م. سعيد الفرحة الغامدي من البداية ابتكرت شركة الزيت العربية الأمريكية -أرامكو السعودية حاليًّا- نظام الادّخار لموظفيها، وروّجت له في البداية بشعار: «ادّخر ريالك الأبيض ليومك الأسود». والغرض من برنامج الادّخار أن لا يصرف الموظف كل راتبه؛ وعند الحاجة يضطر للاقتراض من الآخرين. والبرنامج اختياري، ولكنه مغرٍ ومرن، حيث بإمكان الموظف السحب من رصيد الادّخار عند الحاجة وإعادة المبلغ من الراتب على دفعات. والرصيد ينمو مع مرور الوقت بنسب معينة لتحفيز الاستمرار. والفكرة من الأساس تعود لمصلحة الموظف. والنموذج الثاني: القروض السكنية، حيث من حق أي موظف أن يتقدّم بطلب قرض، ويأخذ دوره حسب النظام، ومن غير الممكن -بأي وسيلة كانت- أن يتخطّى الموظف دوره إلاّ بموجب النظام. بدأت الفكرة بأخذ قطعة أرض كبيرة لصالح الشركة، تقوم بتخطيطها وإيصال المرافق لكل قطعة أرض قبل أن يبدأ البناء. فالماء والكهرباء والمجاري -وفي الوقت الراهن الهاتف- يتم تمديدها قبل البدء في توزيع الأراضي حسب الأولوية، وحسب حجم الأرض التي يستحقها الموظف بناء على راتبه الذي يتقاضاه. يتم تسديد القرض بخصم نسبة معينة من الراتب، وعند التقاعد أو الاستقالة يُعطى الموظف الخيار، إمّا أن يدفع المتبقي عليه بحوافز مشجعة للسداد المبكر، وإمّا الاستمرار في الدفع بعد التقاعد، أو الخروج من الخدمة. النموذج الثالث: بناء المدارس في الأحياء العمالية بشكل نموذجي ومتكامل، والاستمرار في صيانتها لتبقى بالمستوى الذي يليق بتعليم أبناء الموظفين. والنموذج الرابع الذي أخذت الدولة تلجأ إليه في الآونة الأخيرة للإشراف على تنفيذ بعض المشروعات الهامة مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، التي تم تنفيذها من قبل أرامكو في وقت قياسي، وكذلك الملعب الرياضي الذي على وشك الانتهاء من بنائه وتجهيزه للافتتاح في مدينة جدة. وقد يكون هناك مشروعات أخرى كُلّفت بها شركة أرامكو حرصًا من الدولة على إنجازها بالسرعة وبالمستوى الذي يتطلبه المشروع. أذكر هذه النماذج للتذكير بأننا -مع الأسف- لم نستفد منها في مواقع أخرى خلال أكثر من نصف قرن مضى. وهناك نماذج وتقاليد أخرى في مجال الانضباط الوظيفي، والأمن والسلامة في ميدان العمل، ونشر الوعي البيئي والصحي داخل العمل وخارجه. الأغلبية العظمى من المهندسين والفنيين الذين يديرون ويشرفون على مشروعات أرامكو هم من أبناء البلد، وهذا دليل واضح على أن المواطن السعودي عندما تتهيأ له الفرصة ويتم تحفيزه بتوفير ما يحتاج إليه من متطلبات أساسية ويعمل تحت إدارة منضبطة يستطيع التفوّق والإنجاز. مدرسة أرامكو العملية والإدارية كانت وستظل محل فخر واعتزاز للوطن والمواطنين؛ الذين يديرون أكبر شركة بترول في العالم، ويشاركون بفعالية متناهية الجودة في استقرار أسواق الطاقة على مستوى العالم. الإدارة فن وانضباط ومواكبة للمستجدات، والوسائل متشابهة في أنحاء العالم، ولكن القيادة الإدارية التي تعرف ماذا تريد وتعمل على تنفيذ خططها بجدية وحرفية هي التي تتفوق في نهاية المطاف. التأسيس الصحيح كان له دور كبير في وضع أسس الممارسات والأنظمة الصحيحة. وبعد أن تحوّلت ملكية الشركة للدولة لم يتراجع الأداء تحت الإدارة السعودية رغم الزيادة على الطلب في الأسواق العالمية والتوسع في الإنتاج. كما أن الشركة لم توقف الاستعانة بخبرات أجنبية تحتاجها في عمليات التنقيب والتكرير والتطوير الفني والإداري. شركة سابك هي أكبر شركة لصناعة البتروكيماويات في العالم تنافس على الصدارة، ولكن أرامكو لازالت تحتل المركز الأول من حيث الإدارة والانضباط وجودة المعايير كما هو معلوم. وإذا كنا قد تجاهلنا الاستفادة من تلك النماذج الناجحة في شركة أرامكو السعودية طويلاً، فقد حان الأوان للتقرّب من تلك النماذج والاستفادة منها. ولعل معهد الإدارة العامة يوسِّع من اهتماماته بالتطوير الإداري في المملكة، ويستفيد من تجارب محلية مشهود لها بالنجاح.. والله من وراء القصد. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (23) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة