انعقدت خلال الفترة 10-11 يوليو 2011 ورشة عمل علمية لبحت وتحليل رؤية اجتماع القاهرة حول حل القضية الجنوبية في إطار دولة يمنية فيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي. وفيما يلي ينشر "عدن الغد" مخرجات الورشة مكان انعقاد الورشة: عدن، مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين / فرع عدن. المنظمون للورشة: مجموعة من الباحثين والأساتذة الجامعيين. هدف الورشة: هدفت الورشة تقييم موضوعي للرؤية التي تم إطلاقها في اجتماع القاهرة لبعض الفعاليات السياسية الجنوبية، خلال الفترة من 9-11 مايو 2011 تحت شعار (من أجل رؤية موحدة لأبناء الجنوب لحل القضية الجنوبية في سياق ثورة التغيير الشبابية في اليمن) والتي تدعو في إطارها العام إلى إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية- فيدرالية بدستور جديد من إقليمين جنوبي وشمالي. محاور عمل الورشة: تناولت الورشة رؤية القاهرة لحل القضية الجنوبية في دولة فيدرالية من خلال ثلاثة محاور: محور تاريخي.محور اقتصادي - اجتماعي.محور سياسي – حقوقي. مخرجات الورشة: وضع تقييم علمي موضوعي للرؤية السياسية التي تطرح موضوع الفيدرالية كحل للقضية الجنوبية.
إدارة الورشة:
أ.د . يعقوب عبد الله قاسم ... رئيس الورشة
الميسرون: أ.د. محمد آدم عبد العزيز. د. خلدون عبد الباري قاسم. الأستاذ عبد الكريم قاسم فرج.
السكرتارية: د. محمد سفيان. د. سامح سيف الحنوني.
المشاركون:
الاسم حسب الترتيب الأبجدي الوظيفة / النشاط الدرجة العلمية مجموعة العمل/ المحور أمين اليافعي كاتب و ناشط جامعي السياسي- الحقوقي جعفر محمد مقبل الشلالي جامعة عدن دكتور/ حقوق السياسي- الحقوقي زين محسن صالح جامعة عدن دكتور/ إدارة الاقتصادي-الاجتماعي سامي أمين عطا أكاديمي دكتور/ اجتماع الاقتصادي-الاجتماعي سميرة خميس جامعة عدن دكتور/ اجتماع الاقتصادي-الاجتماعي سيف محسن عبد القوي جامعة عدن دكتور/ اجتماع الاقتصادي-الاجتماعي عامر خميس بن عزون جامعة عدن دكتور/ تاريخ التاريخي عبد الله سالم مقشم وزارة التعليم الفني جامعي/ إدارة الاقتصادي-الاجتماعي عبد الله ناجي علي كاتب صحفي جامعي/إدارة الاقتصادي-الاجتماعي فضل عبد الله الربيعي جامعة عدن دكتور/ اجتماع الاقتصادي-الاجتماعي محمد أبو بكر العماري جامعة عدن دكتور/ محاسبة الاقتصادي-الاجتماعي محمد قاسم نعمان رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، رئيس تحرير صحيفة التحديث جامعي/ إعلام السياسي-الحقوقي مرشد شمسان احمد مدير مركز الدراسات والبحوث اليمني دكتور/ تاريخ التاريخي نبيل خالد ميسري دبلوماسي / وزارة الخارجية جامعي السياسي-الحقوقي هدى العطاس رئيسة المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية جامعي السياسي-الحقوقي هشام عبد العزيز جامعة عدن دكتور/تاريخ التاريخي هشام محمد السقاف جامعة عدن دكتور/ تاريخ التاريخي
الضيوف المدعون: د. محمد عبد الله باشراحيل / خبير اقتصادي، مشارك في اجتماع القاهرة. عبدالله عمر صالح / مشارك في اجتماع القاهرة. علي عاطف الشرفي/ رجل أعمل وناشط. عبد الواحد المرادي/ ناشط سياسي. علي حسن باهارون/ رجل أعمال وناشط. فضل علي عبد الله/ ناشط سياسي مشارك في اجتماع القاهرة. قاسم داوؤد علي / ناشط سياسي.
منهجية الورشة وأدواتها: تم تقسيم فريق الباحثين إلى 3 مجاميع / حلقات عمل تتناول كل مجموعة / حلقة محوراً من المحاور . وضع لكل منها مجموعة من المهام عليهم انجازها . المهام المطلوبة عبارة عن مجموعة من الأسئلة، الإجابات المباشرة للأسئلة لم تكن مطلوبة، وإنما الأسئلة المطروحة تعتبر بذورا أو مسائل للنقاش داخل كل مجموعة عمل. تمارس كل مجموعة عصفاً ذهنيا في تناولها موضوعا أو مسألة من مسائل النقاش وتخرج بعده بنتيجة وخلاصة هذا النقاش. تتم مناقشة كلية للنتائج والاستخلاص التي خرجت بها كل مجموعة / حلقة عمل. صياغة نتائج عمل حلقات العمل في المحاور الثلاثة والملاحظات الواردة عليها خلال النقاشات النهائية في وثيقة نهائية عبارة عن مخرجات الورشة.
مخرجات الورشة الوثيقة النهائية أولاً: المرجعية التاريخية:
قامت الممالك في جنوب شبه الجزيرة العربية على أساس إتحادي، فظهرت ممالك سبأ، أوسان، قتبان، حضرموت، ومعين. ولم يقم كيان سياسي موحد يضم كل المنطقة طيلة الزمن القديم السابق للميلاد. وفي عام 294 م توحد اللقب الملكي ليضم مناطق واسعة، لكنه تضمن عناصر الحرب، الهيمنة والسيطرة بحيث قضى الملك شمر يهرعش – أول من تلقب بهذا اللقب – على مملكة بحجم حضرموت القديمة.
توحدت اليمن في ظل الدولة الإسلامية (عهد الخلفاء الراشدين، العصر الأموي، والعصر العباسي) وقد قسمت إلى ثلاثة مخاليف: مخلاف صنعاء، مخلاف الجند، ومخلاف حضرموت. وفي بداية القرن الثالث الهجري دخلت اليمن في مرحلة التمزق وتعدد الدويلات. ومن بداية القرن السادس عشر الميلادي دخلت اليمن وجنوب شبه الجزيرة العربية تحت هيمنة المستعمرين الأجانب، فبينما أحتل الأتراك لفترتين متتاليتين اليمن، أحتل البريطانيون الجنوب. في مرحلة ما قبل استقلال الجنوب – العقد الخامس والسادس من القرن الماضي – ظهرت في معظم وثائق الحركات السياسية مفهوم الوحدة اليمنية ولكنه لم يتجاوز الشعارات السياسية، ولم ترافقه برامج ملموسة. وظهر مصطلح جنوب وشمال اليمن وشعار الوحدة اليمنية كهدف نضالي دالصحية،ان الصادر عن الطلبة اليمنيين في القاهرة عام 1956. وساعد في ذلك بروز الحركة العمالية والنقابية كقوة منظمة وموحدة في إطار مؤتمر عدن للنقابات.
ثانياً: الوحدة من المنظور الاقتصادي – الاجتماعي وجود تباين اقتصادي واجتماعي بين الشمال والجنوب قائم على اختلاف الرؤى الاقتصادية للنظامين السياسيين السابقين للوحدة التي أعلنت في 22 مايو 1990 وهذا التباين في التركيبة الاجتماعية والنهج الاقتصادي كان له الأثر البالغ في التعثر الذي بلغ حد الفشل لتجربة الوحدة التي قامت على أساس الاندماج في كيان سياسي توافقي.
ابرز ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب عند إعلان الوحدة ( والتي شكلت تباينا مع النظام في الشمال) تتمثل فيما يلي: نظام اقتصادي قائم على الملكية العامة ( قطاع عام) مع وجود أشكال ذات طبيعة اشتراكية كالقطاع التعاوني الزراعي والسمكي، والتي كان من غايتها الوصول إلى مجتمع الكفاية والعدالة حسب الرؤية الاشتراكية، وتهميش وعدم إفساح مجال للقطاع الخاص للقيام بدور أساسي في التنمية الاقتصادية في البلاد.تحمل الدولة عبء الخدمات الأساسية للمواطنين (التعليم، الرعاية الصحية ، السكن وغيرها من الخدمات الاجتماعية العامة). مع وجود شبكة أمان اجتماعي واسعة تمثل أهمها في رعاية الأمومة والطفولة ورعاية الشباب.تشجيع المرأة للقيام بدور فاعل في المجتمع.قامت الدولة بتطبيق سياسات حازمة في المجال الاجتماعي لإجتثات المظاهر الاجتماعية المتخلفة كظاهرة الثأر وبما تشكله من تمزق في النسيج الاجتماعي الوطني. تطبيق سياسات اجتماعية فاعلة لإلغاء الفوارق والتمايزات بين فئات المجتمع المختلفة (مثال الاهتمام بالفئات المهمشة).عملت الدولة على تطبيق سياسة حازمة لمحاربة ظاهرة تعاطي وزراعة القات بما تمثله من نزيف اقتصادي واجتماعي للوطن.سيادة الثقافة المدنية في سلوك المواطنين من خلال احترام الأنظمة والقوانين ومرجعية الدولة وأجهزتها في حل الخلافات.
بمعني آخر: أن مشروعا للدولة المدنية ذات البعد الحداثي كان في طور التشكل في الجنوب بالرغم من الأخطاء التي رافقت التجربة نظراً للممارسات والتطبيقات الخاطئة وبسبب الإرث الاجتماعي القديم وضعف الموارد الاقتصادية . بعد قيام الوحدة لم يتم الأخذ بالجوانب الايجابية للنظامين السياسيين كما كان يفترض ولكن تم الارتداد عن المشروع الحداثي للدولة لصالح الدولة التقليدية . لقد كان لقيام الوحدة الاندماجية على أساس الدولة المركزية بعض الحسنات والتي لا يمكن إنكارها وتتلخص فيما يأتي: إفساح المجال أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية للمشاركة في العلمية الاقتصادية، إطلاق روح المبادرة الفردية، إفساح المجال للحريات العامة كالهجرة الخارجية الإعلام وتأسيس منظمات المجتمع المدني، معالجة التداعيات الاجتماعية الخطيرة من بعض الممارسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة كتأميم المساكن والمنشئات.
وفي نفس الوقت فقد كانت لها العديد من المثالب يمكن تلخيصها على النحو التالي: ضعف العمل المؤسسي القائم على احترام الأنظمة والقوانين،عسكرة الحياة المدنية خلال فترة الوحدة وتدخل المؤسسات العسكرية وعلى وجه الخصوص الجيش في بعض الشؤون الحياتية اليومية للمواطنين، القضاء على المؤسسات والمرافق الاقتصادية العامة الناجحة وانتفاع فئات متنفذة من ممتلكاتها، ضعف ورداءة الخدمات العامة (الصحة، التعليم وغيرها)، تفشي الفساد بأنواعه المختلفة (إداري ، مالي وأخلاقي )،ارتفاع مستوى البطالة، إحياء السلوكيات القبلية والمناطقية وعودة عدد من الظواهر الاجتماعية السيئة كالثأر،تراجع وتحجيم دور المرأة في الحياة العامة وتفشي القات كظاهرة اجتماعية واقتصادية سيئة.
من الحسنات الاقتصادية للوحدة أتساع السوق، وانتقال البضائع. ومن سيئاتها تعزيز البعدين المافيوي، والإلغائي- ألإلحاقي والذي أديا إلى نتائج كارثية على اقتصاد الجنوب بعد الوحدة.
أما من حسنات الفيدرالية فأنها ستضمن بقاء الحدود مفتوحة بين الشمال والجنوب أمام تنقل الناس (السياحة الداخلية، الأيدي العاملة، زيارة الأهالي...إلخ) والبضائع دون قيود، وستخفف من التوتر الأمني والعسكري بينهما ولن يحتاجا لبناء ونشر قوات على حدودهما الداخلية. ومن سيئاتها استمرار التأثيرات القبلية الشمالية بكل ثقافتها، عاداتها وتقاليدها المتخلفة المعرقلة لنهوض الدولة المدنية. ولن تستطع الفيدرالية حماية الجنوب من تأثيرات الفساد المستشري في الشمال. كما أن تأثير المؤسسات الدينية المذهبية في الشمال سيستمر على الجنوب مسبباً الكثير من المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية. لن تضمن الفيدرالية التوازن الديموغرافي في الجنوب. وفي الأخير لن يمتلك شعب الجنوب حق تقرير قضاياه المصيرية بنفسه.
أفضل السبل والفرص الاقتصادية والاجتماعية للجنوب في حال تطبيق الفيدرالية ذات الإقليمين: اعتماد سياسة الاقتصاد المختلط أو المتنوع.سيادة سلطة النظام والقانون في مختلف الأوجه الاقتصادية والاجتماعية.تمتع إقليم الجنوب بثرواته مع الاتفاق على نسبة الالتزامات المركزيةخلق مناخ استثماري جاذب من حيث بسط سلطة النظام والقانون.الاستغلال الأمثل للموارد والمرتكزات الاقتصادية في الجنوب كميناء عدن ذات الموقع الاستراتيجي والمنطقة الحرة في عدن، استغلال الثروة السمكية والزراعية بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة.الاهتمام بتطوير الخدمات الاجتماعية المختلفة وصولا إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة.
ثالثا: الوحدة من المنظور السياسي - الحقوقي: وقع الطرف الجنوبي على اتفاقية الوحدة في ظل تمزق سياسي واجتماعي كان يعيشه الجنوب بسبب تراكمات المشكلات والصراعات السياسية التي بدأت قبل الاستقلال واستمرت بعده وكان آخرها الأحداث المؤسفة في 13 يناير 1986. وهذا ما كان يستدعي أولاً خلق مناخ سياسي ملائم لحوار وطني – في الجنوب – يعالج المشكلات المتراكمة ويقارب الرؤى نحو توقيع اتفاقية الوحدة وبمشاركة مجتمعية واسعة. وكما حصل في التسارع غير المنضبط بالخطوات والإجراءات المتعلقة بتوقيع اتفاقية الوحدة، حصل أيضاً مع الوثائق التي تم الاستناد إليها في التوقيع على هذه الاتفاقية، ومن أبرز ما يؤخذ على هذه الوثائق عدم شمولها ضوابط، إجراءات، شروط، وضمانات قانونية تتعلق بحماية
الحقوق والمكتسبات الشعبية التي كانت قد تحققت في الجنوب وبالذات تلك التي ترتبط بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية (حق السكن، حق التعليم المجاني، حق العلاج والدواء المجاني، حق العمل لكل قادر على العمل، حق ممارسة الأنشطة الثقافية والفنون، حق المرأة في المساواة وفي تمكينها من المشاركة في تحمل مسئوليات المجتمع والتنمية، حق الطفل في الرعاية الكاملة والأمومة الآمنة...الخ). وكذا بما يتعلق باحترام استقلال القضاء ونزاهته واحترام القانون والنظام واعتبار أن كل المواطنين متساوون أمام القانون دون أي تمييز أو استثناء. ومن بين آلاف الصفحات المتضمنة مكونات اتفاقية الوحدة تم الاكتفاء بوضع جملة "العمل بالأحسن والأفضل في ضوء تجربة الشطرين...!!". أثبتت تجربة الوحدة خلال مرحلتها الانتقالية أن الدولة المركزية لا تتناسب ودولة توحدت من نظامين مختلفين، ومع اختلاف شاسع في الثقافة والحياة الاجتماعية بينهما. ولهذا كانت وثيقة العهد والاتفاق بمثابة وقفة تقييميه للمرحلة الانتقالية – ثلاث أعوام بعد اتفاقية الوحدة – والتي طالبت بإعادة النظر في طبيعة النظام السياسي ومكوناته من خلال إعادة تقسيم الجمهورية اليمنية إلى أقاليم (يقترب من النظام الاتحادي الفيدرالي).
أن الدمج الفوري شكل خطأً فادحاً، وكان الأفضل التوحيد التدريجي، أن إجراءات الوحدة كانت متسرعة ولم تراع مصالح الناس ولا الحقائق على الأرض. فقد كانت هناك خطة مبيتة للانقلاب على الوحدة، وعززت القوى التقليدية الشمالية مشروع عودة الفرع إلى الأصل وما يحمله من معاني للعودة إلى النظام الشمولي والتخلي عن الخيار الديمقراطي. في ضوء التطورات التي شهدتها القضية الجنوبية وبالذات منذ حرب 1994 ومروراً بانطلاق الحراك الجنوبي السلمي عام 2007 حتى انطلاق ثورة الشباب والشعب عام 2011 تبرز الحاجة إلى استمرار الحوار الوطني الواسع بين مختلف مكونات المجتمع الجنوبي بما يوصل إلى تحديد طبيعة النظام الذي يجب أن يقوم في الجنوب في ضوء موقف يجمع عليه كل الجنوبيين عبر آلية الاستفتاء الشعبي. في أي معالجة مستقبلية للقضية الجنوبية كالفيدرالية يجب الانتباه للقضايا القانونية، مثلاً إعلان الإتحاد الفيدرالي اليمني بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية وليس بين الشطرين الجنوبي والشمالي لنضمن للجنوب دولته في حالة الخلاف. وضمان عدم تعديل الدستور والقوانين النافذة من طرف واحد لضمان حقوق الجنوب وشعبه ولتجنب ما حدث بعد حرب 94.
ويشكل لقاء القاهرة بنتائجه ورؤيته للقضية الجنوبية إسهاما مهماً في وضع التصورات ورؤية ضمن رؤى متعددة نحو الوصول إلى الحلول والمعالجات والتي تستدعي مزيداً من الحوار لتحقيق إجماع جنوبي لبناء دولة مدنية حديثة تكون الإطار الواسع المعبر عن كل مصالح أبناء الجنوب دون استثناء.