رغم ما يعج به هذا الكتاب الصادر الشهر الماضي لمؤلفته الصحفية الإسرائيلية كارولين جليك كاتبة العامود في صحيفة الجيروزاليم بوست المحسوبة على اليمين الإسرائيلي المتطرف من أكاذيب وافتراءات، إلا أن ما دفعنا إلى إعداد قراءة له توافق مضمونه مع موقف حكومة بنيامين نتنياهو الراهن الرافض لعملية السلام ولحل الدولتين، الذي تقول إنه لو كان ممكنًا فإنه كان ينبغي أن يتم قبل 15 عامًا. يدور الكتاب حول محور واحد: الحل الوحيد والأجدى لحل النزاع هو إقامة دولة واحدة إسرائيلية بضم الضفة الغربية والقدس (يهودا والسامرا بالمصطلح الإسرائيلي) إلى إسرائيل الحالية على أن يمنح الفلسطينيون في هذه الدولة الجنسية الإسرائيلية ليعيشوا جنبًا إلى جنب مع اليهود.. ورغم أن هذا الطرح يتعارض مع ما تطالب به حكومة نتنياهو الفلسطينيون بالاعتراف بيهودية الدولة، إلا أن خيار الدولة الواحدة يطرح هنا على أساس انهيار حل الدولتين وصعوبة تحقيق مطلب الدولة اليهودية.. وهي لذلك تطالب إدارة الرئيس أوباما بالاعتراف بأن حل الدولتين مات ولم يعد قائمًا. كما يلاحظ في هذه الرؤية الإسرائيلية الجديدة للحل، التي يبدو أنها الرؤية نفسها التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية أن تلك الدولة لا تضم قطاع غزة، الذي تم الانسحاب منه عام 2005، بما يطرح السؤال الذي لم تجب عليه المؤلفة في كتابها: ما هو مصير القطاع في ظل هذا الحل؟ أكاذيب وافتراءات تبدأ جليك بالرد على ما أثاره المؤرخ الإسرائيلي المعروف شلومو ساند بكتابيه «الشعب اليهودي شعب مختلق» و»أرض إسرائيل اصطلاح مختلق»، لكن دون الإشارة إليه أو إلى كتابيه، فتقول إن اسم فلسطين اختراع مختلق، اخترعه الحاج أمين الحسيني، الذي تقول عنه بأنه صديق النازي والذي (أي الحسيني) أنتج فيما بعد ياسر عرفات ومحمود عباس، وأن اسم الضفة الغربية والقدس هو أيضًا اسم مختلق، والأصح القول يهودا والسامرا. وهي تدعي أن الفلسطينيين الأصليين كانوا يهودًا، وأن «أرض إسرائيل» لم تخل يومًا من اليهود في أي فترة من فترات التاريخ، وهو ما يتناقض مع حقائق التاريخ ومع ما ورد في التوراة نفسها.. ولسنا هنا بصدد تفنيد هذه الأكاذيب، لكن يكفي القول بهذا الصدد أنه حتى لو سلمنا بما يدعونه بأن وجودهم في فلسطين يعود إلى عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، مع أن التوراة نزلت على سيدنا موسى بعد ذلك بنحو أربعة قرون، إلى جانب أنها لم تنزل عليه في فلسطين التي لم يعش فيها قط، فإن توراتهم تقول (سفر التكوين) إنه عندما ماتت زوجة سيدنا إبراهيم السيدة سارة خاطب أهل أربع (قرية في الخليل) من العرب الكنعانيين الأقحاح من بني حث (إحدى قبائلهم): «وقام إبراهيم من أمام ميته وكلم بنى حثِ، قائلًا: أنا غريب ونزيل عندكم، أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي (سارة) من أمامي. فأجاب بنو حث إبراهيم، قائلين له: اسمعنا يا سيدي أنت رئيس من الله بيننا، في أفضل قبورنا ادفن ميتك». وتواصل الكاتبة تسويق كذبتها بالقول إنه لا يوجد في تاريخ الشعوب شعب حافظ على هويته عبر هذه الفترة الزمنية الطويلة مثل الشعب اليهودي، وكأنها بهذا الطرح تغض الطرف عن ما أثبته مؤرخون يهود مثل كوستلر وبرنارد لويس من أن اليهود الأشكيناز (ذوي الأصول الآرية ) اعتنقوا الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي بعد أن اعتنق ملكهم بولان الثاني – ملك الخزر- الديانة اليهودية. وتدعي جليك أن السلطة الفلسطينية مع بداية مجيئها عام 1994 وإشرافها على أجهزة الإعلام والمدارس والمساجد شنت، ومن خلال وزاراتها المتعددة حملات تحريضية منظمة ضد إسرائيل.. وهي تزعم أن هذه الحملات لم تكن تدعو إلى عودة إسرائيل إلى خطوط الهدنة لعام 1994، وإنما إلى القضاء على إسرائيل قضاءً مبرمًا. وهي لم تصور الإسرائيليين على أنهم مواطنون لدولة عدوة، وإنما صورتهم على أنهم وحوش وشياطين وأعدا لله. وهي تدعي أن هذه الحملة (التحريضية) ما زالت مستمرة حتى الآن، بحيث جعلت الهدف الأسمى للفلسطينيين تدمير إسرائيل وإبادة الشعب اليهودي. لا جدوى من السلام! تذهب جليك إلى أبعد من ذلك بالقول إن حل الدولتين، الذي يتضمن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيلية تعيش في حدود آمنة يبدو كمسرحية هزلية، والأسوأ أنه سيكون– فيما لو تحقق- بمثابة كابوس يجثم على صدر إسرائيل ويؤذن بنهايتها. وهي لذلك ترى أنه آن الأوان للتخلي عن عملية السلام برمتها. وهي تقترح كبديل للحل دولة واحدة هي إسرائيل يتبع مواطنوها (يهود وفلسطينيون) القانون الإسرائيلي.. وهي تعتبر غزة خارج نطاق هذه الدولة (لدواع قانونية وإستراتيجية). وهي تصف اتفاقيتي أوسلو بالجنون لأنها جعلت الأمريكيين يحلمون بحلم خيالي غير قابل للتحقيق.. وتستطرد بالقول إن الأمريكيين حاولوا منذ عهد نيكسون حتى أوباما إنشاء دولة فلسطينية على معظم الأراضي، التي احتلتها إسرائيل في حرب 67، وظلوا يبدون تعاطفًا مع الفلسطينيين، وتذهب إلى القول بأنه لولا الدعم الأمريكي للفلسطينيين لانهارت منظمة التحرير الفلسطينية منذ زمن طويل!. وهي تعتقد أن هذا الدعم أضر بسمعة أمريكا. خيارات الدولة الواحدة تطرح المؤلفة ثلاثة خيارات يمكن اللجوء إليها لتطبيق حل الدولة الواحدة على أرض الواقع، وهي: 1-وضع يهودا والسامرا تحت سلطة حكومة عسكرية إسرائيلية لفترة مؤقتة، حيث يملك كل من العرب واليهود الحق في الحكم من قبل حكومة مدنية ديمقراطية فيما بعد. 2-الحفاظ على الحكم الثنائي الحالي، الذي يدار من قبل الحكومة العسكرية الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية. 3-ضم يهودا والسامرا لإسرائيل، وهو ما تعتقد أنه الأفضل للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. الفلسطينيون هم المستفيدون! ترى جليك أن حل «الدولة الواحدة» لا ينبغي النظر إليه على أنه عقاب للفلسطينيين، بل إنه يصب في مصلحتهم بالدرجة الأولى، حيث ستتحقق لهم حرية السفر والإقامة في أي مكان داخل حدود دولة إسرائيل (الجديدة)، وستفتح لهم أبواب الجامعات والمعاهد الإسرائيلية، وأيضًا الاقتصاد الإسرائيلي. وتدلل على ذلك بالقول إنه بعد حرب 67 حصل قرابة 65 ألف فلسطيني على هويات وإقامة دائمة وتمتعوا بمستويات معيشية أفضل في مجالات العمل والتعليم في المدارس والجامعات، وشاركوا في الانتخابات وحصلوا على تأمينات صحية. وترى جليك أن هذا الحل كي ينجح، فإنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن توقف تمويل السلطة، بما يؤدي إلى حلها، وبالتالي عدم تمثيلها للفلسطينيين في الضفة، بما يمهد الطريق لحل الدولة الواحدة.. لكنها ترى أن هذا الحل يمكن أن يصطدم بأكثر من مشكلة، فالدخول المفاجىء وبهذه الكثرة لأعداد كبيرة من العرب ليصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل سيشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا.. كما يمكن أن يظل خطر الإرهاب قائمًا.. كما يوجد أيضًا تهديد آخر يتمثل في إمكانية أن يلجأ الفلسطينيون إلى مناشدة المجتمع الدولي لمقاطعة إسرائيل، لكنها تقلل من مخاطر هذه التهديدات، وإمكانية أن تظهر تهديدات أخرى كتدخلات من مصر أو غيرها من دول الجوار لأن إسرائيل قادرة بقوة جيشها واقتصادها على مواجهة تلك التهديدات- على حد زعمها. ويضم الكتاب بصفحاته ال313 ثلاثة فصول: وهم الشرق الأوسط المحبب- خطة الدولة الإسرائيلية الواحدة، والتداعيات المحتملة (فلسطينيًا – عربيًا أمريكيًا وأوروبيًا). المزيد من الصور : صحيفة المدينة