حمام دمّ يومي ودمار كبير في سورية، وثمن باهظ يدفعه الشعب السوري على مدار الساعة، فلماذا لا يواجه الغرب روسيا بسبب الأزمة السورية، كما فعل في أوكرانيا؟ سؤال أصبح يدقّ أبواب أذهان الجميع في الأسابيع الأخيرة بحثاً عن إجابة مقنعة وشافية. ويقول الصحافي البريطاني، كون كلوغن، إن عدداً كبيراً من النساء والأطفال في مناطق سورية يسقطون يومياً نتيجة القتال والقصف، وأن معلومات تتردد في وسائل الاعلام عن اتهامات جديدة للقوات الحكومية السورية باستخدام غاز الكلور في قصف مناطق تسيطر عليها المعارضة، وأنه إذا «كان بإمكاننا إضعاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب أوكرانيا، فلماذا لا نسدد له اللكمات في ما يتعلق بسورية؟». ولم تكتفِ موسكو بنفي الاتهامات بشأن استخدام غاز الكلور، بل اتهمت المعارضة باستخدام ذلك الغاز في هجمات لها. وذهب مسؤولون غربيون إلى أنه لطالما لجأت روسيا إلى الأكاذيب لحماية نظام الرئيس بشار الأسد، أبرز حلفائها في الشرق الأوسط، الذي عجز الغرب عن مواجهته بسبب الدعم الروسي. وتكرر الأمر مرة أخرى حين أعلن بوتين انه لا يعتزم التدخل عسكرياً في شبه جزيرة القرم، وانه ليس فيها جندي روسي واحد، ولكن سرعان ما تبين وجود عدد كبير من افراد القوات الروسية الخاصة. وحين تأكد بوتين من إمساكه جيداً بالخيوط الرئيسة للأزمة في سورية، انتقل إلى الأزمة في أوكرانيا، حيث توصل إلى انه ليس هناك ما يخشاه، فقرر أن يبدأ حملة عسكرية لضم مناطق من أوكرانيا إلى النفوذ الروسي، حيث بدأ بضم شبه جزيرة القرم، لكن الغرب أدرك فجأة أنه ليس مجرد «نمر من ورق»، وتصدى للتحرك الروسي، خصوصا عندما تعلق الأمر بضمان وحدة دول الاتحاد الأوروبي واستقلالها. ولدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مهارات لا تقل عن بوتين في الالتفاف على الأمور، وهذا ما حدث خلال لقائه في جنيف مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بشأن الأزمة الأوكرانية. ومنذ الأيام الأولى للأزمة في سورية وجهت روسيا رسالة حازمة وواضحة إلى الغرب خصوصاً، والعالم عموما بأنها لن تتخلى عن الأسد مهما كان الثمن، وأيا كانت الضغوط والإغراءات، ومهما بلغ عدد الضحايا من المدنيين يومياً. واشتدت الضغوط على موسكو حين تحدثت التقارير عن استخدام غاز السارين في هجمات على ضواحي دمشق في الصيف الماضي، لكن الكرملين لم يذعن لتلك الضغوط، ولم يستجب للغرب بالتخلي عن الأسد، وبدلا من ذلك عقد صفقة تقضي بأن يسلم نظام الأسد كل ما لديه من مخزون الأسلحة الكيماوية إلى الاممالمتحدة للتخلص منها، مقابل تخلي الدول الغربية عن تهديداتها الجدية في ذلك الحين بشن هجمات جوية على سورية. وفي واقع الامر، فإن الدول الغربية لم تكن في يوم من الايام جادة او مستعدة للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، سواء بسبب اوكرانيا أو سورية. وبعد ان تأكد بوتين من ضعف الموقف الغربي تجاه الأزمة السورية دفعه شعوره القوي بالثقة التامة إلى القول انه ليس هناك ما يخشاه لبدء حملته للحفاظ على أوكرانيا تحت مظلة النفوذ الروسي، مستنداً إلى فكرة راسخة في ذهنه، هي انه ليس هناك مسؤول او سياسي غربي واحد يرغب في إشعال حرب عالمية ثالثة، بسبب أوكرانيا، ولكن هناك العديد من الوسائل، غير القوة او المواجهة العسكرية، التي يمكن للغرب من خلالها ان يعيد الدب الروسي إلى قفصه، مثل العقوبات وغيرها من الإجراءات والخطوات التي تندرج ضمن ما يسمى «القوة الناعمة»، التي بدأت تعطي تأثيرها في الاقتصاد الروسي، إذ سحب مستثمرون اجانب نحو 37.9 مليار يورو من الاسواق الروسية، وهذه العقوبات الاقتصادية آتت ثمارها وهزت الاقتصاد الروسي، ما دفع بوتين إلى العدول عن تهديده بشن هجوم شامل على شرق أوكرانيا، ودفع كثيرين إلى التساؤل: اذا كان الغرب قادراً على إجبار موسكو على رفع يدها عن أوكرانيا، فلماذا لا يمكن عمل الأمر ذاته معها بشأن سورية؟ وقد يتساءل البعض ايهما اكثر اهمية ولها اولوية استراتيجية لروسيا بوتين: سورية أم أوكرانيا؟ الامارات اليوم