في عصر الإعلام الجديد لا يمكن إغفال ما يحدث أو تجاهله أو تغييره دون أن يكون مكشوفاً أو على أقل تقدير ظهور خفاياه خلال فترة قصيرة. وفي المقابل لا يمكن أن تظهر أي وسيلة إعلامية بمظهر الطرف المحايد وهي أحد أطراف الصراع. الجزيرة قناة محددة الأهداف منذ انطلاقها وحتى اليوم .. ويبقى الكذب والتلون في المواقف هو المحرك لها، لذلك تجد أنه من السهل كشف تناقضاتها وتزييفها للكثير من الحقائق .. ولعل العديد من المتابعين يرصدون انحسار هذا المد الإعلامي المزيف الذي قادته الجزيرة. ولا شك في أن ما صنعته من هالة إعلامية كانت شبيهة بالبالون الذي انفجر وشوه بما يحويه الدولة الحاضنة والداعم المنشئ لها. الجزيرة استُخدمت كسلاح إعلامي، ومثلت المرافق الرئيس لخطوات السياسة القطرية، وأدت إلى توريطها في ملفات معقدة من خلال ما يملى عليها سواء من الداخل أو الخارج. تدفعها أجندة خبيثة تحرك خيوطها وتدخلاتها في مختلف الصراعات الدائرة، وهي بعيدة كل البعد عن الحياد، ولم يكن للطرف الآخر صوت يذكر أو حضور قوي في عملها، بل كان وجود البعض عبارة عن طعم وعنصر مكمل أو كومبارس في العديد من مسرحياتها. وهو ما ينافي ويناقض الشعار الذي طالما تغنت به في مختلف برامجها وإعلاناتها «الرأي .. والرأي الآخر»، وهذا بشهادة العديد من موظفيها الذين هجروها خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى لعديد من الوثائق التي تثبت تورط الجزيرة ومواقفها السلبية تجاه الكثير من الأحداث، وهي بذلك تشكل انعكاساً دقيقاً لسياسة قطر الغامضة والمتلونة، والتي تدور في حلقة مفرغة تنتهي عادة بتبريرات غير واضحة، وقد تكون أقبح من الذنب الذي ترتكبه لتعود إلى الدوران مرة أخرى في الحلقة نفسها. أقرب الأمثلة هنا هو ما ظهر جلياً في تناقضها وتعاطيها مع الحالة المصرية، حيث كانت نبرة الانحياز إلى الدولة والمؤسسات حاضرة إبان حكم الإخوان، لتعود بعد 30 يونيو 2013 وتسلط جام غضبها على الدولة نفسها والمؤسسات نفسها لا لشيء سوى لأن الجماعة التي كانت تقف خلفها تم إسقاطها بضربة قضت على العديد من أهدافها وأهداف من دعمها وأسهم في وصولها. الجزيرة لم تكن سوى وسيلة فاعلة لتسيير سياسات أو السير وفق سياسات محددة سلفاً مبتعدة كثيراً عن المبادئ العالمية للإعلام ومفاهيمه، والتي تشدد على إعلاء قيمة الميثاق الأخلاقي، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمات، حيث نجد أنها في كثير من الأحيان كانت السبب في العديد من الأحداث وفي أحيان أخرى كانت اليد التي تصب الزيت على نار الصراعات مخالفة بذلك أهم هذه المبادئ، وهو مفهوم «الحد من الضرر» في حال اشتعال أزمات، والتي من الممكن أن تؤدي إلى حروب أهلية أو تسهم في إضفاء الشرعية على حركات العنف المسلح والحركات المتطرفة. يقول الباحث الفرنسي محمد العويفي البروفيسور في المعهد العالي للسياسة «ساينس بو» في حوار سابق له مع صحيفة «لوموند» الفرنسية: إذا كانت الجزيرة اليوم تستطيع التواصل مع جميع الأوساط الأصولية في كل مكان، وحتى في باكستان ومع القاعدة وغيرها، ذلك لأنه يوجد داخل القناة أشخاص تثق بهم قيادات الجماعات الأصولية ثقة كبيرة. ما معنى ذلك؟ وكيف يمكن تفسير التضخيم الكبير الذي قامت به الجزيرة تجاه تنظيم القاعدة في أوج بروزه وكيف كانت الحضن الإعلامي لكل حصريات أسامة بن لادن؟ وكيف استطاعت أن تكرر الأمر مع الإخوان رغم التباعد الفكري بين الطرفين؟ كيف كانت حاضرة وبقوة خليجياً من خلال ملف التنظيم السري في الإمارات والإساءات المتكررة إلى الإمارات من على منبرها من خلال عراب الفتنة القطرية القرضاوي .. الجزيرة أيضاً كانت طرفاً محركاً للشارع الكويتي ضد حكومته وتوالى التحريض والإساءة إلى الحكومة الكويتية، حتى إن أحد المحامين هناك رفع قضية تنظر حالياً على مذيعها فيصل القاسم الذي تطاول بشكل مباشر على أمير الكويت وحكومته. وفي اتجاه آخر قامت بعملية دخول قوية في أحداث البحرين، وكان التركيز هنا من خلال الجزيرة الإنجليزية بشكل واضح .. وأكد العديد من المحللين مدعمين أقوالهم بوثائق ثبوت تورطها في هذه الأزمة بمحاولة إبراز هذا التوجه الصفوي التخريبي وكأنه مطالبات مشروعة. الجزيرة لم ولن تكون مجرد قناة إعلامية بمفهوم الإعلام المتزن، بل هي ذراع سياسية تعمل وفق مخطط ورؤية راديكالية للوصول إلى السلطة بقناع الإعلام المحايد، مطبقين بذلك نظرية الإسلام السياسي ومخططات التطرف الديني في الوصول إلى السلطة بقناع الدين. من خلال هذه القناة الخبيثة تم تخريج وتصدير العديد من الأصوات الأصولية والأسماء التي حملت وروجت لنفسها من خلال قضايا الأقليات، وعملت على استدراج الآلاف المتابعين بالضرب على وتر العاطفة واستغلال الملفات المثيرة أحياناً في حالة شبيهة بعمل الصحافة الصفراء. الجزيرة كما يصفها أحد أساتذة الإعلام تعمل وفق ما يسمى «البروباجندا البيضاء» أو الدعاية للطرف الواحد، وهو في حالة الجزيرة حالياً «تنظيم الإخوان»! فأين هو الحياد الذي تتحدث عنه .. لذا فالشعار الصحيح لهذه القناة هو «الرأي .. ولا .. رأي آخر». The post الجزيرة .. «الوجه .. والوجه الآخر» appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية