كل شعوب العالم تحتفظ في ذاكرتها بأحداث منها المفرحة ومنها مأساوية محزنة وشعب الجنوب ليس استثناء إن لم يكن أكثر شعوب العالم تحتفظ ذاكرته بأحداث جُلها مأساوية وحزينة أثرت على حياته وشوهت من تاريخه بل تعدت حدود التاريخ ومست الهوية والجغرافيا الجنوبية ، والحقيقة أننا لسنا بصدد الحديث عن جملة تلك الأحداث ولكننا نقف اليوم أمام حدثٍ شؤمٍ ، حدثاً زلزل حياة شعب الجنوب وأحدث شرخاً عميقاً في نفس الإنسان الجنوبي الذي سعى وذهب بكل أحاسيسه ووجدانه صادقاً مخلصاً إلى حلمٍ راود كثيراً الإرادة العربية إلاّ أن العقلية اليمنية المتسلطة لم تستوعب ذلك وذهب بها خيالها وشطحاتها وأطماعها إلى دنى حدود الجهل والسذاجة والعبث بالقيم والأخلاق والمبادئ فتجرأ رأس العصابة الباغية الحاكمة في صنعاء حينها وأعلن حربٍاً على الجنوب من ميدان السبعين في يوم السابع والعشرين من إبريل من العام 94م تحت شعار الوحدة أو الموت ذلك الإعلان للأسف الشديد تداعت له كل القوى اليمنية بمختلف شرائحها القبلية وطوائفها الدينية وجماعاتها المسماة جهادية ومكوناتها السياسية ونخبها الثقافية والأدبية ، تكالب دلل بما لا يدع مجالاً للشك على وحدة هدفهم تجاه الجنوب وشعبه ، والأدهى من ذلك كله إن الصبغة الدينية كانت العنوان الأبرز لتلك الحرب الظالمة ، والتي بقيت حتى اللحظة مقرونة بكل تصرفات جيش الاحتلال اليمني ، فصاحب الفتوى الشهيرة لم يزل ثابتاً عند مفهوم فتواه بل أردف آخرون وساروا على المفهوم نفسه فجعلوها حرباً مقدسة فالقوات التي اجتاحت عدن وحضرموت أسموها قوات الشرعية والمؤسسات المنهوبة العامة والخاصة كل منهوباتها غنائم وفيد حتى نحن البشر أصبحنا في العرف اليمني غنائم هذا ما نطقت به المعاملة طيلة العشرين العام الماضية من عمر المأساة التي يعيشها الجنوب وشعبه ، فالوحدة التي يتحدث عنها اليمنيون ويشاطرونهما الرأي فيها المجتمعان الإقليمي والدولي والتي فرضها الإخوة اليمنيون بقوة السلاح ماتت ولم يعد لها وجود في قلوب الجنوبيين ولم تعد ذاكرتهم تحتفظ إلاّ بسوادٍ قاتم حوّل نهارهم إلى ليلٍ وأفراحهم إلى أحزانٍ عمت أرض الجنوب من أقصاه إلى أقصاه نحن اليوم في ذكراه العشرين المشئومة ، والحقيقة أننا لا نذم الأيام والتواريخ حاشا وكلا ولكننا نذم الأشخاص والأحداث التي وقعت فيها ، ثم كيف أستطاع الجنوبيون تحويلها من ذكرى أحزان ومآسي إلى ذكرى نستلهم منها العبر والدروس ؟ نعم فالفطن من يتعلم ويتعظ من نكساته ومآسيه ويحوّل آلامه إلى آمال تفتح له أبواب الحياة الكريمة السعيدة وتعيد له كرامته وحريته فما أحوجنا اليوم نحن الجنوبيون أن نعود بذاكرتنا إلى ستينيات وتسعينيات القرن الماضي وما رافقهما من كوارث ومآسي لمت بالجنوب أرضاً وإنساناً باتت بوادر تكرارها تتربص بثورة شعب الجنوب وقضيته العادلة على أن أدوات جنوبية للأسف الشديد لم تتعظ بعد من تجارب الماضي ولم ترتقِ بمستوى إدراكها وفهمها لواقع حال شعب الجنوب لدا نجدها سالكة طريقاً مهلكاً سيصل بها حتماً إلى مزبلة التاريخ حيث لعنات الجنوبيين تلاحقها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وبالمناسبة يتراءى لي هنا موقف المعارضة الوطنية الكويتية الشجاع الذي جسد معنى ومفهوم الوطنية في أسمى صورها ، حين أراد أن يمنحها صدام الحكم في الكويت فتمنعت وأبت إلاّ أن تكون مع إرادة شعب الكويت ونأت بنفسها عن خيانة وطنها وشعبها وضربت مثالاً رائعاً في التضحية والإخلاص ونبذ الذات ولم تنساق للمكائد واغتنام الفرص أو أن تكون سنداً للمحتل ، أننا حين نسوق موقف المعارضة الكويتية لا نريد القول أن تلك الأدوات معارضة جنوبية ولكن الشئ بالشئ يذكر والتاريخ العربي ملئ بالوقائع والأحداث ، فهل من قراءة جادة ونظرة ثاقبة تعيد لأولئك رشدهم فيدركون ألاعيب وغدر المحتل ويحترمون إرادة شعب الجنوب؟. موقع قناة عدن لايف