د. دانية آل غالب كلمة (إبداع) هي كلمة ذات قيمة كبرى في قواميس الشعوب الأخرى، بينما هي مستباحة عندنا. إذ أصبح كل شيء عندنا إبداعًا. ابتداءً بإعلانات تافهة، وبرامج ممسوخة الشكل والمضمون، ومؤلّفات مسروقة من عالم النسخ واللصق. ومرورًا بروايات سخيفة سطحية تدعو إلى طمس القيم والهوية، وسخافات يطلقون عليها مسمّى الفن. ولا تنتهي القائمة لأقول انتهاءً بذاك أو هذا. فهي قائمة بلا نهاية. فكل شيء عندنا يدخل في دائرة الإبداع. لأننا مجتمع يستسهل توزيع الألقاب. فهذا مبدع وذاك فنان وثالث شاعر ورابع روائي وخامس أديب. وليت المشكلة تقف عند حد منح الألقاب وتوزيعها في غير مواضعها. لكنها تتعدى إلى أن مساحات هذا الإبداع المدَّعى بدأت تتسع لتضم كل عبث وجهل ودجل. وأصبح لا فارق بين شاعر صنع تاريخًا وشكّل وجدانًا وبنى من الإبداع الحقيقي رصيدًا كبيرًا.. وآخر يكتب استنساخًا، وثالثًا لا تستقيم معه جملة سليمة من الأخطاء. أصبح لا فارق بين أديب قدّم فنًّا راقيًا وفكرًا نابغًا وأدبًا شامخًا، وصاحب كتابات سطحية ساذجة تروج الشاذ من الفكر، وتهدم القيم، وتضيّع الوقت. إطلاق الألقاب في غير مواضعها، واستخدام كلمة إبداع بلا قيد ولا شرط؛ جعل الأدعياء والمتسلّلين يتجرؤون ويقتحمون الساحات بلا مواهب حقيقية، بل بأكاذيب. فيدّعي أنه فنان تشكيلي وهو يشتري لوحات غيره ويوقعها باسمه.. ويدّعي أنه كاتب ومؤلّف وهو يسوّد الصفحات بحبر لا بفكر. ومن يريد أن يحقّق شهرة، ويُعرف اسمه بين ليلة وضحاها أمسك بقلمه وتهجّم على الرموز المقدّسة ابتداءً بالخالق جلّ وعلا.. ووصولاً إلى الرسل والأنبياء.. والصحابة. فمن أسهل أبواب الشهرة ولوجًا الاعتداء على المقدّسات والتطاول عليها. أثناء تجوّلي في معرض الكتاب اطلعتُ على الكثير من الكتب والمؤلّفات التي امتلأت بالباطل وتضليل المفاهيم، والناس تُقبل عليها إقبالاً منقطع النظير، لأنها خُدعت وضُللت ببعض الأسماء التي نجحت في تسويق ذاتها بشكل مختلف. هناك عشرات الكتب التي لا تحمل أي قيمة فنية أو إبداعية أو فكرية صُفّت إلى جانب عظيمة بنت عقولاً وفكرًا وحسّاً فنيًا عاليًا. فكيف تتساوى الأقزام مع العمالقة؟. لقد أسهم في بروز هذا الخلل، وانتشار ظاهرة ازدياد الأقزام وجود عشرات الفضائيات، التي تريد أن تملأ مساحات البث لديها، فتبحث عن أي شيء وتقبل أي شيء ولا مانع من أن يكون تفاهات وسطحية واستخفاف بالعقول. وهي البضاعة الأكثر رواجًا في ظل الغيبوبة الفكرية والأدبية والفنية والإبداعية التي تعيشها مجتمعاتنا. أرسلت لي إحداهن تستغيث بأنها تعيش حالة من الإحباط والتشكك في إيمانياتها وثقتها بالله جرّاء قراءتها لأحد الكتب الذي امتدحه لها الكثيرون وراج في مبيعاته. وكنتُ قد قرأتُ الكتاب فعلاً قبلها فأوضحت لها أن الكتاب لا يستند على أي حقيقة علمية ولا قاعدة دينية وأن الكتاب لا يتعدّى أن يكون شطحات فكر مؤلّفه وهذيان أفكاره وإدّعاءاته الكاذبة. وأن وقتها أثمن من أن يُصرف مع كتاب كهذا. فأجابت بأنها شكّت في ذلك فعلاً، لكن البريق الذي روّج للكتاب وكاتبه ضللها. إن بعض الكتب وبعض التفاهات التي تُسمَّى اليوم إبداعًا، مثلها كمثل المخدرات. فكما المخدرات تقتل العقول والأجساد، كذلك تفعل تلك، إذ تقتل الفكر والذوق والوعي باسم الإبداع!!. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة