تقترب منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) من عام الحسم، حيث تنتظرها عدة ملفات تشكل بدرجة كبيرة مستقبل المنطقة التي تضم 17 من الدول ال 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي تأسست منذ 13 عاماً . في اللحظة الراهنة يبدو أن هناك حالة من الهدوء الهش تحيط بالمنطقة في ظل أزمة الديون السيادية التي تعانيها والجهود المستمرة من أجل احتوائها . يأتي هذا في أعقاب إعلان البنك المركزي الأوروبي عن مجموعة من الإجراءات العاجلة التي تهدف إلى تعزيز الثقة في العملة الأوروبية الموحدة في ظل مؤشرات على أن زعماء المنطقة من الساسة في طريقهم لمواجهة أزمة الديون التي طال أمدها . يتحدث كثيرون من المحللين عن الأمل في عودة اقتصاد منطقة اليورو إلى النمو مجدداً أواخر 2013 بعد فترة انكماش طويلة وسلسلة إصلاحات صارمة . يقول كارستن بريزيسكي المحلل الاقتصادي في "آي .إن .جي بنك": "نعم هناك ضوء في نهاية النفق ولكن مازال الطريق طويلاً للخروج من الظلمة" . بالطبع هناك مؤشرات على أن اقتصاد منطقة اليورو يمكن أن يواجه ركودا أشد خلال العام المقبل في الوقت الذي تتجدد فيه مخاطر استمرار ضغوط الأسواق على بعض الدول الأعضاء بالمنطقة . وإضافة إلى إسبانيا وإيطاليا اللتين تعانيان بالفعل صعوبات مالية ضخمة هناك مخاوف بشأن مستقبل فرنسا بعدما أعلنت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني الشهر الماضي خفض تصنيف سندات الحكومة الفرنسية بمقدار درجة واحدة، من "إيه .إيه .إيه" إلى "إيه .إيه1"، بنظرة مستقبلية سلبية . وقالت "موديز" في بيان إن "الدافع الأول" لخفض تصنيف السندات الفرنسية هو الخطر الذي يهدد النمو الاقتصادي والأوضاع المالية للحكومة جراء المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها البلاد . وأضافت وكالة التصنيف الائتماني: "تشمل هذه (المشكلات) حالة الجمود التي أصابت سوقي العمل والخدمات ومستويات الابتكار المنخفضة، مما يسهم في استمرار الفقدان التدريجي والمتواصل للقدرة على التنافس، والتآكل التدريجي للقاعدة الصناعية الموجهة للتصدير" . كما خفضت "موديز" التصنيف الائتماني لآلية إنقاذ منطقة اليورو من أعلى تصنيف ائتماني، وهو "إيه .إيه .إيه" إلى "إيه .إيه1" . وأوضحت المؤسسة أنها أبقت على نظرتها المستقبلية السلبية لكل من آلية الاستقرار المالي الأوروبي "إي إس إم"، المنشأة حديثاً وهي الصندوق الدائم لإنقاذ منطقة اليورو، ومرفق الاستقرار المالي الأوروبي المؤقت "إي إف إس إف" . ولما كانت فرنسا صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، إلى جانب دورها المحوري فيها، فإن دخولها دائرة الدول المتعثرة مالياً يمكن أن يجدد تراجع تدهور ثقة المستثمرين في اليورو . ورغم ذلك ومع اقتراب العام من نهايته، يسود مزاج إيجابي نسبياً في أسواق المال الأوروبية، ظهر بعد فترة طويلة من التقلب بسبب المخاوف من انهيار منطقة اليورو بسبب أزمة الديون الممتدة منذ سنوات . ومن الخطوات المهمة التي أعادت قدراً من الثقة إلى الأسواق قرار البنك المركزي الأوروبي في أغسطس/آب الماضي إطلاق برنامج لشراء سندات الدول المتعثرة مالياً في منطقة اليورو من دون حد أقصى للمساهمة في خفض سعر الفائدة عليها، وكذلك موافقة وزراء مالية اليورو الأسبوع الماضي على خفض ديون اليونان وتقديم دفعة جديدة من قروض الإنقاذ لها . ورغم ذلك، يمكن أن تجدد المخاوف من اشتداد حدة الركود الاقتصادي في منطقة اليورو خلال الاشهر القليلة المقبلة الضغوط على الدول الأوروبية المدينة في الوقت الذي تحاول فيه ضبط أوضاعها المالية رغم ضعف أداء اقتصادها . وعلاوة على ذلك يتوقف أي تحسن في الاقتصاد العالمي على كيفية حل أزمة ما يعرف باسم "حافة الهاوية المالية" في الولاياتالمتحدة، حيث تواجه البلاد احتمال تطبيق حزمة إجراءات تقشفية بقيمة 600 مليار دولار بصورة تلقائية مع بداية العام الجديد إذا لم يتوصل الرئيس باراك أوباما والكونغرس إلى اتفاق على خطة بديلة . ويحذر الخبراء من أن دخول هذه الإجراءات حيز التطبيق يمكن أن يبدد التعافي الهش الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم . في الوقت نفسه فإن تباطؤ النمو الاقتصادي يمكن أن يزيد شعور دول منطقة اليورو الكبرى بعبء حزم إنقاذ الدول المتعثرة ماليا، في ظل تزايد غضب الناخبين من تكاليف إجراءات التقشف لديها . ويفرض هذا مزيداً من الصعوبات أمام قادة الاتحاد الأوروبي عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات حاسمة العام المقبل مثل إقرار نظام الرقابة المصرفية المشتركة لمنطقة اليورو ومساعدة الدول المتعثرة على الخروج من أزمتها . ومرة أخرى يصبح مصير منطقة اليورو في يد الناخبين، حيث تشهد دول رئيسة مثل ألمانيا انتخابات عامة خلال العام المقبل . ومن المتوقع أن تشكّل قضايا منطقة اليورو عنصراً أساسياً من المعركة الانتخابية في هذه الدول . (د .ب .أ)