لم يعد الذهب يشكل الملاذ الآمن في الفترة الأخيرة، وهو ما جعل المستثمرين يشككون في أن يواصل الذهب الاحتفاظ بمكانة الملاذ الآمن . يقول ديفيد بيهم نائب رئيس مؤسسة الاستثمار في المعادن النفيسة "بلانشارد إن "التقلبات التي شهدتها أسعار الذهب في الآونة الأخيرة كانت مؤشرا إلى أن الذهب لم يعد ذاك الملاذ الآمن، ولكن في الحقيقة لا يزال المستثمرون ينظرون إليه باعتباره المكان الذي لا يزال يستطيعون في ظله حماية ثرواتهم" . ولكن من الصعب جدا تصديق ذلك طالما أن أسعاره هبطت خلال سلسلة من الجلسات في الآونة الأخيرة . لكن لماذا يتعرض الذهب في الآونة الأخيرة إلى تراجع حاد في أسعاره؟ ولماذا لا يعير المستثمرون بالهم لهذه الهاوية المالية؟ والجدير أن أسهم الذهب هبطت خلال شهر كامل بنسبة 5 .1% واستقر عند 80 .1695 دولار للأونصة في بورصة ميركانتايل في نيويورك وقالت البورصة إن الذهب تراجع خلال شهر إلى ما دون 1700 دولار . والجدير أن هبوط أسعار الذهب بات شائعا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتراجع 40 دولارا في الثاني من نوفمبر و26 دولارا في الثامن والعشرين من نوفمبر . يعترف محللون بأن التغييرات التي طرأت على أسعار الذهب في الأشهر الأخيرة ملفتة . فقد قفز الذهب 200 دولار إلى 1800 دولار للأونصة في أكتوبر/ تشرين أول من نحو 1600 في أغسطس/آب . وقال فيل ستورر مدير التداول في مؤسسة ديلون جيج، وهي شركة مقرها تكساس تتعامل في أسواق الأسهم، إن "ذلك انتقال كبير" . ويوجه محللون اللوم، من الناحية الجوهرية والتقنية، إلى أن التقلبات الأخيرة لأسعار الذهب في كل شيء تمت بسبب تصفية صناديق التحوط ومحفزات تقنية للأسعار فضلا عن التركيز على ما سيؤول إليه الاقتصاد (الأمريكي) في نهاية العام . وهناك سلسلة من الهموم التي تنتظر حلولا مثل الهاوية المالية والتطورات التي تشهدها منطقة اليورو واحتمالات التضخم . ومن خلال ذلك وعلى الرغم من التصفيات يبقى المستثمرون يبدون اهتماما كبيرا ويرون أن تقلبات أسعار الذهب تبقى محدودة . يشار إلى أنه خلال الشهر الماضي، مرت مصانع صك النقود بأفضل مرحلة لها بالنسبة لمبيعات نقود النسر الذهبي الأمريكي . منذ يوليو/ تموز العام ،2010 وطبقا ل "بوليون فولت" فإن بورصة الذهب والفضة أصبحت متاحة على شبكة الإنترنت بالنسبة للمستثمرين الخصوصيين . وعلى نحو منفصل قالت"إيه تي إف" سيكيورتيز إن الحيازات في بورصة تداول المنتجات حققت سجلا قياسيا في النصف الثاني من نوفمبر، حيث تم بيع 83 مليون أونصة . وارتفعت أيضا عمليات شراء وبيع الذهب طبقا لمؤشر مستثمري الذهب، الذي يعرض نظرة فاحصة لمعنويات المستثمر الغربي تجاه الذهب، إلى أعلى مستوى خلال ستة أشهر في نوفمبر . وقال بن ترينور الخبير الاقتصادي الرئيس في مؤسسة "بوليون فولت" إن "سعر الذهب يمكن أن يبدو ضعيفا في هذه الفترة ولكن خلف الكواليس، ويشعر المستثمرون في الغرب بوضوح أن هناك حاجة إلى توفير ضمان في مواجهة المخاطر المالية في العام المقبل 2013" . واستنادا إلى كل الأدوار التي يتجه الذهب كي يلعبها، فإن المعدن الثمين يتعرض لذبذبة سعرية صعودا وهبوطا، ولكن لا يزال الكثير من المحللين لا يزالون يتوقعون سنة قوية تنتظر الذهب . ورغم كل ذلك فإن أسهم الذهب، حتى هذه الفترة من العام ،2012 حققت ارتفاعا بنسبة 8% . ويتوقع بيهم من مؤسسة "بلانشارد" أن يكون العام 2013 "عام الذهب" بسبب الغموض الذي تسببت فيه الهاوية المالية والاعتماد على الحوافز النقدية لدفع الاقتصاد الأمريكي . وهي المحفزات التي يوفرها مجلس النقد الاحتياطي الأمريكي . وكذلك فإن هناك حالة قلق تشيعها المخاوف من "الهاوية المالية" بسبب خفض نفقات تساوي المليارات من الدولارات فضلا عن الزيادة الضريبية المتوقع أن يبدأ العمل بها في أوائل العام 2013 في حال لم يتفق الساسة على صفقة خاصة بالميزانية فضلا عن المعارك السياسة التي تثار حول ديون منطقة اليورو التي تغذي التقلبات بالنسبة للذهب والأسواق الأخرى . ويرى فيدان ميماني مدير إحدى المحافظ الرائدة في مؤسسة "آتيان كابيتال غلوبال أوبورتشونيتيز فند" أن "مخاطر زيادة الضريبة على أرباح رأس المال التي ستأتي نتيجة لمناقشات الهاوية المالية ناجمة عن أن بعض المحتفظين بالذهب لفترات طويلة الأجل يحجزون بعضاً من أرباحهم العام 2012 . وقال "المعقول جدا أن يحجز المستثمر مكاسبه لفترة طويلة الأجل للعام ،2012 بعد أن يتحسب لمواجهة الزيادات الضريبية المنتظرة التي تفوق المعدلات الحالية، ومن ثم يعمل المستثمر على تعديل وضعه في العام 2013 طبقا لرغبته بدلا من التشبث بالمكاسب ذات الأجل البعيد التي تعرضه لخطورة الزيادة الضريبية" . ولكن هل يؤدي التوصل إلى صفقة قصيرة الأجل خاصة بالهاوية المالية إلى نتائج حميدة؟ لقد رفض البيت الأبيض مقترحات التخلص من العجز التي طرحها النواب الجمهوريون والتي تنصح بزيادة ضريبية تصل إلى 800 مليار دولار . وتتجه الآمال حاليا إلى واشنطن في أن تنجح بإبرام صفقة لتجنب "الهاوية المالية" . ولكن هل تؤدي أية صفقة قصيرة الأجل إلى تعزيز نشاط الأعمال في العالم؟ ويدرس متداولون ومستثمرون احتمال اتجاه السوق إلى دورة تضخمية أو انكماشية . ويرجح أن يشعر معظم المستثمرين كما لو "كنا نتجه إلى دورة انكماشية ولذلك فإن حيازة الذهب الذي ينظر إليه باعتباره واقيا في مواجهة التضخم ليست محبذة" بحسب فؤاد رزاق زادة، وهو محلل تقني في أسواق "جي إف تي " . وهناك أيضا التداولات التي تنشط الأسعار . وقال آدم غرايم المسؤول الأول عن الاستثمار في مؤسسة الأبحاث والاستشارات "ويفرلي أدفايزرز" إن بيع الذهب يأتي على الأغلب نتيجة لأسباب تقنية . وأضاف أنه "منذ التراجع الحاد للأسعار المرتفعة في أغسطس / آب العام 2011 حققت أسهم الذهب حضورا قويا لدعم منطقة اليورو" . وكانت أرباح أغسطس / آب 2012 مؤشرا على صعود واضح أي أننا ينبغي أن ننتظر طويلا حتى يتم هذا الصعود، "مشيرا إلى أن شهر نوفمبر/ تشرين ثاني فشل في تطوير ذلك الزخم الصاعد ما يجعل التفاؤل مهماً وسيضمن مجددا للاعبين بأن ما يفعلونه إنما يعزز الطريق الصواب" . وما فاقم التقلبات في سوق الذهب هو خلفية التداول المتغيرة بالنسبة لهذا المعدن الثمين وهو من جملة التقلبات التي جعلت الكثير من المتداولين ينتهزون فرصة التنوع الواسع لخيارات الاستثمار التي تتضمن المشتقات والمنتجات القابلة للتداول في أسواق البورصة . وقال جيفري سيكا رئيس قسم الاستثمار في مؤسسة "سيكا لإدارة الثروات إن "النسبة العالية للمستثمرين في مجال الذهب أدت إلى خلق حجم عال من التقلبات غير المسبوقة" . وأوضح أن "التراجعات الأخيرة سببها تصفية صناديق التحوط انتظارا لمواجهة تحقيق المتطلبات . إن انعدام اليقين يتمثل في كيفية قيام الكثير من المستثمرين في التركيز على سداد ديون صناديق التحوط وهو ما يؤدي إلى التسبب في لجوء بعضهم إلى تصفية ديونه" . وفي ضوء ذلك، ماذا بشأن وضع الذهب باعتباره ملاذا آمنا؟ وطبقا لسيكا فإن "ميل المستثمرين لجهة تعزيز الفعالية المالية فإنهم يقومون بتصفية قطاعاتهم المتميزة بأدائها الرفيع في وسط تراجع سوق الأسهم يجعل من المرجح للذهب أن يستهدف المستثمرين من ذوي الزخم والفعالية الكبيرة من الذين بحاجة لتلبية شروط هامشية" . وقال سيكا إنه "طبقاً للمستويات الكبيرة من المستثمرين من أصحاب الفعاليات المالية وصناديق التحوط الذين يمتلكون ذهباً، فإن الذهب لم يعد يعتبر ملاذا آمنا كما كان في السنوات الخالية . ولكن على الرغم من كل ذلك فإن الذهب يمكن اعتباره "ملاذا آمنا" مع احتمال كبير لزيادة أسعاره في المستقبل" . (ماركت ووتش)