محمد نجيم (الرباط) في روايتها «أن أكون» الصادرة حديثاً في العاصمة المغربية الرباط، تستحضر القاصة والروائية والكاتبة المغربية وفاء مليح شخصية المناضلة والمثقفة المغربية الرحالة سعيدة المنبهي، وتفتتح كذلك بها منجزها الروائي بنص شعري لها تقول فيه «في بيتنا، أتذكر، كُنّا نستنشق المستقبل الآتي، نحلم به، نناضل من أجله، قاوم، واصل المعركة، قاوم إلى الأبد، لأجل الفلاح والعامل، لأجل حب الوطن». وفي هذا العمل الروائي الذي صدر عن دار الأمان في العاصمة المغربية الرباط، ويقع في 263 صفحة من الحجم المتوسط، استطاعت وفاء مليح التوغّل في حياة سعيدة المنبهي والتماهي مع شخصيتها لتكتب سيرة روائية غيرية ولتعيد إلى الوجدان المغربي والعربي روح إنسانة عانت من كل أشكال المحن والآلام لأجل مستقبل أفضل. وحول اختيارها لشخصية الراحلة سعيدة المنبهي تقول وفاء مليح ل «الاتحاد»: «نعيش الآن سواء في مغربنا أو في عالمنا العربي مرحلة تاريخية خطيرة وصعبة، تشكل بدون شك منعطفاً مهماً في تاريخ الأمة العربية الحديث، مرحلة مشتعلة، تنبض بالأسئلة وعلامات الاستفهام، مرحلة نعيش معها استفزازاً دائماً، ما يدفعنا إلى التفكير بعمق فيما نعيشه من اضطرابات وفوضى. فلم يكن أمامي سوى الكتابة للتواصل مع محيط متحول ومتحرك لا يعرف الثبات. محيط يتّسم بالغموض والضبابية وعدم وضوح الرؤية، إلى أين نحن ماضون؟»، مضيفة «آثرت في عملي الأدبي الجديد العودة إلى الوراء وربط ما أجايله الآن من أحداث بما عاشه المغرب في فترة السبعينيات من حراك ساخن عبر توظيف سيرة سعيدة المنبهي التي كثيراً ما استهوتني كامرأة مغربية استثنائية في نضالها وعنفوانها، للكتابة عنها وتخليدها إبداعياً، فهي رمز وطني من بين رموز وطنية أخرى ينبغي الالتفات إليها واستثمارها في أدبنا المعاصر. قرأت كثيراً ما كتبته الصحافة عن شخصية سعيدة المنبهي، ووجدت في بعض ملامح شخصيتها ما يشبهني، عشقها للحياة، عنادها، إصرارها على المضي في نضالها، الموت في سبيل ما تؤمن به. سعيدة المنبهي امرأة سبقت زمنها، إذ في تلك الفترة التي عاشت فيها لم يكن للمرأة المغربية ذلك الحضور اللافت الذي تميزت به إلا استثناء». وتضيف وفاء مليح « المبدع المغربي والعربي عموماً يعيش الفترة الحالية من تاريخ الإنسانية بكثير من القلق والترقب وفتح باب الأسئلة الكبرى، ولن يجد سوى الإبداع للانخراط في السؤال الراهن المتعلق باضطراب الأوضاع في الوطن العربي وما نتج عنه من اضطراب أمني ونفسي، وهو ما حاولت أن أترجمه في السيرة الروائية الغيرية «أن أكون»، وأعتبر سيرة المناضلة سعيدة المنبهي بمثابة سيرة جيل بأكمله ناضل من أجل قيم مازلنا نناضل من أجلها وإن اختلفت الوسائل والأدوات». ومن أجواء الرواية نقرأ: «في لحظة فرح أصل حي رياض الزيتون. الحي الذي نقطن به. حي من الأحياء القديمة بمدينة مراكش. هنا ولدت وترعرعت وحلمت أحلاماً تلونها براءة عالمي الطفولي. نشأت بين دروب الحي. ألعب مع أطفال الجيران في مثل عمري. بين أزقتها تدرجت وتدحرجت. كل ركن في الحي يذكرني بشقاوة الطفولة. يسكنني دائماً ذلك الحنين إلى طفولتي. بفرحها ومرحها. حنين يغلف الأشياء بمسحة من جمال دافئ. في كل بيت من بيوت الحي ركضت ولعبت، كنت أدخل هذه البيوت وكأنني فرد من العائلة، لا أشعر بالخوف. أعبث في جنباتها. أجمع وأبعثر وأمزق ثم أخرج أغني برفقة صديقات الحي أغانينا المفضلة. نلعب ألعابنا غير عابئين بما يجري حولنا. في تلك اللحظات نملك العالم ويملكنا. نعم نشعر أنه ملك لنا وحدنا. لا أحد يجرؤ على تعكير صفو لحظتنا تلك. ننغمس في اللعب حتى يأتينا صوت والدي أو أخي عبد العزيز يطلب منا أن ندخل بيوتنا لمذاكرة دروسنا. أودع رفيقاتي وأعود إلى البيت لأعانق دفاتري. بنفس حرارة اللعب أنغمس في دروسي. أقوم بواجباتي المدرسية بحماس. يساعدني في ذلك أخي عبدالعزيز. والدتي تكتفي كما هو شأنها مع باقي إخوتي بمراقبة تغذيتي. تحكي لي حكاياتها التي أخذتها بدورها عن أمها وجدتها حين أفرغ من الدرس. أجد متعة وأنا أستمع لحكاية من تلك الحكايات التي تسردها ليلا. في الليل يجنح الخيال وأعيش مع أحداث الحكاية وكأنني بطلة الحكاية. في الغد بعد أوقات المدرسة، أقترح على الرفاق أن نمثل الحكاية. أسرد عليهم الأحداث. يوافقونني بحماس. أوزع الأدوار عليهم ونعيش تفاصيل الحكاية. هي زي طفولتي حكايات تزرع الأمل في قلوبنا وأحلام بريئة تؤثث أركان بيوتنا. ما أحلى مرحلة الطفولة والإحساس البريء بالعالم والأشياء. عصر اليوم القائظ، أصل البيت. أطرق الباب. تفتح الوالدة. أحضنها بشدة. تفهم أني نجحت. تطلق زغرودة في أجواء البيت. للفرح في بيتنا طعم خاص. جاء والدي إثر سماع الزغرودة، قبل رأسي. أختي الصغرى بهية كانت في المطبخ. أسرعت لتستطلع الخبر. ما إن سمع الجيران خبر النجاح حتى وفدوا على البيت يباركون ويهنئون». يشار إلى أن للكاتبة وفاء مليح أعمال قصصية وروائية منها: «اعترافات رجل وقح» و«عندما يبكي الرجال» و«أنا الأنثى، أنا المبدعة» و «بدون». الاتحاد الاماراتية