ترجمة خاصة لصحيفة عدن الغد حاورتها: آن ليندا اميرا - ترجمة : شيماء باسيد هدى العطاس مواليد 1973م، ناشطة في حقوق المرأة، سياسية وأديبة لها مؤلفات قصصية وهي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عدن.. عدن ((المدينة)) التي كانت عاصمة ((جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)) في الفترة الممتدة من العام 1970 حتى العام 1990م تحت حكم الحزب الاشتراكي اليمني. تعد ((العطاس)) اليوم إحدى أبرز الوجوه في الحركة السلمية المطالبة باستقلال جنوباليمن عن شماله تحت مسمى ((القضية الجنوبية))، التي تشير إلى حركة المقاومة ضد تهميش الجنوبيين بعد الوحدة في العام 1990م. ازدادت حدة تهميش المجتمع الجنوبي خصوصا بعد الحرب الأهلية التي اندلعت بين الشطرين في صيف عام 1994م. تلك الحرب التي لم تنته بهزيمة الجيش على الأرض وحسب بل قضت على روح المجتمع المدني في الجنوب بعد إغلاق مصانعه وتدمير مؤسساته الحيوية وطرد العديد من الجنوبيين من الخدمة المدنية والعسكرية. ((هدى العطاس)) سليلة أسرة جنوبية عريقة في حضرموت لكنها استقرت منذ الثمانينيات في عدن. زارتها الصحفية الأمريكية آن ليندا في مدينة عدن وأجرت معها الحوار الآتي: - كيف كانت الحياة تبدو في (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)؟ لقد عشت حوالي ربع حياتي في الجنوب قبل الوحدة في ظل ظروف معيشية مختلفة جدا عما هي عليه اليوم . لقد عشنا حياة طبيعية كغيرنا من البشر في العالم . أذكر انه في المدارس كانت هناك أنشطة ((الجمباز)) ومختلف أنواع الرياضة ، وأذكر أنني كنت أكثر مهارة من الأولاد في صفي في ((تنس الطاولة)). كان التعليم في المدارس مختلطا , اعتادت الفتيات أن يجلسن على مقاعد الدراسة بمحاذاة الأولاد في كافة المراحل الدراسية دون أي مفاهيم أو ثقافة ( العيب والمحرمات) . أذكر زيارتنا الأسبوعية المدرسية ((للسينما)) لمشاهدة الأفلام المعروضة حينها. كان المواطنون يعولون كثيرا على دولة أولت جل اهتمامها بالتعليم وتدريب المهارات في مجتمع يحكمه القانون , تتساوى فيه الحقوق وتسوده روح المواطنة . بالتأكيد شهدت تلك الفترة سلبيات كثيرة كالحد من حرية الرأي والتعبير والحرية الاقتصادية. سادت المرحلة تلك عدد من المخاطر التي هددت الحقبة الإشتراكية لكن رغم كل ذلك عاش المواطنون حياة مستقرة يسودها الأمن في ظل نظام طبق القانون على الجميع وضمن حقوق مواطنة متساوية لكل الأفراد . قبل الوحدة :أذكر انه في المدارس كانت هناك أنشطة ((الجمباز)) ومختلف أنواع الرياضة , - ما الذي تغير بعد الوحدة؟ في البداية جاء ((المتشددون)) من الشمال قبل أن يغيروا أي شيء في الإقتصاد أو الجيش. قام النظام الشمالي بإلغاء (( قانون الأسرة))رغم تفوقه مدنيا , أجهزوا على وزارة التربية والتعليم , قضوا على ( التعليم المختلط) ومنعوا حصص الموسيقى والرياضة . كان سؤالهم الأول يدور حول كيفية ( تغيير) الثقافة والعقلية المنفتحة للناس في الجنوب والتي لم يقف ورآها الحزب الإشتراكي وحسب بل كانت خلاصة إرث ممتد منذ حوالي (129) عاما منذ حكم الإستعمار البريطاني للجنوب . اعتقد أن الهجوم الثقافي على الجنوب تفاقم خصوصا بعد حرب 1994م عندما رأينا ولأول مرة رجال وافدون بلحى (كثيفة) ونساء يغطين وجوههن كاملة ( بالنقاب), في ذلك العام أيضا رأينا لأول مرة متشردون في شوارع عدن جراء تلك الحرب الظالمة. - ما هي أهم الأسباب التي تقف وراء (القضية الجنوبية)؟ بدأت المشكلة في أن الوحدة اليمنية كانت خطأ فادحا , منذ يومها الأول لم تكن مبنية على أسس ونوايا صادقة ووطنية . حكم الشمال الجنوب بالقوة وفهم الجنوبيون ساعتها أن هذه الوحدة أكبر خطأ عاشوه. بدأت تلك المرحلة بإشارات خطيرة تنذر بالفشل بدأ بإغتيال الكوادر الحزبية الجنوبية، تقهقر سلطة القانون وتمييعها , فرض العقلية والثقافة الشمالية بالقوة وبإندلاع حرب صيف 94م تعززت كل تلك الأسباب وترسخت ممارستها بعد ذلك لأعوام طويلة . كنت أكثر مهارة من الأولاد في صفي في ((تنس الطاولة)). - يعتقد الناس أن القضية الجنوبية يمكن أن تُحل بحل مشكلة (البطالة) بإعطاء الناس المسرحين فرص عمل جديدة. ما رأيك؟ كان على ذلك أن يحدث مباشرة بعد قيام الوحدة خصوصا خلال الأربع سنوات قبل اندلاع الحرب . لكن نظام صنعاء لم يقوم بأي حلول من البداية لمنع تفاقم الوضع بل استمر لأكثر من عشرين عام بتدمير الجنوب وترسيخ شعور المواطنين بأنهم (محتلون) وليسوا في شراكة دولة. من الجلي والواضح جدا أن نظام صنعاء غير قابل للتغيير بثلاثية تركيبته وخلفيته العقلية ( القبلية- الدينية والعسكرية) هذه الثلاثية التي مازال النظام متمسكا بها حتى بعد اندلاع ثورة التغيير في أوائل العام 2011م . المشكلة اليوم ليست في الوحدة مع الشمال بل بالسلطة المركزية في صنعاء التي لايمكن أن تبني دولة مدنية لا الآن ولا حتى بعد مائة عام . - هل من الممكن أن يتحول (الحراك) إلى حزب سياسي؟ يعد الحراك اليوم ((العنصر الثوري)) ووجه ثورة الجنوب العربي نحو التحرر والاستقلال ولهذا السبب لا يمكن أن يتحول الى حزب سياسي على الأقل حاليا . فهو حركة تحرر ثورية شعبية ربما من المحتمل أن يتحقق ذلك بعد تحقيق مطالبه وبناء الدولة المستقلة أما اليوم فلدينا هدف واحد فقط هو : تأسيس الدولة الجنوبية. كان التعليم في المدارس مختلطا , اعتادت الفتيات أن يجلسن على مقاعد الدراسة بمحاذاة الأولاد في كافة المراحل الدراسية دون أي مفاهيم أو ثقافة ( العيب والمحرمات) . - يبدو الحراك اليوم منقسما لفريقين: الأول ينشد الاستقلال الفوري والآخر يقبل بفدرالية من دولتين (شمال وجنوب) كيف تقرأين ذلك؟ ثورة شعب الجنوب في كل تظاهراتها ومسيراتها ومليونياتها تنشد هدف واحد وهو ((التحرير والاستقلال)) وبناء دولة على الأرض كاملة السيادة. مجلس الحراك السلمي وكل المجموعات الأخرى في الثورة الجنوبية لديها نفس الهدف. لم تخرج أي ( مليونية) أو أي تظاهرة من أجل الفيدرالية. - في تقييمك كم تبلغ نسبة الجنوبيين حاليا الذين يدعمون التحرير والاستقلال؟ 90 %. - ما هو موقع (الشباب الجنوبي) في الحراك؟ يعد الشباب ((أساس)) ثورة الجنوب العربي ولدينا شباب يمكنهم أن يكونوا قادة بارعين ولديهم رؤى سياسية خاصة. بعد الوحدة : البداية جاء (( المتشددون)) من الشمال قبل أن يغيروا أي شيء في الإقتصاد أو الجيش قام النظام الشمالي بإلغاء (( قانون الأسرة))رغم تفوقه مدنيا , - غالبا ما تُرفع في مسيرات (الحراك) صور السيد (علي سالم البيض) آخر رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ونائب رئيس دولة الوحدة حتى العام 1994م . كم تبلغ شعبية الرجل وتأثيره على الشارع الجنوبي؟ الناس في الجنوب ليسوا ( علي سالم البيض) فقد انطلقت ثورتهم في العام 2007م أي قبل عامين من انضمام السيد ((البيض)) لها. ويحمل الناس صوره في مظاهراتهم لأنه يشاركهم رؤيتهم في التحرير والاستقلال ويعد حاليا السياسي الجنوبي الأبرز الذي يدعم خيار الأغلبية في الجنوب. أرى أن الجنوب في حاجة لقادة جدد ونحن حاليا نحضر لمؤتمر جنوبي يضم كل الفئات والمكونات ليس فقط الثورية بل حتى قادة القبائل, رجال الأعمال, أكاديميون, نساء وشباب, يهدف المؤتمر الى خطوتين رئيسيتين: الأولى توحيد القيادة. والثانية: تأليف وجهة النظر الجنوبية لتحقيق أهداف الثورة. - أثناء حديثي مع القيادات وكبار السن يشيرون دوما الى (استعادة الدولة) السابقة أي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وعندما أتحدث الى الشباب أجدهم يحلمون ب(جنوب جديد) ماذا يعني ذلك؟ أنا أرى أن الكبار والشباب يعنون نفس الأمر , في حين يتحدث الكبار بحنين للدولة السابقة لكن ليس لذات النظام القديم برموزه السابقة ليس ((البيض ولا علي ناصر أو حيدر العطاس)) وليس أي واحد من قادة الحزب الاشتراكي اليمني. يتحدث الكبار عن حنينهم لدولة النظام والقانون والتطور الصناعي والاقتصادي. تشكل الدولة السابقة قيمة ثمينة لهم بسبب حركة الحقوق المدنية, التعليم, العناية والخدمات الصحية التي ضمنها كل الأفراد بمختلف مستوياتهم في دولة نظام وقوانين صارمة. ترغب كل الأجيال اليوم (القديمة والجديدة) بدولة قانون يضمن كرامة الإنسان وحقوقه وأمنه وتنعم باستقرار سياسي واقتصادي. الشباب اليوم وهم جيل (الانترنت والتكنولوجيا) يحلمون بدولة منفتحة على العالم بأسره وليست دولة منغلقة كالدولة السابقة في الجنوب, في حين تنشد الأجيال كلها دولة جنوبية مدنية مستقلة ذات سيادة. - منذ 20 ديسمبر 2013م أعلنت قناة (عدن لايف) عن (الهبة الشعبية) ماذا يعني ذلك؟ الهبة الشعبية تحت مسمى (حلف قبائل حضرموت), في حضرموت التي باتت اليوم تعرف طريقها جيدا ولا يمكن أن تعود تحت كنف الدولة اليمنية في حين يقود النظام اليمني حاليا حربا منظمة ضد الجنوب في حضرموت والضالع وأبينوشبوة ضد تنظيم القاعدة والتي تدار خلاياه بأوامر من قيادات عسكرية بارزة مثل (علي محسن) المعروف بارتباطه بتنظيم القاعدة، والتي تعمل مع النظام اليمني لترسيخ صورة أن الجنوب أصبح البيئة الحاضنة للإرهاب والمتشددين. - ماذا عن مطالب انفصال (حضرموت) عن الجنوب؟ الأصوات التي تنادي بانفصال حضرموت عن الجنوب قليلة جدا ومدعومة من جهات معينة في صنعاء. كل أطراف الثورة الجنوبية متفقة على استقلال الجنوب في دولة واحدة وحضرموت هي جزء من الجنوب العربي والعكس صحيح ومن المستحيل انفصالهما عن بعض. ثقافيا نجد حضرموت متجسدة في كل محافظاتالجنوب التي تقطنها العديد من العائلات الحضرمية التي لا توجد في الشمال فلا يوجد ( حضارمة) في ذمار مثلا لكنهم موجودون في أبين , يافع , شبوة وكل المناطق فوحدة الأرض الجنوبية هي وحدة هوية. - بانتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني تسعى الحكومة اليوم لتطبيق مخرجاته والتي أقرت تقسيم اليمن الى ستة أقاليم ( أربعة في الشمال واقليمين في الجنوب) هل ستطبق الفيدرالية في الجنوب؟ لقد فشل مؤتمر الحوار في صنعاءوالجنوب قد رفض الفيدرالية التي أقرها المؤتمر والتي نؤمن أنها ستؤدي بنا جميعا الى طريق مسدود. هل الشمال مستقر وآمن؟ هل بمقدوره بناء دولة تحت أي مسمى (دولة مركزية بسيطة او معقدة بأقاليم عدة)؟ ليس بمقدور الشمال تحقيق ذلك. انها مشكلة عويصة للجنوب أن يُجبر على التعاطي مع مخرجات حوار لم يشارك فيه. سنرفض أن تجرنا أي جهة لفرض أجندتها الخاصة على شعبنا سواء بفرض الفيدرالية بالقوة في حين عدم وجود قاعدة شعبية لها في الجنوب . وعلى المجتمع الدولي أن يعي أنه بذلك لا يسعى لحل القضية الجنوبية بل يفاقمها أكثر وأكثر . - إذن ما هو الحل برأيك؟ على المجتمع الدولي أن يفهم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للمنطقة لا أن ينظر لها بشكل سطحي فلا يمكن أن تنعم المنطقة ككل بالاستقرار لو لم تتحقق مطالب الناس بالتحرر , مخرجات الحوار يمكن أن تعد حلولا للأطراف التي تسعى للإبقاء على صورة الوحدة لكن ليس للقضاء على أهم المشاكل الرئيسية للناس. ينظر المجتمع الدولي للقضية الجنوبية (كشأن يمني داخلي) مثلها كالقضية الحوثية وللأسف لا يبدي الانتباه المطلوب لما يجري هنا. - يبدو أن الرغبة (لإخماد) الحراك استعرت مؤخرا.. ما رأيك؟ الاجراءات الصارمة والجرائم المرتكبة مؤخرا بحق الجنوبيين هي احدى مخرجات الحوار الوطني. يعتقد النظام اليمني أنه يملك (الرخصة) لقتل الجنوبيين تحت أي دعاوى. بعد أن حظي نظام صنعاء بدعم المجتمع الدولي وتحديدا بقرار مجلس الأمن في الأممالمتحدة, ازدادت الحدة في الهجوم على النشطاء والكوادر بعد الاعتداء الذي تعرضت له الناشطة في الحراك السيدة (زهراء صالح) واصابتها الجسيمة في رجلها بسبب ذلك في الثالث من أبريل الماضي وكل يوم نسمع عن تفجير جديد وهجوم على نشطاء ومحاولات اغتيال، كل ذلك يندرج تحت محاولات قمع مطالب الشعب الجنوبي. - هل سيلجأ الحراك ل(العنف) مستقبلا؟ ستبقى ثورتنا التحررية (سلمية) بالرغم من استحالة أن نرضى بمشاهد القتل اليومي بحق الجنوبيين الأبرياء من قبل نظام صنعاء دون أدنى رد. تاج