مع شروق شمس كل يوم جديد، يعيش المواطن نجيب الخطيب أقرب مقدسي يسكن بجوار المسجد الأقصى حلقة جديدة من مسلسل المعاناة اليومي، حيث يضع الجنود الحواجز الحديدية على بعد أمتار من باب منزله، الذي يتربع بالقرب من باب الحديد أحد الأبواب الرئيسة للأقصى، لتبدأ الإجراءات اليومية والمتمثلة في تفتيش المقدسيين والمصلين المتوجهين للصلاة فيه، ومنع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 45 عاما من الصلاة فيه. أما نجيب الخطيب، فيمنعونه من دخول الأقصى والصلاة فيه، ويفرضون إجراءات وقيوداً مشددة عليه هو وأسرته، أثناء الخروج من المنزل أو العودة إليه، فيما ينتظرون إذن الجنود بالسماح لهم بالدخول إلى منزلهم، بعد أن يتحققوا من هوياتهم الشخصية. وكان منزل الخطيب قد أقيم قبل 600 عام، ويعود طابعه إلى العصر المملوكي، ويبعد 20 مترا عن باحات المسجد الأقصى المبارك، كما يلاصق الجهة الغربية من سور الأقصى، الذي استولى عليه الاحتلال وسماه حائط المبكى الصغير، وذلك على موقع رباط الكرد، وهو جزء من منزل عائلة الشهابي، الذي سيطر عليه الاحتلال وطرد سكانه. وتحدثت «الإمارات اليوم» مع الخطيب قبيل أذان صلاة المغرب، حيث كان يستمع إلى صوت الأذان في الحرم القدسي، ليقول بحسرة: «هذه هي أقسى لحظة في حياتي، أن أستمع إلى صوت الأذان في الأقصى، وأمنع من الصلاة فيه، والتي تعد من أفضل الصلوات». ويضيف «دخولي إلى المسجد الأقصى ليس أمرا سهلا، حيث أواجه إجراءات مشددة، وأتعرض لأساليب استفزازية من قبل الجنود والتي تنتهي بمنعي من الصلاة فيه، فمنذ يومين كنت في طريقي لصلاة الفجر، وإذ بجندي إسرائيلي من أصل إثيوبي يمنعني قائلا: من أين أنت؟ لقد شعرت بالحزن، وأجبته غاضبا: أنت من تكون؟ ومن أين قدمت؟ هذا مسجدي، وهذه قدسي، وأنت مكانك ليس هنا». ثكنة عسكرية مسلسل المعاناة لا يتوقف عند هذا الحد، بل تشتد حلقاته بقدوم المستوطنين بشكل أسبوعي إلى حائط المبكى الصغير المزعوم، الذي يبعد خمسة أمتار فقط عن منزله، حيث يمارسون طقوسهم الخاصة بالصلاة والرقص والغناء بأصوات مرتفعة، فيما تتكرر هذه الصورة في الأعياد اليهودية الكثيرة، التي يبلغ مجملها ثلاثة شهور متفرقة. ويعتدى المستوطنون أثناء وجودهم في ساحة البراق على منزل الخطيب، ويمنعون أفراد العائلة من الحديث أو الضحك، بدعوى إزعاجهم والتشويش عليهم أثناء صلاتهم واحتفالهم بأعيادهم. ويقول بصوت حزين: «في إحدى المرات، وبينما كنت مجتمعا مع عائلتي داخل المنزل بعد تناول طعام الغداء، هاجم المستوطنون منزلنا لمنعنا من الحديث والضحك داخله، فيما رفع أحدهم المسدس في وجهي أمام أطفالي، ما أثار الرعب لديهم». ويضيف «إن المستوطنين والجنود يمنعوننا من الحديث في منزلنا، ويسلبوننا الراحة والأمان، ويقضّون مضاجعنا، أما هم فيرقصون بأشكال قذرة وبأصوات عالية ومزعجة، من دون أن يعترضهم أحد». ويتحول أقرب منزل للأقصى إلى ثكنة عسكرية، عندما يحضر المستوطنون إلى حائط البراق، حيث يقتحمونه ويعتلون السطح، لتأمين الحماية لهم أثناء وجودهم، كما يعتلون المنزل بشكل دائم عندما يتعرض الأقصى للاقتحام من قبل المستوطنين والجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى مراقبة المقدسيين داخل أسوار الحرم وخارجها. وينتهك الاحتلال حرمة المنزل بفعل كاميرات المراقبة التي تنتشر بمحيطه، وتكشف كل ما بداخله، حيث توجد ثلاث كاميرات على حائط البراق الصغير، أما على السور الأقصى فتنتشر بشكل كبير، حيث يوجد في كل مسافة لا تتجاوز متراً ونصف المتر كاميرا واحدة، وذلك بحسب صاحب المنزل. خطر التهجير جميع هذه الأحداث وحلقات المعاناة تهدف إلى تهجير عائلة الخطيب، فالموقع الاستراتيجي المميز لمنزلها يجعل أنظار الاحتلال تتجه للسيطرة عليه، لتحقيق مخططه بإحكام السيطرة على المسجد الأقصى، كما حل بمنزل عائلة الشهابي. فيما يتعرض صاحب المنزل لتهديد دائم ومستمر، تارة لإزالة سقف المنزل، وتارة لهدمه بشكل كامل، وذلك بذريعة البناء غير المرخص. ويقول جار الأقصى «في كل لحظة أنا مهدد بطردي من منزلي وهدمه، وبذلك أصبح مشردا بلا مأوى، ففي كل يوم أشاهد أفراد البلدية وعناصر الجيش والمخابرات الإسرائيلية بمحيط منزلي، فيما يحضرون بشكل دوري لتهديدي بهدم المنزل، وكان آخر إخطار تسلمته منهم يوم 21 فبراير الماضي». ويقيم الخطيب مع عائلته المكونة من ستة أفراد في ظروف معيشية صعبة، بسبب تضييق الاحتلال عليهم ومنعهم من ترميم المنزل أو الإضافة عليه، رغم حاجته الماسة لذلك في ظل زيادة عدد أفراد أسرته. ويوضح أن منزله ضيق، ويتكون من غرفتين صغيرتين لا تتسعان لعدد أبنائه، وهو ما يجعله بحاجة إلى التوسعة والترميم بما يتناسب مع احتياجات أسرته، كما يفتقر منزله إلى وجود سقف يحميه من برد ومطر الشتاء. ويقول الخطيب «لا أشعر بالأمان داخل منزلي، في كل لحظة منزلي معرض للاقتحام والاعتداء، وعائلتي مهددة بالتشرد في حال طردي من المنزل أو هدمه، فأنا غير قادر على العيش بحرية بفعل ممارسات الدولة التي تدعي الديمقراطية». ويضيف «لا أحد يشعر بمعاناتي، لأن الاحتلال يقتحم منزلي ويعذبني بعيدا عن أنظار العالم، فمشاهد الجنود والمستوطنين تثير الخوف في قلوب أطفالي، ويعيشون في حالة رعب دائمة خلفت لديهم مشكلات نفسية ترافقهم في كل وقت». وفي محاولة لإضعاف قدرته على الصمود والبقاء في منزله، يفرض الاحتلال غرامات مالية مرتفعة وضرائب كثيرة على الخطيب، ففي كل شهر يتسلم فاتورة المياه بمبلغ يزيد على 800 شيكل. ويقول بصوت مختنق «لعدم قدرتي على سداد المستحقات والضرائب، يغلقون خطوط المياه، وبالتالي أحرم منها داخل منزلي، وأنا الآن مهدد بقطع المياه مثلما حدث في 50 منزلا مقدسياً، فيما نضطر لجمع المياه من مناطق بعيدة، وشرائها بكلفة مرتفعة». الامارات اليوم