تكثف المملكة العربية السعودية حملتها على الأصوات المعارضة في الداخل، تجنبا للسقوط في خضم الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط، لكن هذه الحملة أثارت مخاوف من ضياع مساحة أكثر انفتاحا للنقاش العام ظهرت في السنوات الأخيرة. ووقع تحت طائلة سلسلة اعتقالات وقوانين جديدة إسلاميون سنة ومسلمون شيعة وإصلاحيون ليبراليون وملحدون ودعاة حقوق إنسان، فيما وصفه أحد النشطاء بأنه "حالة طوارئ غير معلنة". وكانت وسائل التواصل الاجتماعي وما يصفه المحللون بمساعي الملك عبد الله لتعزيز مناخ أكثر انفتاحا منذ بدايات القرن ال21 قد أتاحت للسعوديين مجالا أكبر من ذي قبل لانتقاد السلطات ومناقشة موضوعات كانت تعتبر من المحرمات. إلا أن المملكة اتخذت منذ تفجر انتفاضات الربيع العربي عام 2011 خطا أكثر صرامة بكثير في مواجهة أشكال كثيرة من المعارضة دفعها لاحتجاز إصلاحيين ليبراليين ومنتقدين إسلاميين بتهم منها التحريض والمساس بأمن الدولة. مخاطر محدقة بالنظام ولا تزال الأسرة الحاكمة تسيطر بقوة على مقاليد الأمور في البلاد، التي هي أكبر مصدر للنفط في العالم والتي تشهد من آن لآخر مظاهرات محدودة تطالب بالإفراج عن متشددين سنة أو نشطاء ليبراليين أو مظاهرات شيعية في المنطقة الشرقية. لكن محللين على صلة وثيقة بالنخبة في المملكة يقولون إن الحكومة تلمس خطرا لم تلمسه من قبل وترى أن الحرب الأهلية الدائرة بسورية والأزمة السياسية التي تمر بها مصر تشكلان خطرا في الداخل وتحديا للسياسة في الخارج. وفي مواجهة هذه المخاطر أقرت السعودية مجموعة من القوانين تحظر على المواطنين القتال في الخارج أو التبرع بالمال لأي فصيل في سورية أو إبداء التعاطف مع أي فكر متشدد. وصدر قانون جديد يعرف الإرهاب بأنه "كل فعل يقوم به الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر يقصد به الإخلال بالنظام العام أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المقاصد المذكورة أو التحريض عليها". وقال ناشط حقوقي طلب عدم نشر اسمه "ما حصل هو أن هناك انخفاضا واضحا في سقف الحريات وازدياد وتيرة القمع الأمني وتشريع كثير من القوانين التي يمكن بها تجريم كل الناشطين السياسيين أو المهتمين بالشأن العام مثل قوانين مكافحة الإرهاب والمراسيم الملكية الأخيرة". وتقول المملكة إنه لا يوجد لديها معتقلون سياسيون ولا تعذيب. ودافع مسؤولون كبار عن الرقابة المفروضة على النشطاء بداعي أن الأمر ضروري للحفاظ على استقرار المجتمع. وقال مسؤول بارز بوزارة الداخلية في مقابلة أجرتها رويترز في شباط/فبراير "لا نريد أشياء تؤثر على وحدتنا"، مشيرا إلى أن الوزارة ستولي اهتماما كبيرا بأي شيء يمكن أن يزعزع استقرار المجتمع أو وحدته. لا مجال للمعارضة تيسر القوانين الجديدة على الحكومة معاقبة كل من يعبر عن انتقاد أو معارضة. ليس في التجمعات العامة أو وسائل الإعلام التقليدية فقط، وإنما على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا. وهي تسعى بهذا فيما يبدو لدرء الاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة وتصاعد الجدل العام على تويتر ويوتيوب. والأحزاب السياسية محظورة في المملكة وكذلك الاحتجاجات كما أن النقابات العمالية غير قانونية والصحافة خاضعة لرقابة شديدة وانتقاد الأسرة الحاكمة يمكن أن يؤدي للسجن. من ناحية أخرى، أتاح التواصل الاجتماعي للسعوديين توسيع مساحة النقاش العام وفتح الطريق أمام انتقاد واسع للمسؤولين والسياسات على نحو لم يكن متصورا قبل 10 سنوات. وتطبق الحكومة الآن سلسلة من اللوائح تتطلب وجود تراخيص للمواقع الإخبارية على الإنترنت وتلوح بعقاب الأصوات المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال ناشط متحدثا إلى أقاربه إن ثلاثة شبان من أسر سعودية معروفة احتجزوا هذا الشهر لنشرهم أفلاما على الإنترنت تشكو من تدني مستوى المعيشة وتنتقد الأسرة الحاكمة. ووضعت لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك، السعودية بين أكبر عشر دول في العالم من حيث فرض الرقابة إلى جانب سورية وإريتريا وكوريا الشمالية. وتستهدف الحكومة في الأساس إسلاميين من الغالبية السنية وبخاصة من خلال مرسوم وصم جماعة الإخوان المسلمين بأنها تنظيم "إرهابي"، وأيضا من خلال خطوات تستهدف شخصيات معينة تعتبر مصدر خطر. وفي العام الماضي أدين الإعلامي السعودي وجدي الغزاوي صاحب قناة "الفجر" التلفزيونية، التي يقع مقرها بالقاهرة، بتهمة "تشويه سمعة المملكة" من خلال برامج من شأنها التأثير على الأمن العام. خطر ليبرالي لكن السلطات تستهدف أيضا من يبدو أنهم يحيدون عن المذهب الوهابي من خلال فرض أحكام قاسية على من ترى أنهم ينشرون عبارات تنطوي على تجديف على مواقع التواصل الاجتماعي. واستخدم مسؤولون حكوميون أيضا عبارات قوية لدى الحديث عن الليبراليين، كما فعل الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في تصريحات لصحيفة "الحياة" حين قال "هناك اتجاهات تغريبية ليبرالية واتجاهات حركية إسلامية وغير إسلامية تهدد البلاد". وفي تشرين الأول/أكتوبر احتجزت السلطات الصحافي طارق المبارك لأيام بعد أن نشر مقالا ينتقد فيه الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات وقيودا أخرى. وقال مسؤول سعودي بشكل غير رسمي إن المبارك تجاوز خطا حين حاول تنظيم معارضة. واحتجزت السلطات مجموعة من النشطاء بعد تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) التي نشرت مطالب بإرساء الملكية الدستورية واتهامات تنال من شخصيات بارزة. وصدر حكم بسجن محمد فهد القحطاني 10 سنوات وعبد الله حامد 11 عاما باتهامات منها تحريض المنظمات الدولية على المملكة وتقديم معلومات زائفة عن السعودية لمنظمات الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان. وقال أحد الأقارب إنهما مضربان عن الطعام الآن وهو ما نفته الحكومة. وقال الناشط الحقوقي الذي طلب عدم نشر اسمه "التضييق ليس علينا فقط. التضييق جرى على كل الناشطين السياسيين المطالبين بالإصلاح والمشاركة الشعبية في القرار السياسي". وأضاف "جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) -وهي الجهة الأكثر جرأة في المطالبة بالإصلاح السياسي في السعودية- نصف أعضائها معتقلون والنصف الآخر تجرى لهم محاكمات". حتى معرض الكتاب السنوي الذي يقام بالرياض لم يسلم من المضايقات وتدخل السلطات. فقد قال ناشرون إن السلطات أمرت بسحب أكثر من 400 كتاب من المعرض من بينها مؤلفات كتاب بارزين مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعرين العراقيين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي. المصدر: رويترز، موقع قناة الحرة الحضرمي اليوم الحضرمي اليوم