يوفر ما يكتبه ويشاركه مستخدمو مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت فرصة ثمينة للباحثين في علم النفس والاجتماع لدراسة المجتمع من منظور جديد، ما يعني أن ما ينشره كل شخص من تغريدات وصور قد لا يصل فقط إلى جمهور محدود من الأصدقاء والمتابعين، أو للمواقع ذاتها بهدف توجيه الإعلانات الملائمة، بل يهم أيضاً باحثين وجهات أكاديمية. ويُثير ذلك جدلاً حول مدى أخلاقية استخدام ما يكتبه الناس في الأبحاث العلمية، ومدى أهمية الحصول على موافقتهم بالنظر إلى الفوائد الناتجة عن البحوث في فهم المجتمعات، وعلاقة ذلك بسياسات الخصوصية في الشبكات الاجتماعية، وأيضاً مدى كفاءة تجهيل البيانات بحيث تضمن الحفاظ على الخصوصية، فضلاً عن تخوف بعض المستخدمين ممن لا يرحبون بوضع ما يكتبونه تحت عدسة البحث، إلى جانب التساؤل الدائم حول صدق تمثيل آراء المستخدمين على الإنترنت لحقيقة سلوكياتهم وما يعتقدونه. وتترك كل حركة وتفاعل على الإنترنت أثراً رقمياً، ومع القدر الهائل من المعلومات التي تجمعها شركات الإنترنت، مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«غوغل» و«مايكروسوفت»، عن مستخدمي مواقعها، يجد الباحثون أنفسهم أمام مصدر مُتجدد لدراسة مختلف جوانب الحياة اليومية بطرق ربما لم تُتح لهم سابقاً. وعلى سبيل المثال، استعان باحثون في شركة «مايكروسوفت» بتغريدات منشورة في «تويتر» للتعرف إلى النساء المعرضات لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وتستعين شركات بتحليل التغريدات للتنبؤ بأماكن الإصابة بالانفلونزا، وتوقع اتجاه الأسهم في سوق الأوراق المالية. كما حلل موقع «فيس بوك» 400 ألف منشور، وتوصل إلى تراجع معدلات التفاعل بين الآباء وأبنائهم مع بلوغ الأطفال سن الثالثة عشرة، إلا أنها تعاود الارتفاع مجدداً مع انتقال الأبناء للعيش في الخارج. وأظهر تحليل آخر لسلوك المستخدمين ممارسة جانب كبير منهم للرقابة الذاتية، وأن 71% منهم يتراجعون عن نشر منشور واحد على الأقل بعد كتابته. وتؤكد هذه المحاولات وغيرها مخاوف الباحثين بشأن مستقبل التنقيب في مجموعات البيانات، مع وجود العديد من المستخدمين ممن قد لا يحبون أن يُوضع سلوكهم تحت المجهر، وقالت الأستاذة المساعدة في كلية لندن للاقتصاد، إيلكا جليبس: «كن على علم بأنها مساحة تجري مراقبتها»، في إشارة إلى الشبكات الاجتماعية. وكانت جليبس قد درست استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية كأداة للبحوث الميدانية، وذكرت دراستها اللافتة للانتباه: «يتحول (فيس بوك) من فضاء عام إلى مختبر سلوكي»، واستشهدت بمشروع لجامعة هارفارد الأميركية يدرس 1700 من طلاب الجامعة ممن يستخدمون موقع «فيس بوك»، وخلاله صار من الممكن إلغاء تجهيل أجزاء من البيانات عبر إحالتها ومقارنتها بمصدر آخر للبيانات، ما يعني إمكانية التعرف إلى الشخصيات الحقيقية للطلاب. وقالت جليبس: «في بعض الأحيان، يصبح تحديد هذه البيانات أسهل مما نعتقد»، ومع ذلك أضافت أن ذلك لا يعني قولها أنه لا ينبغي لأحد إجراء هذا النوع من الدراسات: «لكن أقول إنه ينبغي علينا أن نكون أكثر حذراً عند استخدام هذه البيانات». واعتبر عالم النفس الاجتماعي بجامعة تكساس في أوستن، جيمس بينيباكر، أن الخصوصية تُمثل قضية كبيرة لمجال الأبحاث، وأشار إلى قلق المواقع ذاتها منها، وقال: «لدى مجموعة من الباحثين إمكانية الوصول إلى منشورات الجميع، وبُني (فيس بوك) على أن ما هو لك أمر خاص، إنهم يكافحون مع المشكلة بالطريقة نفسها كما المجتمع العلمي». من جانبها، ترى المحامية والخبيرة في قضايا الخصوصية، باري أفتاب، أنه ينبغي ألا يقلق المستخدمون؛ نظراً لامتلاك الشركات الكبيرة مثل «غوغل» و«مايكروسوفت» و«فيس بوك» و«تويتر» سياسات لتنظيم مسائل الخصوصية. وقالت أفتاب، العضو في المجلس الاستشاري للأمان في «فيس بوك»، إن المواقع لن تُقدم أبداً معلومات يُمكن تحديد الشخصيات من خلالها دون الحصول على موافقة المستخدمين، وأشارت إلى خيار اللجوء إلى القانون حال استخدامها بأية طريقة أخرى. ويقول المدافعون عن «فيس بوك» إن الشبكة الاجتماعية قد اضطرت للتراجع عن سياسات الخصوصية أكثر من مرة، في حين أظهرت دراسة أجرتها جامعة فيينا أن المخاوف بشأن الحفاظ على الخصوصية كانت ما دفع ما يقرب من نصف مستخدمي «فيس بوك»، ممن شملتهم الدراسة، للتوقف عن استعماله. ويرى جي بي ميشيل، الباحث الزائر بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب حديث بعنوان «غير مُدون: البيانات الضخمة كعدسة على الثقافة الإنسانية»، أن ضرورة الحذر لا تقتصر على مواقع الإعلام الاجتماعي وحدها، وقال إن الباحثين الذين يستعينون بالمجموعات الضخمة من البيانات، يلزمهم الحذر بشأن جودتها واحتمالات الخطأ، وقال ميشيل: «يوجد قليل من أخطاء البيانات، لكن من السهل إساءة تفسير هذه البيانات». الامارات اليوم