تولي كثير من الجامعات العالمية اهتمامًا بتخصص الكتابة الإبداعية، كما أن هناك أكاديميات للكتابة الإبداعية تقدم العديد من الأساليب والتمارين لتدعيم المواهب الشابة وتقديمها للساحة الثقافية. وفي الآونة الأخيرة لا تكاد تخلو مؤسسة ثقافية لدينا من عقد دوراتٍ تدريبيةٍ للكتابة الإبداعية سواء للقصة القصيرة أو الرواية أو الشعر، يقوم عليها عدد من المبدعين والمتخصصين والكتّاب ممن لهم باع طويل في الكتابة والنشر.. فلماذا لا تكون هذه الدورات نواة لمشروع أكاديميات متخصصة في تقديم دورات ومناهج مكثفة لتخريج عدد من الموهوبين ورعايتهم، على غرار ما في الدول المتقدمة من أكاديميات للكتابة الإبداعية في الجامعات العالمية؟ للإجابة عن هذا السؤال يقول الدكتور عادل ضرغام: هذه الدورات الخاصة بالكتابة الإبداعية، التي قد تعقد في الجامعات العربية، أو في الأندية الأدبية أو قصور الثقافة، تتأثر كثيرًا بالمناخ المحيط، وبالظروف والسياقات العربية. فمثل هذه الدورات المرتبطة بالكتابة الإبداعية في الجامعات الأجنبية يفسح المجال فيها للمبدعين، سواء كانوا شعراء أو روائيين، أما نحن في الجامعات العربية فلم نتحرك تجاه المبدعين اتجاهًا جيدًا، ولم نعترف بدورهم الفعال في هذا المجال، إما خوفًا من تأثيرهم انطلاقًا من سلطة فاعلة مهيمنة، وإما ارتباطًا بنسق تعليمي يقنع بأفق محدود. وهذا التصور قد ينسحب أيضًا على القائمين، وطبيعة ما يدرس أو يقدم في هذه الدورات، فالأستاذ الجامعي أو المؤسسة التي ينتمي إليها مشدود إلى التحديد وإلى الأفق النظري، بينما المبدع مشدود إلى الانفتاح على الحديث القائم على التجربة والممارسة. ويضيف ضرغام: ثمة سبب آخر لا يعود إلى طبيعة النظرة إلى المبدع، وإنما يعود إلى طبيعة المؤسسات التي تقيم وتعقد هذه الدورات أو تلك البرامج، فهذه البرامج موجودة في مؤسساتنا، ولكن آلية العمل فيها قائمة على الوجود الشكلي دون تفعيل أو تخصيب حقيقي، فهم يعقدون هذه الدورات فعلًا، ويسجلون وجودهم، ولكنهم ليسوا مهمومين بحجم التأثير، وطبيعة المنتج في النهاية. فربما تكون جلسة بسيطة على مقهى بين عدد من الشباب ومبدع حقيقي يقدر قيمة الكلمة ودورها أفضل آلاف المرات من هذه الدورات. وهذا يقودنا بالضرورة إلى طبيعة البيئات العربية وأسسها البيروقراطية، التي تحتاج إلى تغيير حقيقي. ويختم ضرغام بقوله: أما عن كيفية تفعيل دور هذه الدورات، فيرتبط في الأساس بتغيير طبيعة النظرة إلى المبدع وإلى الإبداع نفسه، حتى يصبح توجهًا يغير في طبيعة الروح وطبيعة الإنسان إلى الأفضل، ويرتبط بتفعيل دور المبدع على حساب الأستاذ الأكاديمي المشدود إلى الثابت، ومشدود أخيرًا إلى سياق يفعل القراءة الحرة، التي تشكل في النهاية العقل الفردي والجمعي. رؤية ضرغام تجد نوعًا من المساندة في حديث الروائي أحمد الدويحي الذي يقول: يبدو أن المؤسسات الثقافية سواء في الجامعات أو الأندية الأدبية، تريد أن تفتعل أنشطة بدون أن تكون هناك دراسات حقيقية لفعلها، لتعطي مقياسًا لفائدة هذا النشاط على الأدب وبالذات الأجيال الشبابية، ولست أعلم لما هذا الافتعال، هل هو لمجرد تسجيل نشاط وتحقيق أولية، ومنها ما جاء في سؤالك كالدورات التي تقام في المؤسسات الثقافية والمقصود بها الأندية، لتعليم الموهوبين من الشباب كتابة عدد من الأجناس الأدبية المتنوعة، أو ما كان يسمى في مرحلة مضت بالورش الأدبية، وأكاد أجزم أنها تقام لأغراض استثمارية بعيدة عن وجه الأدب والفن، والغريب أن بعضها مرتبط بالجامعات والأندية الأدبية عبر ما يسمى بكرسي الأدب، ولحسن الحظ كنت عائدًا وشاهدًا على حوار في ندوة، نظمها نادي جازان الأدبي لجملة من الشباب الشعراء ورؤساء أندية أدبية، وجاءت الندوة بعنوان (ماذا تريد الأندية الأدبية من الشباب وماذا يريد الشباب من الأندية الأدبية؟)، وحضر النقاش رؤساء أندية أدبية، هم في ذات الوقت أساتذة أدب في الجامعات، وكان السؤال الصعب الذي لم يستطع الأساتذة الإجابة عنه، هو ماذا تريد الأندية الأدبية من الشباب، إذا عرفنا ماذا يريد الشباب من الأندية الأدبية؟ إذا كانت الأندية تريد إنتاج جيل كما تريد هي وكما ترغب، فحتمًا سنضاعف تراكم الكُتّاب الانتهازيين، ونملئ المشهد بغير الموهوبين ونخلع عليهم ظلمًا صفة الإبداع، ويأتي ذلك لمجرد أنهم رضوا بوصايا الأندية الأدبية، واستجابوا لشروطها ورغباتها وحققوا لها هذا الفعل، وإذا عدنا لأسئلة الشباب فسنتأكد أن المبدع الحقيقي ليس بحاجة المؤسسة الثقافية، ولكن المؤسسة الثقافية هي بحاجة المبدع الأصيل الموهبة لتفعل نشاطها، ونحن في زمن التقنية وقد يتواصل الأجيال بينهم عبر الفضاء، ويبادلون المعرفة والتجربة بدون قيود وصايا المؤسسة الثقافية وشروط سلطاتها. ويمضي الدويحي مضيفًا: عشت تجربة ذاتية مع جماعة السرد بالرياض، وهي أولى التشكيلات الكتابية في المملكة التي تم الاقتداء بها في كثير من المؤسسات الثقافية، وعاشت هذه الجماعة داخل عباءة المؤسسة وخارجها، وشارك بها الكثير من المهتمين بالكتابة السردية مبدعين ونقادا، فالطبيعي أن يتاح لهذه المجامع فضاء بحرية ويترك لها تحديد برامجها، وحينما تتسلل شروط المؤسسة ووصايتها إلى هذه الجماعة سينفر الجميع، فأين هذه الجماعة الآن التي تخرج من بينها كُتّاب ومبدعين لهم قيمتهم، المقاهي في بعض المناطق أهم من المؤسسة الأدبية، وليس عيبًا فنحن نعرف أنها كانت شائعة في بعض مناطق المملكة، وموجودة وحية بالذات في دول شمال أفريقيا، وتحضرها أسماء مهمة وفاعلة بدون قيود ووصايا. ومن واقع تجربته في منتدى عبقر يقول الشاعر عبدالعزيز الشريف: الأصل في هذه الدورات هو «الموهبة»، والبعض منها سواء على مستوى التنظيمي لهذه الدورات أو على مستوى فهم معنى صقل الموهبة الذين لا يفرقون بين صاحب الموهبة والشخص الذي يسعى للتعلم لكي يصبح شاعرًا أو قاصًا أو كاتبًا وهذا مستحيل أن تصنع دورة «ما» «مبدعًا» لأن الأصل وجود «الموهبة». على كل حال كثرت هذه الدورات وتنوعت اشكالها ومسمياتها وأصبحت تمارس بشكل تجاري بحت بعيدًا عن وجود الموهبة من عدمه. وإذا أحببنا أن نطور من هذه المطالع الثقافية فلا بد أن تقوم على أسس استراتيجية ورؤية مستقبلية متوسطة وبعيدة المدى تتبناها الدولة، لأن المشروعات الثقافية مشروعات دول ينفق عليها الميزانيات الضخمة، فكيف نتحدث عن مشروعات أكاديمية تعنى بالمبدعين مكتملا بشقيه الشابة / والشاب ونحن في عدم وتصحر ثقافي تام من حيث البنية التحتية لهذه المشروعات من حرية النشر في القول والعمل وأماكن حاضنة لهذا الإبداع من خلال تفرغ المبدع ومسارح وصناعة سينما ومتاحف ومعارض تشكيل ودور نشر حرة تنتج الآداب العالمية الراقية بدون رقابة وقتل للفكر وتكميم الرأي وتكرس الفكر الأوحد، إذا أردنا أن نصل إلى هذا المستوى من التقدم الفكري الحضاري فلابد ان تكون البداية صحيحة ومخططا لها بشكل محترم، وحسن نوايا، بدلًا من هذه الاجتهادات الفردية المتشتتة هنا أو هناك التي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئا وحتى إن أوجدت هذه المعاهد والاكاديميات وظل غياب / أو تغيب للبنية التحتية للإبداع فان كل من يتخرج فيها وحتى لو كان موهوبًا مبدعًا سيكون في النهاية موظفًا حكوميًا يشغله دفتر الدوام اليومي بل وينسيه همه الإبداعي وهنا الكارثة. ويرى الروائي طاهر الزهراني أن تدريس الكتابة الإبداعية، في الجامعات ويكون لها أقسام متخصصة، تندرج تحت كلية الآداب والعلوم الإنسانية على سبيل المثال، فكرة رائعة وجميلة، بحيث تشمل التنظير، والتجربة، والكتابة الناضجة، ثم تكون نتيجة التخرج رواية أو مسرحية، أو مجموعة قصصية، ويتوج ذلك بشهادة معتبرة تحت إشراف أكاديميين، وكتاب، وأهل تجربة، هي بلا شك خطوة عظيمة، نجدها عند الدول المتقدمة التي تقدر الإبداع والأدب، لكن لماذا نفتقد مثل هذه التخصصات والأقسام اتوقع أن هذا السؤال يوجه إلى الأساتذة في وزارة التعليم العالي. المزيد من الصور : صحيفة المدينة