«شجرة الدر، «الخيزران»، «جوزفين»، «أبجيل»، «جيهان السادات» هي أسماء لسيدات من الشرق والغرب، اختارهن التاريخ ليكن زوجات لحكام ورؤساء، ولم يقنعن بلعب دور الزوجة والأم التقليدي، ودفعتهن مطامح ورغبة قوية في النفوذ إلى توسيع أدوارهن ليتدخلن في الشأن العام والسياسة عبر بوابة الزوج، اكتفى بعضهن بدور محدود كزوجة الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر، وأخريات كان طموحهن بلا حدود، فقادهن إلى المنفى كسيدة تونس الأولى وسيلة بورقيبة، أما أخريات مثل «إبجيل» زوجة الرئيس الأمريكي الثاني جون آدامز، فكانت من قوة الشخصية بحيث كان يشركها في كل صغيرة وكبيرة من شؤونه السياسية، حتي أصبح أمر نفوذها على زوجها معروفًا لدى عامة الشعب الذي أطلق عليها لقب «السيدة رئيسة السيد الرئيس». تلعب عوامل المصالح وتوازنات القوى والتوازنات الاقتصادية الدور الحاسم والمؤثر في السياسة، والحاكم وبالرغم من حقيقة تميزه واكتسابه هالة تنبع من الدور الهام الذي يقوم فيه من خلال قيادة شعبه ورعاية مصالحهم، يخضع في قرارته للعوامل السابقة، إلا أنه يظل آخر الأمر بشرًا، وتؤثر فيه أيضًا العوامل الشخصية وتلعب دورًا في قراراته السياسية، ويأتي على رأس هذه العوامل علاقته بزوجته وأم أبنائه، وهو ما حدث على مدار التاريخ، حيث نافست سيدات امتلكن الشخصية القوية والعزيمة أزواجهن الحكام في الشهرة، وشاركن في الحكم وإن كان بطريقة غير مباشرة في الظل، وما «شجرة الدر» زوجة آخر حكام الدولة الأيوبية إلا مثالًا طغت فيه شهرة الزوجة على الحاكم. وفي العهد الإسلامي بدأ دور السيدات يظهر بشكل أكثر وضوحًا منذ العصر الأموي وتحديدًا مع الخليفة «يزيد بن عبد الملك»، حيث كانت جاريتيه «سلامة القس» و»حبابة» من أكثر النساء حظوة عنده، يسمع منهن ويأخذ بمشورتهن في بعض الأمور، وحتي «هشام بن عبد الملك» الذي اتصف بالحزم، استطاعت جاريته «صدوف» أن تحصل على دور كبير في حياته كما تذكر كتب التاريخ. ومع أفول العصر الأموي وبداية العصر العباسي زاد الدور الذي تلعبه زوجات الخلفاء وأمهاتهم، وهو دور لا يمكن إغفاله في الشؤون السياسية وقد عارض «عبد الله بن المقفع» والذي قتل لاحقًا هذا الدور المتعاظم. كان تأثير «الخيزران» جارية الخليفة «المهدي» كبيرًا عليه، إذ استطاعت أن تقنعه بترشيح ابنها «الهادي» «للخلافة مع أن ابنه الأكبر «عبد الله» من أم عربية هاشمية هي «رابعة بنت أبي العباس»، وبعد تولي الخليفة «هارون الرشيد» مقاليد الحكم مارست زوجته زبيدة السياسة وكانت الملكة الثانية في بلاط العباسيين بعد الخيزران والدته وقد أثر ذلك على مختلف جوانب الحياة مما أدى إلى زيادة تحرر المرأة واندفاعها للمشاركة في شؤون الحياة المختلفة. لاحقًا برز اسم «شجرة الدر» وهي التي أسست دولة المماليك الأتراك على أنقاض الدولة الأيوبية بعد وفاة زوجها «الصالح نجم الدين»، وخلال مرض زوجها الأخير كانت تحكم وترسم وتأمر في ظله وباسمه دون أن تشعر الناس حتى أنها كانت تصدر الأوامر والقرارات والمراسيم المكتوبة بخط وتوقيع يشبه خط وتوقيع زوجها المريض. ماري أنطوانيت: دعهم يأكلون كعكًا وفي أوروبا وفي فرنسا تحديدًا كانت ماري أنطوانيت التي أصبحت ملكة لفرنسا عام 1774م في عمر الثامنة عشرة، مثالًا على مدى تأثير سلوكيات زوجات الملوك والرؤساء في تحديد مصير أزواجهن السياسي، يقال: إنها سألت ذات مرة مسؤولًا رسميًّا عن سبب غضب الباريسيين، فكانت إجابته: ليس لديهم خبز، فكان ردها، إذن دعهم يأكلون كعكًا!، وبغض النظر عن مدى صحة هذه القصة من عدمه، فإن زوجها الملك لويس السادس عشر كان ضعيف الإرادة وفقد حكمه للبلاد تدريجيًا؛ لتتحول هي إلى الحاكم الفعلي وتفجر غضب الشعب بسبب إهمالها للفقراء وانتشار الفساد ومعارضتها العنيدة للتغيرات الثورية، مما انتهى بإعدامها بالمقصلة خلال أحداث الثورة الفرنسية بعد 20 سنة من توليها العرش. جوزفين وبونابرت.. عشق يفشل حملة مصر وبعيد الثورة الفرنسية واستبدال الملك بإمبراطور هو نابوليون بونابرت بدأت فصول قصة جديدة لتأثير الزوجة حتى على أحد أعظم القادة الأوروبيين في التاريخ، فقد تزوج «نابليون بونابرت» الإمبراطورة «جوزفين»، والتي كان يعشقها رغم أنها أكبر منه سنًا، فيما لم تكن هي تبادله هذا العشق، وتم الزواج بينهما بعد سلسلة رسائل عشق تباع حاليًا في المزادات، إلا أن التاريخ يذكر خيانتها له واتخاذها عشيقًا في باريس أثناء الحملة الفرنسية على مصر. زوجة إيدن والعدوان الثلاثي وبالانتقال إلى التاريخ الأوروبي الحديث، فإن «كلاريسا» زوجة «أنتوني إيدن» رئيس الوزراء البريطاني الشهير الذي شن العدوان على مصر في عام 1956 بعد قرار تأميم قناة السويس، مثالًا على أن السياسي هو آخر الأمر رجل، وتؤثر العوامل الزوجية وتشعباتها النفسية على قراراته، ف «كلاريسا» كانت ابنة أخ أحد أشهر رؤساء الوزراء في تاريخ بريطانيا «ونستون تشرشل»، وتزوجت إيدن وهي في السابعة والثلاثين من العمر فيما كان هو في الستين من عمره، وكانت سيدة مجرمة ولها ماض في العشق والعلاقات وقد قدم الكاتب الصحفي «محمد حسنين هيكل» وصفًا تحليليًا عن قرار الحرب المتهور من أيدن بأنه محاولة شخصية لإثبات قوة وفتوة «عجوز» أمام زوجته الشابة وأنه تسرع في اتخاذ قرار شن العدوان سابقًا أمريكا التي كان قرار التأميم موجهًا للرد عليها بالأساس. وحديثًا وفي المملكة المتحدة أيضًا تتحدث التقارير الصحفية عن «شيري بلير» زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وأنها لعبت دورًا كبيرًا في حياة زوجها السياسية وقدراتها الكبيرة في التأثير عليه وقد صدر كتاب بعنوان «صناعة قادة العالم» كشف مؤلفه عن فشل «توني بلير» في كبح جماح زوجته ومنعها من التدخل في سياسة حكومته. زوجة واشنطن العظيم وفي الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، في الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن زوجات الرؤساء كان لهم دور أيضًا تزايد أو تناقص تبعًا لشخصية الزوجة وقوة إرادتها، وقد كانت السيدة مارتا زوجة بطل الاستقلال الأمريكي والرئيس الأول للولايات المتحدةالأمريكية جورج واشنطن سيدة بسيطة اهتمت بإدارة شؤون البيت الأبيض كبيت زوجية فقط، تنظم الحفلات وتضبط إيقاع البيت كما تفعل أي زوجة، ويروي الكاتب أنيس منصور في كتابه «السيدة الأولى»، وقصة أول حفلة نظمتها مارتا واشنطن في بيتها بعد تولي زوجها مقاليد الرئاسة، فبعد انتهاء العشاء احتار المدعوون هل ينصرفون قبل خروج السيدة الأولى، أم ينتظرون خروجها أولًا ثم ينصرفون لاحقًا كما هي عادة الملكات، إلا أن «مسز واشنطن» قطعت حيرتهم وفاجئتهم بالقول: «السيد واشنطن ينام في التاسعة وأنا قبله بعشرة دقائق». رئيسة السيد الرئيس أما أبجيل زوجة الرئيس الثاني جون آدامز، فقد كانت شخصية مختلفة، لكن كانت ذكية، طويلة اللسان، وحاضرة البديهة، والوصف للكاتب أنيس منصور، وقد قدمت إحدى مؤرخات البيت الأبيض صورة لها بالقول: «كان لا بد أن ألبس بدلة من الحديد وأنا أتحدث مع جلالتها، خوفًا من لسانها السام».أما سبب معرفتها لأشياء كثيرة في الدولة، فلأن زوجها يستشيرها في كل شيء، ويطلب مساعدتها في كتابة خطبه الرسمية، فقد كان يعاملها على أنها وزيرة بلا وزارة، وكان الناس يعرفون نفوذها لدى الرئيس ويتجهون إليها لحل مشاكلهم معه، حتى إنها أصبحت مادة لمونولوجاتهم وأغانيهم ونكتهم، وكانوا يطلقون عليها «السيدة رئيسة السيد الرئيس». أما لورا بوش زوجة الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش الابن»، فكان لها تأثير قوي على زوجها، وقد ساندته في خطة تخفيض الضرائب وخلع صدام حسين وكانت كثيرًا ما تنتقده، وقالت عن ذلك ذات مره في مقابله صحفية إن زوجها صدم بسيارته حائطًا في حديقة المنزل لتوتره بعد أن أغضبته بانتقادها لخطاب ألقاه خلال حملته الانتخابية. في التاريخ العربي الحديث لم يغب أيضًا تأثير ونفوذ السيدات على الحكام، وتعتبر الملكة نازلى نموذجًا جيدًا، فبالرغم أنها بالبداية كانت حبيسة في جدران قصر القبة، إلا أنه بمجرد وفاة زوجها الملك فؤاد الأول، تغير وضعها، وأصبحت الملكة الحقيقية لمصر، لصغر سن ابنها الملك فاروق الذى كان قاصرًا حينها، ومن هنا أصبحت الملكة نازلى هى الحاكمة الفعلية للبلاد من وراء الستار، والسبب الرئيس بحسب بعض المؤرخين فى سقوط ابنها عن العرش بعد ذلك نتيجة تدخلها الخاطئ في الأمور السياسية، وتصرفات شخصية أثرت سلبًا على ابنها الملك. وسيلة بورقيبة.. طموح انتهى بالمنفى وإذًا من هي وسيلة بورقيبة التي اتخذتها السيدة ليلى الطرابلسي مثلًا أعلى، هي وسيلة بنت محمد بن عمار، تنتمي إلى عائلة أصيلة في مدينة الكاف، وكان والدها وكيلًا بالمحاكم الشرعية، ولدت في مدينة باجة العام 1912م وتوفيت عام1999، وهي الزوجة الثانية للرئيس الحبيب بورقيبة، ولعبت دورًا سياسيًا نشيطًا خلال عهده. وقد كانت السيدة وسيلة ثائرة تونسية قادت عددًا من عمليات النضال الوطني ضد الاستعمار، حتى ألقي القبض عليها عام 1948 وسجنت، عرفها بورقيبة لأول مرة بالقاهرة بعد عودته من المنفى في إبريل1943 وتزوجها في1963، وقد عاشت معه أكثر من أربعة وعشرين عامًا كانت تلقب خلالها ب «الماجدة». وقامت وسيلة بن عمار بدور كبير في الحياة السياسية التونسية، فكانت وراء تعيين عدد مهم من الوزراء وفي إزاحة آخرين، وحالت دون تسمية محمد الصياح وزيرًا أول سنة 1980، كما كانت وراء تسمية محمد مزالي لهذا المنصب ولكنها ما لبثت أن انقلبت عليه هو الآخر بعد ذلك على إثر صراع بينهما بعد أن عارض مزالي تصاعد نفوذها. جيهان السادات السيدة الأولى مع تولي الرئيس الثالث محمد أنور السادات مقاليد الحكم في مصر، زاد دور السيدة الأولى، فكانت زوجته السيدة ''چيهان صفوت رءوف» أول من حملت لقب ''سيدة مصر الأولى''، فقد شهدت مع الرئيس السادات كل الأحداث الهامة، وتبنت بعض المشروعات وعلى رأسها مشروع تنظيم الأسرة ودعم الدور السياسى للمرأة، وساهمت في تعديل بعض القوانين وعلى رأسها قانون - الأحوال الشخصية- القانون 44 لسنة 1979م والذى يعرف حتى الآن بقانون «چيهان»، والذي حكم بعدم دستوريته لأنه صدر بقرار جمهوري فى عطلة مجلس الشعب. وفي تونس حيث أسقط الشعب الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، فإن قصص نفوذ زوجته السيدة ليلى الطرابلسي، والتي رواها لطفي بن شرودة الذي كان يعمل طاهيًا وخادمًا في القصر الرئاسي في كتابه الصادر بباريس «في ظل الملكة»، فقد ذكر بن شرودة أن السيدة ليلى ومنذ طفولتها كانت تحلم بأن تتزوج رئيسًا وتتمتع بنفوذ وحظوة من خلاله أسوتها في ذلك، ومثلها الأعلى أول سيدة أولى لتونس وسيلة بورقيبة، وهو ما تحقق فعلًا، وإن كانت النهاية أتت على غير ما تشتهي مع عواصف الربيع العربي التي ضربت أول ما ضربت تونس، وأنهت طموحات السيدة الأولى. الملكة فريدة حبيبة الشعب وعلى النقيض من الملكة الأم نازلى كانت زوجة الملك فاروق الأولى «فريدة»، والتى أحبها الشعب لبساطتها، فقد كان نشاطها لا يتعدى الأعمال الخيرية والأنشطة النسائية المرتبطة بتلك الأعمال، وهو الدور الذي لم تتعداه أيضًا زوجة الملك فاروق الثانية الملكة ناريمان، والتي لم تمهلها الأيام الإقامة فى القصر أكثر من عام ونصف بعد ما قامت ثورة 1952، لتنتهي الملكية وتبدأ الجمهورية. على العكس من زوجها الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي طبقت شهرته الآفاق عاشت تحية كاظم مغمورة وماتت مغمورة، فلم تتدخل يومًا في شؤون الدولة بل عاشت حياة طبيعية كزوجة وأم ولم تحاول فيها إفراد شخصية خاصة منفصلة عن زوجها، ولم تصاحب الرئيس في سفرياته كما تفعل عادة زوجات الرؤساء، ولم تعمد للظهور في المناسبات العامة، إلا عندما استعان بها زوجها عند زيارة المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد للبلاد، واقتصرت علاقاتها على زوجات الظباط الأحرار، أما صديقاتها فكانت أم كلثوم الأقرب لها، وابنة أختها السيدة نادية غالب حرم المستشار محمد فهمي السيد. المزيد من الصور : صحيفة المدينة