حينَ تَصيرُ الحُروفُ وَالكلمَاتُ بُحيْراتٍ للبَهاءِ قراءةٌ موجزةٌ للوحاتِ الخطَّاطِ المَغربيِّ السعيد الرغاي بقلم لحسن ملواني كاتب وتشكيلي من المغرب لن يختلف اثنان في كون الخط العربي يمتلك جمالية راقية تستبطن روحانية مستندة إلى علاقته بكلام الله عز وجل ، كما أن الخط العربي خط مِطواعٌ يُمكن أن نبدع به أشكالا ومَلْمَحاتٍ إبداعيَّةٍ لا متناهيةٍ ، وهو بذلك بتلاءم تلاؤما وثيقا مع مفهوم الإبداع الذي يستند إلى التجدد والتخالف والتمايز من مبدع إلى آخر ، و الفن الخطي يتطلب الموهبة والدربة المتواصلة والاستفادة من لوحات المبدعين الآخرين مع الدراسة لقواعده وأنواعه وماله به من علاقات بالإبداع التشكيلي . والخط العربي أيقونة تتميز بقبوليتها للتنويعات الجمالية التي تستقي روعتها من مواهب كل فنان على حدة ، فهو يفتح المجال لانْوِلادِ الصيغ المختلفة في التعاطي له إبداعيا. ولوحات الفنان التي اتخذناها موضوعا لمقالنا خير شاهد على ذلك. ينطلقُ الخطاطُ والتشكيليُّ المغربيُّ سعيد الرَّغاي من رؤية إبداعية خاصة نجدها مطردة في جُلِّ لوحاته ممَّا يجعلها الملمح العام الذي يَسِمُ لوحاته فيكسبُها خصوصياتٍ لها علاقة بلمسات المبدع ، فهو يستغل وجه اللوحة استغلالا يجعل مفرداتها والألفاظ التي يبسطها عليه متكاملة متعانقة ومتكاملة في تشكيل النسيج الإبداعي باتزانيَّة وتوزيعات هندسية خاصة ، فلا مجال للعفوية في لوحاته ، كل شيء يتم بعناية ودقة متناهية حروفاً وترْكيباتٍ وألواناً وتوزيعا للضوء ، إنه يعمل عمل المخرج الذي يحاول أن يجعل ملمح لوحته ممتلئا امتلاء مبنيا على أسس جمالية ممتعة . فنجده أحيانا يضع المادة المختارة للوحاته متماثلة ومتناسقة مما يجعلها تشكل الوجه والخلفية في ذات الوقت مما يحول الفراغات ذاتها إلى مساحات ضيقة تتداخل مع الكلمات والحروف ، فتصير مفردات اللوحة وعناصرها كلا لا يمكن الفصل بين معطياته ، ويعتبر ذلك دليلا على الإحكام للوضعية الجمالية لمعطيات لوحاته ، والأمر يتطلب الدقة المتناهية في احترام التناسبات والأبعاد والتوازن المُفْضي إلى جاذبية الملمح الذي تشكله اللوحة. إنهُ يحاول رغم التشابهات بين بعض لوحاته و لوحات غيره أن يرسم لنفسه فرادة تحمل بصماته بجدارة واستحقاق ، ويتبدى لنا ذلك في التنوع الذي يطبع أعماله . فاللوحات التي أبدعها سعيد الرغاي بقدرما تتشابه ، بقدرما تختلف تخريجاتها الجمالية ، فأحيانا يعتمد على الملمح شبه المغلق الذي يحول اللوحة إلى وجه زخرفي مُصمَّم تصميما جميلا ،وأحيانا يتفنن في توزيع الكتابة توزيعا جماليا رائعا يزيده الاتزان وروعة الوضعيات اللونية رونقا وبهاء. وأحيانا يتخذ المعمار الإسلامي فضاء يموقع عليه كلماته المكتوبة بروعة الخطاط المتمكن من أدواته وتقنياته ، وأحيانا تجده يتخذ للوحته أشكالا هندسية موزعة بشكل يجذب إليه المشاهد قبل أن يفكر في قراءة المكتوب ، وأحيانا تجده يكتب آيات من كتاب الله عز وجل كتابة رائعة تتوسط زخارف نباتية آية في الجمال...وانطلاقا من ذلك يتبين من خلال لوحاته عشقه للحرف العربي ، علاوة على كونه ملما بالخطوط العربية بكل تنوعاتها الجميلة من ثلث ونسخ ورقعة وديواني...هذا التنوع يفتح أمامه الباب لإبداعات جميلة تتجدد في كل معرض وكل ملتقى...كما تتجدد عبر مزيد من الإبداع بها وعبر المستجد من التقنيات وتغير الأذواق. في لوحاته الخطية مُسحة روحية تضفيها عليها تميز تجربته المكتسبة عبر خبرته الطويلة في فنية رسم الحرف باستقاماته وتموجاته ومعانقته لإخوته من الحروف الأخرى ، وذلك ضمن تقنيات متميزة ، وأداء رائع متميز يشع جمالا... وهكذا يبحر في روحانية الحرف والكلمة بظاهرها وما تستبطنه من معان ليخرُجَ إلينا بلوحات تنبض جمالا ورونقا وبتناغمات زخرفية رائعة تحترم الكثير من المعايير الجمالية والتقنيات المناسبة ، على أن هذا كله لم يمنع لوحاته من أن تشيء بتجليات جمالية ضمن محاولاته التجديدية علاوة على امتلاكه الأصول والقواعد المعروفة في الخط العربي مستفيدا بلا شك من تجارب الآخرين ومن التقنيات المستحدثة في التشكيل ، على أن جمالية الخط العربي توحي بكونه الخط الفريد الذي وان انفتح الفنان على المحيط بكل ما يتجدد عليه من متغيرات يظل متمسكا بألقه بين كل خطوط العالم . إن الخطاط والتشكيلي المغربي سعيد الرغاي يمتلك القدرة على التفنن إزاء رسم الحرف متسقا مع غيره ومع الاتجاه التقني والجمالي المختار للوحة ، وذلك ضمن تنسيقات بديعة وأشكال توحي بالحميمية والانسجام والتعاطف في لوحات خطية وتشكيلية متكاملة المعطيات مما ينم عن المهارة والحذق في رسم الحروف وفق رؤى إبداعية تحمل ابتكار وتفنن صاحبها ... وبهذه السمات تصيرلوحاته ينابيع للمتعة البصرية والروحية المعمقة للشعور بسمو اللغة العربية وما يكتب بها من المعاني الإنسانية الراقية. نتمنى لهذا المبدع الشاب المزيد من التألق والتوفيق بغية المساهمة في النهوض بالخط العربي الجميل الذي ينبع من تراث عريق وأصيل يستحق التوثيق والتجديد. دنيا الوطن