كانت العقوبات أداة شديدة الفاعلية في الضغط على إيران وميانمار، لكن تداخل المصالح الاقتصادية بين روسيا والغرب يجعل عزلها صعبًا. تصطدم تهديدات الولاياتالمتحدة والقوى الأوروبية بفرض عقوبات شديدة على روسيا لاجتياحها شبه جزيرة القرم الأوكرانية بواقع اقتصادي لا مفر منه، يتمثل في أن المصالح الغربية التي تتضرر بهذه العقوبات لا تقل عن مصالح موسكو. عواقب على الجميع حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي في موسكو الثلاثاء على تذكير الغرب بذلك، عندما قال: "على من يفكر في فرض عقوبات أن يفكر اولا في عواقبها عليه". وكان بوتين يشير إلى أن ارتباط روسيا بالاقتصاد الأوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي اصبح من القوة بحيث أن أي اجراء للحد من علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الغرب سيلحق اضرارًا اقتصادية كبيرة بالطرفين في قطاعات متعددة، من الطاقة إلى النقل والتمويل. ورغم اللغة الشديدة التي تُسمع من عواصم أوروبية، فإن استمرار الركود الاقتصادي في اسواق أوروبا يجعل من المستبعد أن يوافق قادتها على اجراءات تزيد آفاق المنطقة قتامة. كما أن علاقات روسيا التجارية والاستثمارية مع الولاياتالمتحدة محدودة للغاية، إذ بلغت التجارة مع روسيا واحد بالمئة فقط من إجمالي تجارة الولاياتالمتحدة في 2013، بينها استيرادات اميركية غالبيتها من زيت الوقود الروسي بقيمة 27 مليار دولار، وصادرات اميركية إلى روسيا بقيمة 11.2 مليار دولار، غالبيتها طائرات وسيارات وقطع غيار، بحسب مكتب الاحصاء الاميركي. غير فعالة ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن الخبير المالي مارك تشاندلر، من بنك براون بروذرز هاريمان الاستثماري، قوله: "لن تكون العقوبات الاميركية ذات فاعلية تُذكر، لأنها ستكون عقوبات أحادية من حيث الأساس"، نظرًا لممانعة أوروبا عن المشاركة. وقدر تشاندلر قروض المصارف الاميركية لروسيا بنحو 20 اإلى 30 مليار دولار. وعلى نقيض الولاياتالمتحدة، ترتبط روسيا بعلاقات اقتصادية عميقة مع أوروبا، شريكتها التجارية الأولى، إذ بلغت استيرادات الاتحاد الأوروبي من روسيا 156 مليار يورو (214 مليار دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من 2013، غالبيتها من النفط والغاز. وصدَّر الاتحاد الأوروبي إلى روسيا في الفترة نفسها بضائع بقيمة 90.2 مليار يورو بينها سيارات ومواد غذائية وسلع استهلاكية، لتكون روسيا رابع اكبر سوق للمنتجات الأوروبية. كما يبلغ حجم النشاط المصرفي الأوروبي المباشر في روسيا نحو 56 مليار يورو، بالمقارنة مع 15 مليار يورو في أوكرانيا، بحسب بنك جي. بي. مورغان تشايس. انكماش الصناعة وكانت سوق السيارات الروسية قريبة من تخطي المانيا بوصفها أكبر سوق منفردة لسيارات الاتحاد الأوروبي. ولدى الشركات الكبرى لصناعة السيارات استثمارات في غالبية المعامل الروسية لتجميع وانتاج السيارات من خلال مشاريع مشتركة مع شركات روسية لصناعة السيارات في الغالب. لكن مشاكل روسيا الاقتصادية قد تضعف موقفها، إذ تبين ارقام نُشرت الاثنين أن قطاع الصناعة التحويلية انكمش في شباط (فبراير) للشهر الرابع على التوالي. وقرر البنك المركزي الروسي رفع اسعار الفائدة ردًا على هبوط قيمة الروبل في اجراء من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التباطؤ في معدلات النمو. ويمكن أن تفتح مواطن الضعف هذه ثغرة تستغلها أوروبا للضغط على بوتين. ولم يصدر عن موسكو حتى الآن ما يشير إلى استعدادها للتراجع. واعلنت شركة غازبروم الروسية الثلاثاء زيادة اسعار الغاز الذي تبيعه لأوكرانيا في خطوة تشدد الضغوط المالية على كييف. إمداد أوروبا تلبي روسيا نحو 30 بالمئة من حاجة أوروبا إلى الغاز، ويمر 15 بالمئة من امدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا. ويمكن لأي قرار تتخذه موسكو بوقف الامدادات أو أي تهديد غربي بالعقوبات أن يؤثر على الدول الأوروبية المستوردة، كبريطانيا وايطاليا والمانيا. لكن روسيا ايضًا تعتمد على تدفق العائدات من صادراتها الغازية والنفطية، وليس لها مصلحة في وقف تدفقها. فإن عائدات روسيا من مبيعات الطاقة تشكل نحو 50 بالمئة من الميزانية الاتحادية الروسية. وكانت روسيا قطعت امدادات الغاز إلى أوكرانيا مرتين، في 2006 و2009، متعللة بنزاعات حول تسعير الغاز. وفي 2009 تسبب وقف الامدادات في ارتفاع الأسعار في عموم أوروبا وحدوث ازمة غاز في بعض البلدان. لكن الغرب اقوى حصانة الآن من نواحي متعددة. فلدى أوروبا وأوكرانيا مخزونًا من الغاز أكبر منه قبل خمس سنوات وان اعتدال موسم الشتاء أبقى الطلب عند مستويات مقبولة. وستكون خسائر غازبروم في حال وقفف الامدادات أكبر منها في عام 2009. قيود على التنقل وقال الباحث جوليان لين من مركز دراسات الطاقة العالمية، لصحيفة وول ستريت جورنال: "تحتاج روسيا إلى تصدير نفطها وغازها للحصول على دخل مباشر لاقتصادها الذي يعتمد على تدفق عائدات النفط والغاز". لكن روسيا أوجدت بدورها صمامات أمان تحميها من محاولات قطع مصدر عائداتها. وفي حين أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي نجحا في تحجيم صادرات النفط الإيرانية دون أضرار تُذكر بهما، فإن ما تسهم به روسيا في امدادات النفط العالمية اكبر بكثير من مساهمة النفط الإيراني بضخها 11 مليون برميل في اليوم، تشكل نحو 13 بالمئة من الامدادات العالمية. ويعني هذا أن أي عقوبات ضد انتاج النفط الروسي تهدد برفع الأسعار العالمية. وبحسب لي، كل دولار يُضاف إلى سعر النفط يمنح روسيا 60 سنتًا اضافيًا من الايرادات. ولعل الأداة الأشد فاعلية لمعاقبة روسيا هو فرض قيود مالية وأخرى على من منح التأشيرات لمسؤولين روس كبار وممثلي شركات حكومية روسية. فإن للكثير من الشركات الحكومية الروسية حضورًا كبيرًا في الأسواق المالية ورؤوس الأموال الغربية، وتقييد امكانية الوصول اليها سيكون عائقا كبيرا امام نشاطها. كما أن كبار المسؤولين ورجال الأعمال الروس معروفون بشغفهم بشراء عقارات وايداع الارصدة في الخارج، من الريفيرا إلى ميامي. ايلاف