لا أحد في العالم يريد أن تصبح الأزمة في أوكرانيا نموذجاً يتكرر في مناطق أخرى، في الوقت الذي تستعرض فيه روسيا عضلاتها عبر استعدادات عسكرية وتلميحات بالتدخل. ويعتقد زعماء في الغرب أن روسيا تتصرف وفق نظرة خاصة تتمثل في «التنمر» على البلدان المجاورة، التي تتخذها كمناطق عازلة من أجل حماية أراضيها من أي تدخل أجنبي. في الأيام المقبلة، يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يثبت أن هذه النظرة خاطئة من خلال العمل مع أوروبا والولاياتالمتحدة، للتوصل إلى حل للأزمة واستقرار أوكرانيا، عوض التهديد بعمل عسكري واسع يؤدي إلى الفوضى في منطقة شبه جزيرة القرم. وتفكيك أوكرانيا سيضعف روسيا أمنياً، لأن أجزاء كبيرة من الحدود ستبقى مفتوحة من دون عوازل طبيعية. يجب على الغرب التحرك لمنع موسكو من الشعور بالعزلة، بعد خسارة حليفها السياسي في أوكرانيا، (الرئيس المعزول) فيكتور يانوكوفيتش السلطة، بسبب الاحتجاجات الحاشدة. ويمكن أن تتم دعوة بوتين إلى الانضمام إلى المساعي الدولية، وتقديم مساعدات جديدة للحكومة الجديدة في كييف. ومع نجاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في «سوتشي»، قد تكون روسيا في مزاج يشجع على التعاون، مستبعدة الميل نحو صراع على غرار الحرب الباردة من أجل الهيمنة على المنطقة، في مسابقة على النفوذ قد تكون محصلتها «لا شيء» في نهاية المطاف. ومستقبل روسيا مع أوروبا وليس مع غيرها، على الرغم من محاولات بوتين استمالة بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا إلى وحدة تتزعمها موسكو. وبإمكان روسيا أن تكون قوة عظمى، وفي الوقت نفسه تتشارك في السلطة مع بلدان أخرى، كما تفعل الولاياتالمتحدة. ويقول الدبلوماسي الألماني السابق، جواكيم بيترليخ، الذي ساهم في توحيد شطري ألمانيا، «يجب علينا أن نتوقف عن إهانة روسيا باستمرار ومساعدتها للتغلب على عقدة النقص وجنون العظمة، اللتين تعانيهما». أما الدبلوماسي الأميركي جورج كنان، فيرى أن روسيا «بلد تقلص روحياً بإصابات بليغة». ويقول إنه «يجب أن نتذكر أنهم (الروس) لا يشعرون بالأمان، وقد يسوقهم الخوف أو القلق على هيبتهم للقيام بأشياء لا تصب في مصالحهم العليا أو مصالحنا». قد يكون ذلك وجهة نظر قريبة من الواقع، لكن أزمة أوكرانيا تقدم فرصة لبوتين حتى لا يقع في الفخ النمطي، فالدول اليوم باتت تعتمد أيضاٍ على بعضها بعضاً من أجل السلام والرخاء إلى حد لا يمكنها الاستسلام لمخاوفهما، لذا لا يتعين أن تكون أوكرانيا هزيمة لبوتين أو سبباً لاستعراض العضلات. في حين قد تكون فرصة لتأكيد الهوية الروسية، التي يمكن أن تصبح محل إعجاب البلدان الأخرى. وخوض معركة بسبب أوكرانيا لكسب نفوذ على دولة تعاني ضائقة مالية أمر ينطوي على كثير من المجازفة. والسيطرة على مناطق شرق البلاد التي يغلب عليها الناطقون باللغة الروسية قد يثير صراعاً اكثر خطورة. ويرى محللون أن زعيم الكرملين يخشى نكسة في سياسته الخارجية، بسبب خروج أوكرانيا من دائرة النفوذ الروسي، الأمر الذي قد يكون له وقع سيء في الداخل بشكل خاص. من جهة أخرى، قال الخبير في المجلس الأميركي لشؤون السياسة الخارجية، وين ميري، إن أوكرانيا «لا تعتبر من أولويات واشنطن الرئيسة، فتهمها أكثر سورية وعملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وحل مشكلة إيران النووية». في حين رأى محللون آخرون أن المستجدات في أوكرانيا تعتبر نجاحاً للغرب ومكسباً سياسياً يمكن استخدامه في الضغط على موسكو في ما يخص قضايا الشرق الاوسط وعلى رأسها الأزمة السورية. الامارات اليوم