على حدود الأربعين من العمر بعضهم وصل إليها وآخرون اقتربوا منها، ورغم قدرتهم على العطاء على الأقل لموسم جديد إلا أنهم اختاروا الرحيل وأعلنوا الاعتزال بعد سنوات من الوفاء للفريق ذاته، وحتى من غادر منهم عاد لينهي مسيرته في أحضان الفريق الذي انطلق منه. كان أسبوعاً مؤثراً، امتزجت فيه كل المشاعر، الإحساس بروعة هؤلاء المودعين، دموع الجماهير والنجوم، كلمات ومواقف شكلت وصفاً فعلياً لما وصل إليه أساطير في كرة القدم، ادمنوا الإبداع والدفاع باستماتة عن ألوان أنديتهم تحولوا إلى رموز ليس من السهل أن تتكرر وبالطبع لا يمكن أن تنسى. من داخل الملعب أعلن أربعة منهم عن نهاية المشوار بينما حرمت الإصابة قلب الأسد كارلوس بويول من منح عشب كامب نو آخر قطرات الدفاع عن ألوان النادي الكاتالوني. ودع سان سيرو أحد أكثر الأسماء وفاء في عالم كرة القدم، خافيير زانيتي، وبكى أولدترافورد وهو يرى اللحظات الأخيرة للأسطورة راين غيغز، وفي الأرجنتين انتهت الرحلة لخوان سبيستيان فيرون مع استوديانتس وودع غابريال هاينزه جماهير نيويلز أولد بويز بعد أن اختار أن ينهي مشواره مع الفريق الذي انطلق منه. أسبوع العمالقة اختار العمالقة أن يرحلوا في الأسبوع ذاته وهم يعلنون نهاية مشوار حافل، وكم كان المشهد رائعاً في سان سيرو الملعب المشترك لانتر ميلانو وجاره في المدينة أي سي ميلان عندما دخل خافيير زانيتي للمشاركة الأخيرة على الملعب أمام لاتسيو، كانت الدموع هي الرابط المشترك بين جميع من حضروا اللقاء وحتى جماهير أنتر التي تابعت المباراة عبر التلفاز بل جماهير الدوري الإيطالي في كل مكان، فلم يكن زانيتي نموذجاً للاعبي الأنتر فقط بل فخراً للدوري الإيطالي الذي أمضى فيه جميع سنوات احترافه الأوروبية بداية من عام 1995 في رحلة امتدت 19 عاماً بالقميص ذاته. غير زانيتي مفاهيم كثيرة، بل حتى إدارة النادي كانت تنظر إليه على أنه المثل الأعلى في الانتماء إلى "الأزرق والأسود" وعبر رئيس ومالك أنتر ميلانو السابق ماسيمو موراتي عن "أكثر اللاعبين وفاء " بكلمات تصف بالفعل المكانة التي وصل إليها لاعب الوسط المدافع الذي انطلقت مسيرته من الطرف الأيمن،.. وقال موراتي : منذ اللحظة الأولى لقدومه منحنا الفخر والاعتزاز، لقد جعلنا نشعر بالفخر للانتماء لهذا النادي، كان هو أول صفقة انجزتها بعد رئاستي وأفخر بأنها أفضل صفقة قام بها الأنتر في تاريخه .. زانيتي نموذج حي للاحترام والقتال من أجل الشعار والوفاء لنادي أحبه ورفض أن يغادره في أحلك الظروف بل وكان يصر على الاخرين البقاء، رفض جميع الأندية الكبرى في أوروبا وإيطاليا، أصر على البقاء بيننا وأعاد الأنتر مرة أخرى إلى الألقاب، كان بالفعل عاملا حاسماً في المسيرة الحديثة لهذا النادي واعتقد انه سيبقى في قلوبنا أبد الدهر. إلى الأبد ولعل الشعار الذي رفعه جمهور أنتر كان التعبير الحقيقي عن مكانة خافيير في قلوب عشاق الفريق، اختاروا الرقم الذي لعب به ليكتبوا شعار " زانيتي إلى الأبد " أو زانيتي 4 ever"، ويكفي أي لاعب مكانة عند جماهير ناديه أنها لم يحدث طوال 19 عاماً أن قامت بمهاجمته أو انتقاد مستواه، على الرغم من لحظات صعبة مر بها الأنتر في مسيرته إلا أن الجماهير كانت تصرخ في الآخرين وتهتف لزانيتي. ويبقى " خافيير" حالة خاصة جداً في عالم كرة القدم الإيطالية بل والأوروبية وهو يمضي مسيرته كلها في النادي ذاته، ماضياً على الدرب ذاته الذي مشى فيه أحد أميز لاعبي الوسط المهاجمين، الأسطورة الويلزية راين غيغز الذي لم يعرف غير شعار "الشياطين الحمر" في مسيرته على المستوى الأول للأندية. فقبل ربع قرن من الزمان تقريبا انضم الويلزي غيغز إلى مانشستر يونايتد ومنذ ذلك اليوم لم يعرف نادياً آخر. مكانة خاصة وتبقى مكانة غيغز خاصة جداً في الكرة الإنجليزية فهو اللاعب الأكثر تتويجاً بالألقاب، حيث وصل إلى 35 لقباً منها 13 لقباً في الدوري الإنجليزي، ولم يفلت منها أي لقب على مستوى الأندية بعد ان حصل على كاس إنجلترا، وكأس الرابطة والدرع الخيري وأبطال أوروبا وسوبر القارة العجوز وبطولة العالم للأندية. ويكفي للتدليل على ما وصل إليه كلمات السير اليكس فيرغسون وهو يقول عنه : لا اعتبر نفسي قدمت الكثير ليونايتد مقارنة "براين" فليس من السهل أن تعطي في الملعب لربع قرن بالمستوى ذاته، انه أكثر من يعرف الفريق، تاريخه وتفكيره كيف يمكن أن يتطور ويعرف نوعية اللاعبين الذين ينبغي ضمهم، هو أحد أميز الأسماء في تاريخ النادي ومجرد أن أكون معه في قائمة المميز لدى جماهير "الشياطين الحمر" هو فخر لي. سير فيرغسون الرجل الذي حول يونايتد إلى القوة الكبرى في إنجلترا ومنح الفريق كل بطولة ممكنة واكتشف أروع النجوم يعتبر أن مقارنته بغيغز هي فخر له. إلى هذه المكانة الكروية وصل أسطورة الشياطين الحمر، ولكنه فضل احترام بلاده الأم على أن يحقق مجداً شخصياً باللعب في المونديال. كارلوس بويول.. الغجري العبقري يبقى كارلوس بويول الذي تعشق جماهير برشلونة تسميته بقلب الأسد أكثر من حمل شعار القيادة للنادي على التوالي وهو يتشرف بوضع علامة "الكابتنية" على كتفه منذ 2004 أي بعد خمس سنوات فقط من تصعيده إلى الفريق الأول للبارسا، مستمراً في المهمة لأكثر من 600 مباراة حصل خلالها على 21 بطولة كبرى من بينها ستة ألقاب في الدوري وثلاثة ألقاب لأبطال أوروبا. إصابة بويول الذي عانى من الإصابة وضع حداً لمشواره مع الفريق الكاتالوني بعد سنوات من العطاء تميز فيها بالفدائية والجسارة، والصمود في اللحظات الصعبة ومقاومة الكثير من العروض مع احتفاظه "بشعر غجري" ميزه على مدار سنوات العطاء، بل صار من الأوصاف المرتبطة به عندما أطلقت عليه الصحافة لقب "الغجري العبقري" في دلالة على قدراته غير المقارنة في قراءة الملعب. وارتبط بويول "بشعره" في رد فعل على أول مدرب تعامل معه في برشلونة، فعندما تم تصعيده من فريق الشباب إلى الفريق الأول وبعد الحصة التدريبية الأولى استدعاه لويس فان غال مدرب البارسا حينها وسألهم " ما هي مشكلتك حتى تأتي إلى برشلونة بهذا المظهر .. هل لا تملك المال من أجل قص شعرك " فأجاب بويول " كلا" كاشفاً: من يومها قررت أن احتفظ بشعري بهذه الطريقة لا أعرف لماذا ولكن وجدت من الأنسب أن ابقى كما أنا. انضباط تميز قلب الأسد بانضباطه داخل الملعب وخارجه فهو لم يدخل إلى ملهى ليلي لأكثر من عشر سنوات وكان يرفه عن نفسه برفقة الأصدقاء في المطاعم، ليمضي في مسيرة مثالية على المستطيل الآخر وفي دروب الحياة الأخرى. نخبة ودع بويول برشلونة بحضور نخبة المنتمين للفريق الكاتلوني من نجوم حاليين ورؤساء سابقين في لحظات عبّرت عن مدى المكانة التي وصل إليها أحد أفضل المدافعين ليس في تاريخ النادي الكاتالوني بل إسبانيا كلها وحتماً لديه مكانة بين الأميز من عمالقة الدفاعات في عالم كرة القدم. ذكريات خالدة وتبقى ذكريات قلب الأسد خالدة في النادي الإسباني الذي تطور في مراحله كلها منذ الناشئين مروراً بفريق الشباب حتى الفريق الأول وحصد معه الألقاب كافة، كما كان نقطة جوهرية في حصول بلاده إسبانيا على لقبها الأول في مونديال 2010. تصد فعندما استعصى الأمر على المهاجمين في لقاء ألمانيا في نصف النهائي تصدى بويول لمهمة محرزاً الهدف الوحيد في اللقاء بضربة رأسية قوية نقلت الماتادور إلى النهائي. دفاع وعلى الرغم من أنه قلب دفاع إلا أنه تمكن من الوصول إلى شباك المنافسين في 15 مناسبة منها 12 مرة مع برشلونة وثلاث مرات مع منتخب إسبانيا من بينها هدف هو الأهم في نصف نهائي مونديال 2010. فيرون عاد «طالباً» وهاينزه «ولداً عجوزاً» اختار فيرون أن يعود «طالباً» في نهاية مشواره مع كرة القدم بينما فضل هاينزه العودة إلى أحضان الأولاد الكبار ليعلن بينهم اعتزاله لكرة القدم. وعلى الرغم من تنقله بين تسعة أندية، إلا أن خوان سبستيان فيرون فضل أن ينهي مسيرته في النادي الذي انطلق منه، استوديانتس. كان نقطة البداية وبات محطة النهاية لفيرون، من فريق الطلبة عرف البداية الأولى واختار ان يكون "طالباً نجيباً" في النهاية عائدا إلى الفريق الذي ساهم في صعوده إلى الدرجة الأرجنتينية الأعلى في أول موسم له مع " طلبة التانغو" قبل ان يتحول إلى بوكا ومنه إلى بارما ٍمطلقاً رحلة الاحتراف في أوروبا التي أوصلته إلى الملعب الذي شهد أحد أروع أهداف والده خوان ريمون عندما وصل إلى شباك يونايتد بقميص استوديانتس في كأس العالم للأندية 1968. وعلق فيرون على انتقاله إلى يونايتد قائلا: تمنيت اللعب مع شيفلد يونايتد الذي لعب له عمي بيدور ولكنني وجدت نفسي في أعظم فريق إنجليزي، ضاحكاً: أعتقد ان كرة القدم تبقى مثيرة حتى وهي تحرمك من امنياتك. ولعل الدرس الذي قدمه فيرون وهو يعود إلى أحضان استوديانتس كلما احتاجه الفريق يبقى من الحالات النادرة في عالم كرة القدم التي يكتفي الكثير من نجومها بالأمنيات لأنديتهم السابقة عندما تكون في وضعية حرجة، إلا أن مايسترو خط الوسط ترك أوروبا وهو في قمة المجد وعاد إلى ناديه الذي كان يمر بفترة حرجة وساعد في انقاذه بل قاده إلى لقب أميركا اللاتينية. الولد الكبير آخر الأوفياء الذي أعلن اعتزاله الأسبوع الماضي غابريال ايفان هاينزه، المدافع الذي لعب لعمالقة أوروبا، فقد تنقل هاينزه بين مرسيليا ومانشستر يونايتد وريال مدريدوروما وباريس سان جيرمان، قبل ان يقرر العودة إلى فريقه الأول نيويلز أولد بويز أو " أولاد نيويلز الكبار" وهو يحمل في حقائبه ألقاب الدوري الإنجليزي والإسباني والفرنسي، ساعياً مع النادي الارجنتيني الذي انطلق منه إلى احراز لقب بلاده ونجح في الفوز معه بالبطولة الختامية للموسم الأرجنتيني الذي يلعب بنظام المنافستين. 15 صعد الأرجنتيني خافيير زانيتي إلى منصة التتويج 15 مرة جميعها مع انتر ميلانو الإيطالي الذي اعتزل بين صفوفه، حيث تمكن من التتويج بلقب الدوري الإيطالي في خمس مناسبات، بينما حصل على لقب كأس إيطاليا أربع مرات ومثلها في كأس السوبر، ونجح قائد انتر السابق في قيادة فريقه إلى لقب الأندية الأوروبية أبطال الدوري مرة واحدة وفي السنة نفسها تمكن من الفوز معه بلقب بطولة العالم للأندية. 30 يُعتبر الوليزي راين غيغز من أفضل اللاعبين في العالم من ناحية متوسط المشاركة في الموسم الواحد، فبعد مسيرة احترافية استمرت قرابة ربع قرن لعب غيغز 745 مباراة، منها 73 بشعار المنتخب الوليزي و672 مشاركة بألوان الشياطين الحمر، ليصل إلى متوسط 30 مباراة في العام وهو أحد أعلى الأرقام في هذا النوع من الإحصاء خاصة للاعبين تجاوزوا الثلاثين من عمرهم، بينما استمر الويلزي في العطاء حتى وصل إلى الأربعين من العمر. 69 يدين خوان سبستيان فيرون بالفضل إلى السويدي سفن غوران أريكسون الذي منحه حرية أكبر للتحرك في وسط الملعب حتى بات من أصحاب العلاقة الجيدة مع شباك المنافسين، فخلال مسيرته التي عرف فيها اللعب بشعار تسعة أندية تمكن من إحراز 69 هدفاً، لكنه وصل إلى قمة مستواه التهديفي مع فريقه الإيطالي الثاني لاتسيو تحت قيادة أريكسون وحقق معه لقب الدوري، حيث تمكن من احراز 11 هدفاً بشعار الفريق السماوي للعاصمة الإيطالية روما. البيان الاماراتية