د/محمدصالح العبدلي التعليم هو معيار أساسي من معايير التقدم ؛ وبذلك تقاس أهمية الدولة بمقدار اهتمامها بالتعليم ؛ فترتقي الدولة إلى مستوى الأمم الواعدة والدول المتقدمة إن جعلته نصب عينيها في بناء حضارتها ، واقتصادها وسياستها وجميع مستوياتها ... ومن هذا التقديم الموجز نستشف أن للتعليم الدور الأبرز في التقدم أو النهوض إذا ما أردنا ذلك يوماً ما ، ولكن ما نراه من جنوح في مجتمعنا ودولتنا وحكومتنا التغييرية الحالية لا يوحي بأنها جعلت كل ذلك نصب أعينها لكي تنهض وتبني ركائز وأسس مقومات الدولة الحديثة والمدنية كما تدعي بدلالة عزوفها عن أهم ما يقوم نهوضها ويؤكد حسن نيتها ؛ وإلا فما دام التعليم بهذه الأهمية القصوى ، وتتحقق عن طريقة كثير من تطلعات المجتمع إن لم تكن جميعها فلماذا لم تهتم الجهات المختصة من أعلى الوزارة إلى أدنى مسؤول فيها بهذا الصرح العظيم ؟ أكاد أجزم أن للسياسة وتشبع المسؤولين فيها لدرجة التخمة دوراً في هذا العزوف وانشغالهم بالوضع السياسي ، وإعطائه الهم الأكبر من مسؤولياتهم واهتمامهم ، هذا إن أحسنا النية فيهم ، ولربما هناك أسباب غيبية لا يعلمها إلا الله توحي بمستوى الانحطاط القيمي والثقافي والتربوي الذي وصل إليه مسؤولونا فلم يعد يأبهون أو يلتفتون إلى ما يعيدون به حياة هذا الشعب المغلوب على أمره ؛ فما هم عليه من مسؤوليات ومناصب ما هي إلا ليحافظوا على أشكالهم المحنطة فوق الكراسي وكذلك من أجل المحافظة على أماكنهم القيادية ومصالحهم الشخصية والاستحواذ على كل ما يستطيعون الحصول عليه دون خوف أو وازع من دين أو قيم أو ضمير ، ولكن إلى متى ؟! فكما يقال في المثل الشعبي ( المية تكذب الغطاس ) فإذا نظرنا إلى الوضع التعليمي الحالي في مدارسنا لفضح أمرهم وكشف سر بقائهم ولوجدنا العجب العجاب فالوضع مزري ومخزي ويسير من سيء إلى أسوأ ؛ فالمناهج والكتب الدراسية، وطرائق التدريس المعتمدة على الحفظ والتلقين ، بل والأسلوب التقليدي العقيم والمتبع في كل المدارس ، كل ذلك لا يفي بالغرض ولا يشجع على التعليم ؛ مما يؤدي كل ذلك إلى تدهور العملية التعليمية . بالإضافة إلى عوامل أخرى تساعد على هذا التدهور قد لا تقل أهمية عن العوامل السابقة. لكن لا يعني كل ذلك أن نيأس أو نحبط وألا ننشد التغيير الأمثل ، بل يجب أن نعمل بكل مانستطيع من أجل النهوض ، ويجب علينا أن نتكاتف للبحث عن الشخصيات الصادقة ، التي تتحمل مسؤوليتها بكل صدق وأمانة فإن وجدت مثل هذه الشخصيات لاستطعنا أن نغير ولو شيئاً بسيطاً يعيد لنا أمل النهوض والإصلاح نحو الأفضل ، وهكذا فمسافة ألف ميل تبدأ بخطوة ، فنبدأ خطوة خطوة ، وعلى الجهات المسئولة أن تؤمن بهذا التغيير وتبدأ بمجموعة من الخطوات والإجراءات الملموسة مثلاً: تحديد فلسفة التربية بشكل واضح ودقيق ويجب أن تكون مكتوبة، وتحديد أولويات السياسة التعليمية . وضع إستراتيجية حديثة للتربية والتعليم وذلك لتطوير جميع مكونات العملية التعليمية. وأحد هذه المكونات تصميم المناهج والكتب الدراسية التي ينبغي تصميمها وفقاً لنظريات التعليم الحديثة لتلبية متطلبات المتعلم والمجتمع، وقبل هذا ينبغي على الجهة المسئولة تحديد برنامج عمل للمختصين والخبراء وتحديد الجداول الزمنية للعمل وتوفير الإمكانات المادية والبشرية، وأن يتم النزول الميداني إلى مختلف البيئات والمدارس لاستطلاع الرأي والتماس الواقع عن قرب وإجراء المقابلات مع كل من له علاقة بالعملية التربوية والتعليمية، بالإضافة إلى التعرف على صلاحية المدارس وتجهيزاتها ، والتعرف على المستوىات العقلية للمتعلمين ورغباتهم وميولهم وتطلعاتهم حتى يكون المنهج المصمم مناسباً للواقع الاجتماعي ويساعد على التعلم. تأهيل المعلمين غير المؤهلين وتعريفهم بطرائق التدريس الحديثة وحثهم على متابعة كل جديد في إطار المادة التي يقوم بتدريسها حتى يستطيع السيطرة على الفصل والإلمام بالمادة ؛ لأن المتعلم عادة لا يعطي انتباهه إلى المعلم القاصر في تعليمه أو العاجز عن الإحاطة بأبعاد المادة، والتعليم الجيد لا بد أن يؤدي إلى تعلم جيد . عدن اف ام