مسكين المواطن في الجنوب يُدعى للتظاهر من أجل استعادة دولة ما قبل الوحدة, ثم يقال له لسنا يمنين ولم نكن يمنيين أصلاً, يتذكر اسم دولته التي يريد استعادتها فاذا بها كانت " جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ", لكن الشعارات التي تُطلقها النخبة السياسية ومراكز القوى التقليدية الجنوبية - القديمة منها والحديثة - لا تمت بصلة لتلك الدولة من ناحية الشكل " الاسم " ولا المضمون " الجنوب الواحد " خصوصاً بعد تصاعد المطالبات بدولة حضرموت ودخول بعض ورثة السلاطين على خط المطالبة بالانفصال . الشيطان شمالي, الاجرام شمالي, الحزب الاشتراكي شمالي, الوحدة شمالية, حتى كلمة اليمن شمالية, ويريدون استعادة دولتهم ما قبل عام 90 م, مع أن دولة الجنوب ما قبل الوحدة هي دولة الحزب الاشتراكي وهي دولة شعار الوحدة الذي كان يردد في طوابير الصباح وفي كل المدارس والمعاهد, وهي دولة اليمن التي ضل هذا اللفظ مرافقاً لها مع تغير مسمياتها . يحيرك الجنوبي العربي – وليس الجنوبياليمني - عند الحوار معه فيقول لك مثلاً : أننا كنا في نعمة وراحة قبل الوحدة وكنا في أمان واستقرار ونريد استعادة دولتنا تلك, وبعد قليل يتنكر للحزب الاشتراكي ويتنكر ليمنية الدولة ويتنكر لشعاراتها الوحدوية التي ضلت تردد منذ تاريخ نشأتها, يُربكنا فلا نتمكن من معرفة الدولة التي يرغب في استعادتها . من حق الجنوبيين المطالبة بالانفصال أو بفك الارتباط أو باستعادة الدولة, لكن ذلك غير مرتبط بالتنكر للحزب الاشتراكي أو بإنكار الهوية اليمنية أو بالتهجم على الوحدة كقيمه أو بتحميل الشماليين كموطنين للخطيئة, من حقهم أن ينفصلوا وان يسموا انفسهم اليمنالجنوبي أو جمهورية جنوباليمن أو أي اسم آخر تذكر فيه اليمن . لا أدري من زرع في عقول الجنوبيين أن من شروط استعادة دولتهم أو حقهم في تقرير المصير التنكر للهوية اليمنية ولتاريخ الحزب الذي وحد الجنوب وللوحدة كقيمة تسعى الكثير من الدول لتحقيقها مع اختلاف أعراقها وأديانها ووجود تباينات كثيرة بينها . عجز مفكرو ونخب الجنوب السياسية عن ايجاد صيغة لاستعادة حقوقهم وحتى استعادة دولتهم دون أن يتنكروا لثوابت لا يمكن القفز عليها, والمضحك والمبكي في آن واحد أن من تنكروا لتلك الثوابت ويُنظروا ضدها كانوا جزء منها بل ومؤسسين لها وقادة لتلك المرحلة بشعاراتها ودولتها وسياستها وحزبها . غاب صوت العقل فغابت معه الواقعية, غاب التشخيص الواقعي والحقيقي للمشكلة واستُحضرت العاطفة والجهوية والمناطقية, طالبوا بالعودة الى ما قبل 90 م وتنكروا لثوابت تلك المرحلة فعاد بهم الزمن الى ما قبل 30 نوفمبر 67 م, تنكروا لكلمة اليمن فظهرت المطالبة بدولة حضرمية, تنكروا للحزب وانجازاته فظهر السلاطين والسلطنات . لم يستفد الاخوة في الجنوب من درس جنوب السودان, فمع أن جنوب السودان لم يكن دولة من قبل لكنه تمكن من الحصول على حقه في تقرير مصيره وانفصل عن الشمال دون أن تتنكر نُخبه لهويتهم السودانية ودون أن يشتبكوا مع شعب الشمال أو يُحملوا الوحدة كمفهوم المسؤولية . هل تعلم نُخبة الجنوب العربي أن اسم الدولة الوليدة في جنوب السودان بعد الانفصال هو " جمهورية جنوب السودان " مع انها مسيحية الديانة وما يجمعها بالشمال أقل بكثير مما يجمع جنوباليمن بشماله و كان بإمكانهم اختيار اسم لا توجد فيه كلمة " السودان " خصوصاً انهم أوجدوا دولة لم يكن لها اسم سابق يُلزمهم بتكراره . لم تخشى النخبة في جنوب السودان من ذكر لفظ " السودان " في اسم الدولة الوليدة خوفاً من مطالبات شمالية لاحقة بالوحدة, لم يتنكروا لمفهوم الوحدة ذاته ولم يضعوا عراقيل أمام أي وحده مستقبلية إذا تغيرت الظروف في الشمال . بتلك القيم والواقعية وعدم التنكر للذات تمكنت النخبة في جنوب السودان من الوصول بشعبها الى حق تقرير المصير واوجدوا دولة من العدم, وهذا ما فشلت فيه النخبة الجنوبية عندنا مع أنهم كانوا دولة الى ما قبل عقدين من الزمن . البديل