بدرجة ما عن مجمل التنظيمات الجهادية في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى تعرض التنظيم لحملة انتقادات واسعة من قبل كل التيارات الجهادية، لدرجة أن المنظر الجهادي الأول في العالم الآن، عصام البرقاوي والملقب ب»أبو محمد المقدسي» قد شن حملة قوية ضد «داعش» وأفكاره وممارساته. واتسمت علاقة «داعش» بالتنظيمات في سوريا بالتوتر والعداء منذ اللحظة الأولى، نظرًا لظهور «داعش» على الساحة عنوة وتوسعه على حساب «جبهة النصرة» التي كانت تعتبر القوة الإسلامية الأكبر قبل ظهور «داعش»، بسبب انضمام أعداد كبيرة من الجبهة إلى التنظيم، فضلا عن أن التشدد الفكري الذي يتبناه «داعش»، والذي يميزه عن باقي التنظيمات، جعله منبوذًا من كل التنظيمات الأخرى، كما أن محاولات التنظيم توسيع مناطق نفوذه في سوريا على حساب التنظيمات الأخرى دفعه إلى توجيه سلاحه إلى عناصر هذه التنظيمات، بدلا من استخدامه في مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حتى أنه كان يقوم بإعدام من يقع فى يده من الأسرى التابعين لهذه التنظيمات، رغم أنهم ينتمون إلى تيارات جهادية تقاتل النظام السوري. هذه التوجهات السابقة التي تبناها تنظيم «داعش» دفعت العديد من التيارات الإسلامية إلى الدخول فى تحالفات ضده، من أجل قتاله والقضاء عليه، وعلى رأس هذه التحالفات جاء تحالف «الجبهة الإسلامية» الذي يضم 6 تنظيمات إسلامية مسلحة، وهى «لواء التوحيد» و»أحرار الشام الإسلامية» و»ألوية صقور الشام» و»لواء الحق» و»كتائب أنصار الشام» و»الجبهة الإسلامية الكردية»، إلى جانب تحالف «جبهة ثوار سوريا»، وقد تمكنت هذه الفصائل من السيطرة على عدة مقرات للدولة في مناطق كانت تخضع لنفوذ «داعش»، مثلما حدث في مدينة الدانا بريف إدلب ومدينة الرقة. وبعد الانتهاكات التى قامت بها العناصر المنتمية ل»داعش» ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء، على غرار اختطاف بعض الإعلاميين وتصفيتهم واغتيال قياديين من فصائل عدة مثل «أحرار الشام» و»جبهة النصرة»، بدأت الحرب على التنظيم، ولكن المفاجأة تمثلت في دخول العديد من التنظيمات الجهادية في صراع مع «داعش» بما فيها «جبهة النصرة» في بعض المناطق، وهو ما يمكن أن يفرض بعض التداعيات الهامة على مستقبل هذه التنظيمات في سوريا وفي المنطقة بصفة عامة، يمكن توضيحها في التالي: 1-تعزيز موقع نظام الرئيس الأسد الذي حقق مكاسب عديدة على الأرض خلال الفترة الأخيرة واستغل التجاوزات التي يرتكبها التنظيم من أجل تبني دعوة «مكافحة الإرهاب» لتكون على رأس أولوياته خلال مؤتمر «جنيف 2»، الذي بدأ انعقاده في 22 يناير 2014. 2- تصاعد حدة الحرب الأهلية في سوريا، خاصة انقسام المجتمع السوري، ليس فقط بين نظام ومعارضة، بل بين تنظيمات متعددة ذات طابع إسلامي متطرف ومسلحة وتتخذ من القرى أو المدن السورية معاقل لها، حيث باتت هذه المناطق منقسمة على قدر انقسام تلك التيارات المسلحة. 3- تكريس حالة الانقسام والانشقاق التي تعانى منها التيارات الجهادية في سوريا، حيث بات هذا الصراع يتخذ طريقة التحالفات المتعددة بين التيارات الإسلامية، وهو ما يبدو جليًا في إعلان الحرب على داعش من قبل «جيش المجاهدين»، الذي تشكل في الفترة الأخيرة وكذلك من قبل «الجبهة الإسلامية». a href="http://www.al-madina.com/node/509877/"داعش"-في-سوريا-لحساب-من-ومن-أجل-ماذا؟.html" rel="nofollow" target="_blank"صحيفة المدينة