الفاتيكان: ساهم البابا يوحنا بولس الثاني المعروف بشخصيته الجذابة وتمسكه الشديد بالعادات والتقاليد والذي جمع بين المحافظة والحداثة، في اسقاط الشيوعية، وشملت رحلاته القارات الخمس، وما زال عدد كبير من الناس يصفونه بأنه "المناضل في سبيل الله". وهذا البابا الذي تربع على كرسي بطرس سبعة وعشرين عاما، كان شخصية "ذات شأن كبير" على المسرح الدولي. فعبر مواقفه من كل المواضيع المطروحة حول حقوق الانسان واتصالاته ايضا بالشبان، جسد كارول فويتيلا الذي نشرت صور له اثناء التزلج او في مسبح، صورة القوة والحداثة والحيوية. ومعه تصدرت الكنيسة وسائل الاعلام، ومعه استعاد الكاثوليك ثقتهم بأنفسهم. وتشبه حياته فصول رواية. فقد حرم هذا البابا المولود في 18 ايار/مايو 1920 في فادوفيتش (جنوب بولندا)، والذي تيتم في التاسعة من عمره وتولى تربيته والده الضابط، من حضور الامومة في طفولته، وسيكرس حياته كاملة للعذراء مريم مثال الام والزوجة. وسيشغل الصليب مكانة مركزية في روحانيته. وخلال الاحتلال النازي الرهيب لبولندا، كان يشتغل في احد المصانع، ويعنى بالشبان ويكتب قصائد ومسرحيات، ووقع في الغرام ايضا. وفي الاول من تشرين الثاني/نوفمبر 1946، سيم كاهنا. وعندما انتخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية في 1978، كان اول بابا سلافي رئيس اساقفة كراكوفيا وفي الثامنة والخمسين من عمره. وسارع الى تشجيع الاتصال المباشر بالناس. ولم يخش هذا البابا المتعدد اللغات والفيلسوف اللقاء مع ممثلي الفكر والثقافة. وكان يجد الفاتيكان صغيرا جدا، فيخرج منه احيانا في المساء متنكرا. وقام برحلات كثيرة من الادغال الافريقية الى جبال الانديز، ومن مانهاتن الى الضواحي الفقيرة في ريو دو جانيرو، واعرب عن تضامنه مع المهمشين وعزز الشعور بعالمية الكنيسة. وقد بلغ تأثيره وجاذبية شخصيته البلدان الاسلامية. وكان يجيد التخاطب مع الجماهير متأثرا بعشقه للمسرح في صباه، وحرص على فضح الاوضاع الاجتماعية المجحفة وانتقاد المافيا. وقد اطلقت عليه وسائل الاعلام لقب "رحالة الانجيل" و"المناضل في سبيل الله". واسس الايام العالمية للشبيبة التي تجمع ملايين الشبان. واتسمت تلك الخطوة بأهمية بالغة في اعقاب السخط الذي تفشى بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. وفي 13 ايار/مايو 1981، اصابه المتطرف التركي محمد علي اقجا بجروح بالغة عندما اطلق عليه ثلاث رصاصات في ساحة القديس بطرس. وقد نجا بأعجوبة وعزا نجاته الى تدخل العذراء. وخرج من تلك المحنة بشعبية منقطعة النظير. وبدأ تراجع قواه الجسدية بعد فترة طويلة، في 1994 مع استحواذ مرض باركنسون على قواه. وتابع العالم اجمع وقائع نهايته حتى سكرات الموت والمعاناة في سياق آلام يسوع المسيح التي عاشها بشجاعة نادرة في 2005 واثارت مظاهر تقوى وتعبد غير مسبوقة. واقترنت حياته بالتغيرات التاريخية. فقد قاوم فويتيلا نظامين استبداديين هما النازية والستالينية، وساهم في انتصار حركة "تضامن" في بولندا وفي سقوط جدار برلين الذي شكل انهيار الشيوعية في القارة العجوز. وناضل ايضا ضد الرأسمالية المتوحشة وما نتجه عنها مثل مذهب المتعة والنسبوية. ولم تتكلل كل مساعي رجل السلام هذا بالنجاح. فلم ينجح في تصديه للتدخل الاميركي في العراق في 2003. ولم يستطع ان يمنع حصول مآسي في افريقيا مثل الابادة الرواندية. وقد اثارت الاحباط مسايرته احيانا للديكتاتوريين. وكان يوحنا بولس الثاني الذي يتعذر تصنيفه منفتحا على المشاكل الاقتصادية والحوار مع الاسلام واليهودية والاديان الاخرى غير المسيحية. وافتتح اللقاءات بين الاديان في اسيز. وعزز في المقابل الخط المحافظ للكنيسة حول العائلة والاخلاق والجنس. وتسببت له هذه العقيدة بكثير من العداوات ومنحته شعبية لدى البعض ايضا. الا ان ادانته لادوات منع الحمل والواقي في فترة الايدز حفر هوة من انعدام التفاهم. واخذ عليه ايضا دفاعه عن الكنيسة وضبابية رؤيتها وتساهلها حيال تجاوزات التحرش بالاطفال. ولم يبال يوحنا بولس الثاني بافتراءات اجهزة الاستخبارات الشيوعية، ورفض الاستماع الى الاتهامات الموجهة الى المكسيكي مارتيال ماسيال مؤسس "جنود المسيح" بالفساد والتعدي على الاطفال. وفي اميركا اللاتينية كانت نقطة الاحتكاك تحذيره الشديد اللهجة من "لاهوت التحرير" الذي لم ينظر بعين الرضى الى انحرافاته الماركسية. وقال احد اقرب مساعديه الكاردينال جيوفاني باتيستا ري "لا شك في انه كان رجل مبادىء، لكنه اتسم ايضا بالواقعية". واضاف انه كان يجد طاقته في الصلاة بما في ذلك في خضم رحلاته. كان يقول ان القرارات الكبيرة تؤخذ "ركوعا وليس وقوفا". وفي 1989، استقبل في الفاتيكان الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشيف بهذه الكلمات "استعددت لهذا اللقاء بالصلاة من اجلك". ايلاف