عبدالله السويجي لم يكد الجدل بشأن قبول فلسطين، دولة غير عضو في الأممالمتحدة ينتهي، حتى انطلق جدال أصعب وربما أهم، بشأن إقامة كونفيدرالية بين دولة فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية، وذلك بعد تسريبات صحفية لاجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقياديين في حركة فتح في رام الله، حيث نقلت إحدى الصحف خبراً من رام الله يقول: "طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من عدد من القياديين في حركة فتح، الاستعداد جيداً لمرحلة وشيكة يمكن أن تنتقل فيها الدولة الفلسطينية الجديدة إلى مناقشة مشروع الكونفيدرالية مع الأردن ومع أطراف أخرى في المجتمع الدولي"، وقد تبدأ المفاوضات- إن لم تكن قد بدأت مع زيارة العاهل الأردني إلى رام الله مباشرة بعد إعلان فلسطين دولة غير عضو في الأممالمتحدة - بعد ستين يوماً من الإعلان، وفق ما تنص عليه لوائح الأممالمتحدة، ولقي الإعلان في وقتها مواقف متباينة بين مؤيدة ومعارضة، وكانت المعارضة الرئيسة من قبل فلسطينيي الشتات، أي من اللاجئين الذين شعروا بأن حقهم سيضيع مع الإعلان، كما أنه قد يضيع أيضاً مع إعلان الكونفيدرالية، إذا ما تمت، فضلاً عن المعارضة التي يلقاها مشروع الكونفيدرالية من شرائح في المجتمع الأردني . دولة فلسطين غير العضو في الأممالمتحدة، وقبلها حكومة السلطة الفلسطينية، ليس لها أي سيادة على أراضيها، بما فيها المعابر والاقتصاد والعملة والأمن وغيرها، وحتى نتحدث بشكل عملي، فإن الكيان الصهيوني يتحكم بمن يدخل أو لا يدخل أراضي السلطة الفلسطينية، ومثال بسيط على ذلك، فقد ذكرت صحيفة عراقية بتاريخ 2-12-2012: "أعلن نادي القوة الجوية العراقي أن فريقه الكروي لم يتمكن من دخول الأراضي الفلسطينية لعدم حصوله على التصاريح الخاصة من "إسرائيل" لخوض مباراة الإياب مع فريق الظاهرية الفلسطيني ضمن بطولة كأس الاتحاد العربي للأندية" . ومدن وقرى الضفة الغربية مشاع لجنود الاحتلال "الإسرائيلي"، فقد ذكرت وكالة (شفا) للأنباء، بتاريخ 10-12-2012: "اعتقلت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" 11 مواطناً في نابلس وجنين وبيت لحم خلال دهم عدة منازل وتفتيشها"، وذكرت صحيفة "فلسطين اليوم" بتاريخ 23-10-2012: "واصل جنود الاحتلال، اليوم الثلاثاء، استباحتهم للمسجد الأقصى المبارك ومرافقه بلباسهم العسكري والتقاط الصور التذكارية مع السياح الأجانب في باحاته" . واقتصاد دولة فلسطين مرتبط بالكيان الصهيوني، إذ أشار الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، إلى أنه "توجد حاجة إلى اقتصاد وطني لا يرتبط ب"إسرائيل" ولا يعتمد على المانحين، وإنما على ذاته . ."، ولعلنا نتذكر موقف الكيان الصهيوني من حصول دولة فلسطين على مقعد دولة غير عضو في الأممالمتحدة، حيث وصف نمر حماد، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني، ما أعلنته "إسرائيل" باستمرار حجز عائدات الضرائب عن السلطة الفلسطينية بأنه "جريمة حرب"، وأن العقلية "الإسرائيلية" "عقلية عصابات ومافيا"، وآن الأوان للمجتمع الدولي أن يبدأ فعلاً تنفيذ ما يتحدث عنه" . ويتكرر سؤال السيادة من قبل معظم المواطنين عندما تقتحم قوات الاحتلال المدن والقرى لاعتقال المواطنين ودهم منازلهم ومؤسساتهم في حين تلتزم قوات الأمن الفلسطينية مقراتها بعد أن تخلي أماكن وجودها على الشوارع الرئيسة، ومن على مفارق الطرق لتلك المدن بحجة إبلاغهم من قبل الارتباط الفلسطيني أن هناك نشاطاً أمنياً لقوات الاحتلال، ونقل عن اللواء عدنان الضميري الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية قوله: "إذا كان هناك أحد منا ينتظر أن نقوم بمعركة عسكرية أنا أقول لك لا، فهناك الكثير من الأمور التي تقوم بها القيادة الأمنية، وتنفذ من خلالها تعليمات القيادة السياسية لا أكثر ولا أقل . ." . لعل حديث الناطق الرسمي يفسر كل شيء، ومستوى السيادة التي تمارسها السلطة الوطنية الفلسطينية على أراضيها، التي تكاد تنعدم، وهذا في حد ذاته يعطي مبرراً لمعارضي خطوة التقدم إلى نيل صفة دولة غير عضو في الأممالمتحدة، حتى لو رد الطرف الآخر أن هذه الدولة بمقدورها تقديم بعض المسؤولين في الحكومة "الإسرائيلية" إلى محكمة الجنايات الدولية، لأنهم يعرفون أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك، ولهذا، أراد (الرئيس الفلسطيني) القيام بخطوة أو قفزة إلى الأمام بالدخول في كونفيدرالية مع الأردن وربما أطراف أخرى، وهذه الأطراف جعلت البعض يتساءل عما إذا كانت "إسرائيل" هي الطرف الثالث في الكونفيدرالية، حيث أشيع منذ سنوات عن هذه الفكرة، وهي فكرة في كل الأحوال مستهجنة جداً، لكنها غير مستبعدة، طالما أن السلطة اعترفت بوضوح بشرعية (دولة "إسرائيل")، وما عليها الآن سوى الاعتراف بيهوديتها حتى تكتمل أوراق اللعبة . أصحاب السياسة الواقعية، الذين يقولون إن "إسرائيل" أمر واقع، وهي دولة مدعومة ومتبناة من أقوى دولة في العالم، هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، يستندون إلى ضعف الواقع العربي وتشرذمه، والتخلي عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، واختيار المفاوضات لنيل الحقوق، وهؤلاء، كما يبدو، لم ينظروا إلى القضية نظرة شمولية، وإلى قرارات مجلس الأمن المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها، أي يعود كل لاجئ إلى بيته وأرضه وممتلكاته، وطالما أنهم واقعيون واختاروا أسلوب التفاوض، فليطالبوا بعودة اللاجئين أيضاً، قبل المناداة بالاعتراف بوجود "إسرائيل" . السياسة الفلسطينية ومن ورائها العربية تضع العربة أمام الحصان، وتقفز خطوات دبلوماسية ليس لها ما يعززها من واقع سيادي على الأرض، فما معنى دولة وهي لا تتمتع بأدنى معايير السيادة، ولا تقدم لمواطنيها خدمات (حرة)، أي من إنتاجها وإدارتها، كالكهرباء مثلاً، وهذا يعني أن حياة هذه السلطة والشعب بيد الكيان الصهيوني الذي يستطيع أن يغرق الضفة الغربية وقطاع غزة بالظلام بالضغط على زر صغير . لا بد من إعادة وضع الحصان أمام العربة حتى يتعزز المنطق، ولكن الخوف كل الخوف أن العدوان على غزة سيحمل آثاراً مشابهة لما حملته حرب أكتوبر ،1973 التي عبرت فيها القوات المصرية قناة السويس، لكن النتيجة أن السادات عبر إلى الكنيست "الإسرائيلي" وكانت النتيجة اتفاقيات سلام لا تزال مصر والعالم العربي يعانون نتائجها حتى اليوم، ونخشى أن تكون مباركة قادة حماس خطوة أبو مازن تصبّ في الاتجاه ذاته، خاصة مع إطلاق فتوى في غزة بتحريم خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته مصر بين قطاع غزة (حركة حماس)، والكيان الصهيوني، وعندها يكون الجميع قد دقوا مسماراً في نعش حق العودة، وهو أمر مرفوض من قبل ملايين الفلسطينيين .