أبوظبي: أشاد الدكتور أولافور راغنار غريمسون رئيس جمهورية آيسلندا بدور دولة الإمارات العربية المتحدة كشريك عالمي مؤثر في مجالات الطاقة النظيفة. مؤكدًا أهمية دور وجهود القيادة الرشيدة للدولة في تحقيق هذه الإنجازات المهمة. وأعرب خلال محاضرة نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان "اقتصاد الطاقة النظيفة.. سبيل للتعافي من الأزمات المالية" أعرب عن سعادته بالإطلاع عن قرب على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الطاقة النظيفة ومواكبته مراحل بناء "الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي"، والتي أوضحها الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المركز. مشيرًا إلى مبادرات مدينة "مصدر"، التي وصفها ب"مدينة العلوم والأبحاث". وشهد المحاضرة الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية وحشد من الجمهور، من بينهم أعضاء في السلك الدبلوماسي من السفارات العربية والأجنبية وعدد من المتخصصين في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والإعلاميين. استهل رئيس آيسلند محاضرته بتوجيه الشكر إلى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على دعوته إلى إلقاء المحاضرة وتقديم التهنئة إلى الدكتور جمال سند السويدي بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس المركز. وعبّر عن تقديره للدور البحثي الذي يضطلع به المركز على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. تحدث الرئيس غريمسون عن وضع اقتصاد بلاده لدى اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقال إنها كانت من بين البلاد التي انهارت فيها المصارف، إذ اقترب اقتصادها من حافة الفشل التام، وهو ما هدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد بشكل عام. وأضاف "إنه كان ذلك محلًا للاستغراب حينذاك، وهو ما أصابنا بالقلق الشديد حول إمكانية التعافي من آثار الأزمة المالية، ومن ثم عودة المجتمع إلى الاستقرار من جديد". وبشأن الوضع الحالي في بلاده، قال إنه في الوقت الذي مازالت دول عدة حتى في أوروبا تعاني تداعيات الأزمة المالية، استطاعت أيسلندا أن تتغلب على تلك الصعاب، بل أصبحت الآن لها تجربة فريدة في الخروج من الأزمة، ويمكنها تقديم الحلول والنصح إلى الآخرين. واستطرد "إنه يأتي التساؤل بشأن الطريقة التي حققت بها أيسلندا هذا الإنجاز، رغم أنها من أول وأكثر المتأثرين والخاسرين بسبب الأزمة". وردًا على هذا التساؤل، أكد الرئيس غريمسون أن الطريقة التي اتبعتها أيسلندا كانت مغايرة للطريقة التي تعاملت بها الدول الأخرى في مواجهة الأزمة، فهي تبنت الاستثمار في الطاقة النظيفة كآلية لتحفيز اقتصادها الوطني، وبنت نموذجًا فريدًا يمزج بين الاستقرار المالي والطاقة النظيفة في آنٍ واحد، على الرغم من أنه قد يكون هناك اعتقاد أنه لا علاقة بين الاثنين، لكن أيسلندا أوجدت هذه العلاقة، واستغلتها، حتى أصبح لديها نموذج فريد في الانتعاش الاقتصادي، وأصبح لديها الآن أفضل المؤشرات الاقتصادية على مستوى القارة الأوروبية. وعن الطريقة التي استفاد بها اقتصاد جمهورية آيسلندا من الطاقة النظيفة، قال الرئيس غريمسون"إن هذا العامل كان هو الأساس في تحركنا نحو الخروج من الأزمة، لكن قبل الدخول في كيفية توظيفنا له، من الضرورة بمكان الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى ساعدتنا على ذلك، من بينها أن الحكومة ظلت قريبة من الشعب، وحرصت طوال الوقت على أن تكون سياستها متسقة مع رغبة أفراد المجتمع، فحصلت على ثقتهم، فساعدها ذلك كثيرًا على مواجهة الأزمة". انتقل الرئيس غريمسون إلى كيفية توظيف بلاده للطاقة النظيفة كآلية في مواجهة الأزمة المالية. فقال "إن بلاده أوجدت مقاربة اقتصادية جديدة في مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية، كانت كفيلة بتحويل اقتصاد البلاد من اقتصاد دولة نامية إلى اقتصاد متقدم، فأصبحت موضع اهتمام العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية، مثل "صندوق النقد الدولي" و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". أضاف أنه "بعدما كان اعتمادنا في الماضي على الطاقة الأحفورية المستوردة من الخارج، الآن نولد كل ما نحتاجه من طاقة كهربائية ووقود للتدفئة بالاعتماد على المصادر المستدامة، وأصبح اقتصادنا أكثر تنوعًا، وساعد ذلك الأيسلنديين على التعايش بعيدًا عن الأزمات، وأصبحت بلادنا موقعًا جاذبًا للاستثمارات الأجنبية، والشركات العاملة في التكنولوجيا المتطوّرة، ونتيجة تحولنا إلى اقتصاد الطاقة النظيفة الآن، فنحن بمقدورنا كل 20 عامًا أن ندخر ما يساوي قيمة الناتج المحلي الإجمالي لبلادنا في سنة واحدة". وعدد الرئيس غريمسون أوجه العلاقة بين اقتصاد الطاقة النظيفة والخروج من الأزمة المالية، فذكر منها أولًا أن اقتصاد الطاقة النظيفة من شأنه توفير الطاقة الرخيصة الثمن، ما يخفف الأعباء عن الأفراد والشركات والاقتصاد بشكل عام. وثانيًا تعد استدامة الطاقة النظيفة عاملًا جاذبًا بفاعلية كبيرة للاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة.. وثالثًا من شأن الزراعة في البيوت الدفيئة تنويع الأنشطة الاقتصادية وتوفير الغذاء الصحي وتحقيق الأمن الغذائي وإمكانية تصدير المحاصيل. أضاف أن رابعًا هو ابتكار طرق جديدة لتخزين المحاصيل الزراعية عن طريق التجفيف، ما يزيد من معدلات الأمن الغذائي.وخامسًا يمكن للطاقة النظيفة توفير مرافق سياحية ومزارات جاذبة للسائحين. وسادسًا تخفيض الانبعاثات الكربونية وتخفيض نفقات معالجتها، وكذلك توفير الحياة الصحية للسكان. أما سابعًا فيمكن الربط بين الاستثمار في الطاقة النظيفة والاستثمار في التعليم وتوفير مساقات تعليمية، يمكن أن تكون مصدرًا لجذب الراغبين في التعلم من الخارج. والعنصر الثامن هو أن الطاقة النظيفة هي مصدر جيد للتكنولوجيا المتطوِّرة، التي يمكن استغلالها في باقي القطاعات الاقتصادية. حول فرص التعاون بين جمهورية أيسلندا ودولة الإمارات العربية المتحدة في الطاقة النظيفة، قال الرئيس غريمسون إن العلاقات التي تربط بلاده بدولة الإمارات العربية المتحدة هي علاقات جيدة للغاية، وهناك تعاون بينهما بالفعل في مجال الطاقة النظيفة. وبالنسبة إلى المستقبل هناك فرص واعدة أيضًا لتوسيع مجالات التعاون بينهما. فيمكن لأيسلندا أن تشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة في استكشاف مواقع الطاقة الحرارية الأرضية في صحرائها. ورجّح أن تكون هناك مكامن كبيرة لهذا النوع من الطاقة في الصحراء الإماراتية، كما يمكن التعاون على استغلال تكنولوجيا تخزين الأغذية عبر التجفيف، مما يساعد دولة الإمارات العربية المتحدة على تحسين أمنها الغذائي. كما إن فرص النمو الكبير المرجّح أن يحدث في تجارة الطاقة، خصوصًا في أوروبا، في المستقبل، يمكن أن تكون موضعًا للتعاون الاستثماري الكبير بين البلدين. ويعد المحاضر أولافور راغنار غريمسون الرئيس الخامس لجمهورية أيسلندا، ويقضي حاليًا خامس ولاية رئاسية له منذ انتخابه للمرة الأولى عام 1996. وحصل الرئيس غريمسون على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من "جامعة مانشستر" في إنجلترا عام 1965، وأتم فيها أطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية بعد مضي خمسة أعوام أيضًا. وأصبح في ما بعد أول بروفيسور للعلوم السياسية في "جامعة أيسلندا"، كما حصل على مقعد في "البرلمان الأيسلندي" عام 1978، ثم عمل وزيرًا للمالية في أيسلندا خلال الفترة ما بين عامي 1988 و1991. وشدد الرئيس غريمسون خلال ولايته الرئاسية على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، بهدف الحد من ظاهرة التغير المناخي. فدعا إلى استخدام الطاقة الحرارية الأرضية بوصفها موردًا متجددًا وقابلًا للتطبيق من الناحية الاقتصادية وموثوقًا به. كما أسهم بفعالية في دعم مكافحة التصحر، وكان مناصرًا لمزيد من التعاون الدولي والسلمي في القطب الشمالي والهيمالايا. حاضر الرئيس غريمسون في جامعات في دول كثيرة، منها جامعتا "بكين" و"فودان" في الصين، وجامعات "هارفرد" و"كولومبيا" و"براون" وولاية "أوهايو" في الولاياتالمتحدة الأميركية.. فيما نال الرئيس غريمسون جوائز دولية كثيرة، منها جائزة "جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي" عام 2007. ايلاف