يارب سلم.. يارب سلم.. يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف, ربنا يستر, ربنا يعديها علي خير... كلمات وأدعية فطرية بسيطة, لكن دلالتها كبيرة وخطيرة, وهي أننا جميعا نعيش حالة من الخوف والتوجس, حالة من عدم الأمان والاستقرار, حالة من الفوضي, الفوضي الهدامة وليست الفوضي الخلاقة. نعمة الأمن والاستقرار من أكبر النعم التي أمتن الله بها علي عباده حيث قال فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. الاستهانة بإراقة الدماء, تصاعد وتزايد عدد القتلي والجرحي, كميات الأسلحة المهولة والضخمة التي دخلت مصر واستحوذ عليها البعض, ظهور مصطلحات جديدة في المشهد السياسي, ولأول مرة في مصر مثل الميليشيات المسلحة, الانقسام, الاعتصام, وفي عقر دار الرئاسة الشرعية, وفي عقر دار منابر الاعلام التي يفترض فيها الحرية في إطار الضوابط الحيادية والمصلحة الوطنية.. هذه الدلالات وغيرها الكثير تؤكد حالة الخوف التي نعيشها, ومدي حاجتنا الي شيء من الأمن والاستقرار لنجلس جميعا علي مائدة الحب والتآخي والحوار الوطني, لتفوت الفرصة علي من يكيدون ويخططون للنيل من مصر واضعافها وابقائها دائما في ركب التبعية الذليلة المهينة, لتهنأ بذلك اسرائيل وتعيش في أمان واستقرار وقوة علي حساب خوفنا واضطرابنا وضعفنا, هذه هي المعادلة ببساطة والتي اطلقتها كونداليزا رايس عام2005 والتي اشتهرت بالفوضي الخلاقة, وهي الفوضي الهدامة وهو مخطط موضوعي من وجهة نظر السياسة الأمريكية بل والغربية والتي تجعل ضمن ثوابتها الاستراتيجية, ضمان أمن وسلامة اسرائيل.. من هنا فليس بمستغرب أن تتعرض مصر لمؤامرة خارجية, ولكن المستغرب والمؤسف أن يسير بعض المصريين في هذا الطريق. ويكونون أداة لتنفيذ هذا المخطط التأمري, ويتعمدون ايجاد حالة من الفوضي والقلق والاثارة والتضليل والشائعات والشحن المستمر لعوام الناس مما دفع كما رأينا إلي إراقة الدماء المصرية الطاهرة والأمر إذا وصل إلي إراقة الدماء فإنه ينذر بخطر أشد, لما له من تبعات الثأر والقصاص واحتراق القلوب, ولهذا فقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم أشد التحذير من سفك الدماء, فقال صلي الله عليه وسلم لزوال الدنيا جميعا أهون علي الله من دم يسفك بغير حق. ولنلاحظ مدي تأكيد وخطورة الأمر في استخدام لام التأكيد في لزوال ثم الدنيا جميعا ثم الاشارة إلي عمومية الدماء وانسانيته في كلمة من دم أي دم مسلم كان أو مسيحي أو غيره, مادام بغير حق, ولا شك أن كل الدماء التي أريقت أثناء الثورة وبعدها هي دماء أريقت بغير حق, علي يد أعداء الوطن واعداء الانسانية من البلطجية وغيرهم ممن يستخدمونهم ويتعمدون توجيههم لهذا الغرض. ان الشعار الكبير الذي يرفعه الجميع الآن عاوزين البلد تستقر وان الشعار المحموم الذي ترفعه مؤامرة كونداليزا رايس اثارة الفوضي وذلك بالتخوين والشائعات والدماء واثارة البغض والشحناء والفتن.. الخ والحقيقة أن هذا المخطط قد نال من مصر كثيرا منذ قيام الثورة وحتي الآن إن المؤسف أن يحدث هذا الانقياد المذل وهذا التآمر المخزي في مصر الحضارة, مصر التاريخ, مصر الأزهر, مصر الكنيسة والوحدة الوطنية, مصر الايمان الجميل الراقي والاسلام الوسطي الشامل.. يقول الرسول صلي الله عليه وسلم أشرف الايمان أن يأمنك الناس وأشرف الاسلام أن يسلم الناس من لسانك ويدك وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات أخرجه أحمد والطبراني. ان المؤسف أن كل ما حذر منه النبي صلي الله عليه سلم من سفك الدماء قد حدث وأن كل ما دعي إليه صلي الله عليه وسلم من إفشاء الأمن والسلام وعفة اللسان وطهارة اليد وهجر السيئات والبعد عنها كل هذا وغيره يحدث الآن في مصرنا العظيمة.. ولا أدل علي ذلك من حالة الخوف والهلع والاضطراب والضياع وعدم الاستقرار لسفينة مصر وسط هذه الاعاصير العاتية!! لهذا فإنه رحمة بمصرنا, ورفقا بضعفائنا, ورغبة وحنينا للأمن والأمان والسكينة والاستقرار وتقديرا لعلمائنا وللشرعية وإرادة شعبنا, فإنني أري أن التصويت بنعم علي الدستور الجديد يعد بابا واسعا إلي الأمن والاستقرار والتقاط الأنفاس وتفويت الفرصة علي المتآمرين وذلك لانقاذ سفينة مصرنا من محاولات الغرق لا قدر الله ونجاتها إلي بر الأمان. حقيقة.. الدستور ليس قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, إنه عمل بشري وكل أعمال البشر خاضعة للصواب والخطأ لكن المؤكد أن الدستور اجتهاد كبير مخلص قامت به جماعة من صفوة المتخصصين والمفكرين من كافة التيارات وعلي مدي ما يقارب الستة أشهر عكفوا ليل نهار في نقاشات وحوارات فكرية وعلمية وقانونية رأينا أكثرها وشارك فيها من انسحبوا في الجلسات الأخيرة. إن أي نقاط اختلاف سوف تعرض علي البرلمان في جلسته الأولي لمناقشتها وتصويب ما قد يراه البعض خطأ. إن أكثر من يعارضون الدستور لا يقدمون الدليل علي اعتراضهم فأكثرهم لم يقرأون بل قد يفتروا كذبا أو جهلا علي الدستور مثل ذلك المرشح الرئاسي الشهير الذي قال إن الدستور لم يتطرق إلي مجانية التعليم واتضح جهله لأن الدستور تناول مجانية التعليم والاهتمام به كأفضل ما يكون. إن فقه الأولويات ومنطق الأهم, والحوار المتعقل والموضوعي, ومصلحة مصر, وأمننا واستقرارنا, يفرض علينا, أن نهدأ قليلا لنلتقط أنفاسنا, ونضمد جراحنا, ونلم شعثنا, ونوحد صفوفنا, ونجمع كلمتنا, ونحصي ونتعرف علي العدو من الصديق, وندرك ونري مكامن الخطر لنتقيها ونواجهها. إن المعترك الذي تعيشه مصر منذ ما بعد الثورة معترك شرس وقاس لا يعرف آدابا لحوار, ولا حدودا لخلاف, ولا مروءة ولا رحمة, إنه معترك أثار الكثير من غبار الحقد والأنانية فبات الجميع وقد غابت عنهم الرؤية, رؤية الصواب والحق ومصلحة الوطن, لهذا فإن أولي الأولويات أن نهدأ ولو قليلا وأن نوقف هذا المعترك الشرس, وأن نربت علي قلب مصرنا النافض وأن نثبت فؤادها الملتاع وأن نسعي جميعا بحب وعقل وحوار نحو الأمن والأمان والاستقرار لننجو وتنجو مصر من مخطط الفوضي والدمار.