عندما يختار سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز الدول الآسيوية الأكثر تقدمًا في المجال الاقتصادي والعلمي في جولته، التي شكلت الصين آخر محطة في جولته الآسيوية فإن ذلك يعني ببساطة إيلاء المملكة المزيد من الأهمية في التوجه شرقًا بما يعد تجسيدًا عمليًا لتوجّه استراتيجي سعودي نحو تفعيل العمق الآسيوي، في نطاق تنويع شركاء المملكة وحلفائها، وذلك لتحقيق التوازن في علاقاتها شرقًا وغربًا، ولما تشكله الصين واليابان والهند من قوى ناشئة مرشحة لمنافسة الولاياتالمتحدة على التربع على قمة العالم خلال العقدين المقبلين ضمن عالم متعدد الأقطاب وفق ما يتوقعه الخبراء، وحيث يحتل الاقتصادان الصيني والياباني في الوقت الراهن المرتبتين الثانية والثالثة ضمن أقوى الاقتصاديات العالمية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ما زالت تحتل المركز الأول . فإذا أضفنا إلى ذلك أن الصين والهند وحدهما، وهما دولتان نوويتان، تشكلان ثلث سكان العالم إضافة إلى مساحتهما الشاسعة التي تجعل من كل منهما شبه قارة، يضعهما في مقدمة الدول الأغنى على مستوى الموارد البشرية، والمصادر الطبيعية، والأسواق التجارية. أهمية الزيارة تنطوي زيارة سمو ولي العهد للصين على أهمية كبيرة، كونها أول زيارة له للصين منذ توليه ولاية العهد، وكونها تأتي قبل بضعة أيام من زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض، وأيضًا بسبب توقيتها، حيث تواجه المنطقة وأجزاء عديدة من العالم اضطرابات وتوترات تهدد بزعزعة الأمن والاستقرار في أركانه، إضافة إلى ما تشكله تلك الزيارة التاريخية من أهمية بما هو مؤمل منها من خلال المباحثات الهامة، التي سيجريها سموه مع زعماء الصين وعلى رأسهم الرئيس الصيني تشي جينج بينج ونائبه لي يوان تشاو ووزير الدفاع تشانج وان تشيوان، وما ستتمخض عنه من اتفاقيات عديدة، . كما ينبغي الأخذ في الاعتبار المكانة المتميزة، التي تحظى بها المملكة ملكًا وحكومة وشعبا لدى القيادة والشعب الصيني الصديق، نظرًا للسياسة الحكيمة والمعتدلة، التي تنتهجها المملكة في علاقاتها مع المجتمع الدولي، واحترامها للشرعية والاتفاقيات والمواثيق الدولية، والانتصار لقضايا العدل والسلام في العالم، وما تبذله من جهود كبيرة على صعيد مكافحة الإرهاب على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. لغة الأرقام كما لابد من الإشارة إلى ما تمثله الصين كقوّة عالمية ذات اقتصاد نشط ونهم للطاقة التي تأتي المملكة العربية السعودية على رأس كبار منتجيها ومصدريها في العالم، وحيث تعتمد الصين على استيراد 27% من احتياجاتها النفطية من المملكة، فيما تتجه المملكة إلى الاستعانة بالصين في مشاريعها الخاصة بالطاقة المتجددة. وقد أظهرت الصين بدورها خلال السنوات الأخيرة اهتماما بمنطقة الخليج التي تجمع بين عاملي الثراء المادي والاستقرار السياسي والأمني. ومن المؤشرات الهامة على متانة وتطور علاقات الشراكة بين المملكة والصين تجاوز التبادل الاقتصادي بينهما 73 مليار دولار في 2013، يقابلها توسع الاستثمارات السعودية في الصين الى نحو 600 مليون دولار وزيادة عدد الطلاب السعوديين الدارسين في الجامعات الصينية إلى أكثر من 1300 طالب وطالبة في مختلف التخصصات وعلى رأسها الطب والهندسة بجميع فروعها. الزيارة استنادًا إلى تلك المعطيات تفتح آفاقًا جديدة لشراكة عميقة في إطار تعاون متعدد الأوجه بما في ذلك المجال التعليمي والثقافي بين البلدين والشعبين الصديقين بما يخدم مصالحهما المشتركة، وبما يعزز التعاون بين الرياض وبكين في كل ما من شأنه خدمة قضايا الأمن والسلام في المنطقة وفي العالم، ويعمل على تقريب وجهات النظر بينهما حيال تلك القضايا، وعلى الأخص القضيتين السورية والفلسطينية اللتين تشكلان تهديدًا خطيرًا للسلام في الشرق الأوسط. صحيفة المدينة