بعد ثماني سنوات من عقيدة (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش الابن، كان العالم يبحث عن رئيس عالمي هدفه التوافق والتعاون في ما بين الدول. لقد تعهد الرئيس بارك أوباما بأن تنتهج الولاياتالمتحدة سياسة خارجية تجعل العالم أكثر أمناً، إلا أن العالم توقف عن الاستماع لأوباما عندما اكتشف أن خطاباته الفصيحة لا يتبعها تحرك على الأرض إلا نادراً. وباتت أصوات المنتقدين في الداخل تتعالى، حتى الخبراء الذين كانوا يحدوهم الأمل تراجعوا بسبب ضعف أداء الرئيس. وخلال الشهر الماضي، حذر رئيس مجلس العلاقات الدولية، ريتشارد هاس، من أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تحت ولاية أوباما، «تعاني الارتباك الفوضوي». وكان خطابه في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية في نيويورك، الأسبوع الماضي، محاولة يائسة لترشيد عثراته في السياسة الخارجية. في أوكرانيا، تفاخر أوباما أنه بسبب قيادة بلاده استطاع العالم أن يدين مباشرة التحركات الروسية، كما تمكن البيت الأبيض من تعبئة الرأي العام العالمي ومؤسساته، ليشكل بذلك عامل توازن في وجه الدعاية الروسية. وإذا تراجع (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين فعلاً في الأيام الأخيرة، فإن ذلك لا يعود إلى أن الرئيس الروسي شعر بالقلق من تصريحات أوباما، بل الأمر يعود إلى الخطأ في حسابات الرئيس الروسي. ولو كان هناك شخص ما جعل بوتين يفكر مرتين فإنها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. لقد اختبر بوتين همة وحماسة أوباما العام الماضي، فقد رسم الرئيس الأميركي «خطاً أحمر» على استخدام (الرئيس السوري) بشار الأسد الأسلحة الكيماوية خلال الحرب الأهلية السورية، وعندما تجاوزه، تعهد أوباما بتوجيه ضربة له. لكنه تراجع بعد ذلك، وسعى للحصول على موافقة الكونغرس لشراء الوقت. ويبدو أن بوتين وفر عليه المزيد من الإحراج، من خلال الوصول إلى اتفاق لإزالة أسلحة سورية الكيماوية. وانتقد وزيران سابقان للدفاع تعامل أوباما مع هذه الأزمة وبشكل علني، فقد حذر وزير الدفاع روبرت غيتس، من أن رفض الكونغرس هذا التحرك كان من شأنه إضعاف الولاياتالمتحدة في «عيون حلفائنا وخصومنا على حد سواء»، بينما أشار ليون بانيتا، إلى أن إيران كانت تراقب الوضع وترى أن التصرف الأميركي دليل على ضعف إدارته. لقد كان لأوباما ضربة واحدة على أرض المعركة، عند تصريحه «الخطر» لفريق أميركي بقتل (الزعيم السابق لتنظيم القاعدة) أسامة بن لادن. لكن ما حصل كان أمراً حاسماً غير مسبوق من جانبه. وإذا كان هناك شيء ما بارز في عقيدة أوباما، فإنه يتمثل في الابتعاد عن المخاطر والوقوع في الأخطاء. إن الأميركيين لم يعتادوا ان يكون رئيسهم ضعيفاً إلى هذا الحد. ربما يكون ذلك أفضل من حمل أيديولوجية معينة، لكنه لايزال بعيدا كل البعد عما يريده العالم من الولاياتالمتحدة. ومع ذلك هناك فرصة أخرى للقائد الأعلى للقوات الأميركية ليضرب في أرض العدو، لكن مع انتظار مدى التزام إيران باحترام الاتفاق حول برنامجها النووي، لكن كموعد أقصى في شهر يوليو. لكنها تبقى ضربة بعيدة. وعليه أن يثبت أنه لم يكن عرضة للتلاعب من قبل حكام طهران المخادعين. صحيح لم تعد القوة الأميركية كما كانت عليه من قبل، فقد تم استنزاف القوة العظمى مالياً ونفسياً في الحروب في أفغانستان والعراق. وفي حين بات الشعب الأميركي يميل إلى الانعزالية، صعدت الصين لتتحدى فكرة أميركا نفسها، وربما يريد بوتين إعادة إحياء الحرب الباردة مرة أخرى. ومهما يكن فإن القوة الأميركية أكثر بكثير من مجرد تدخل عسكري في هذا النزاع أو ذاك. إنها تتعلق أيضاً بتسخير الموارد للتأثير في مجرى الأمور في العالم، وحل النزاعات، وتعزيز الرخاء العالمي. وكما قالت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي قد تكون خليفة أوباما، في مذكراتها، «أميركا الأمة لاتزال موجودة، ولا يمكن الاستغناء عنها». ونادراً ما يتراجع قائد العالم الحر عن استخدام قوته في الإقناع، أو الأسوأ من ذلك ألا تكون لديه تلك القوة أصلاً، فإن العالم بأسره سيكون في حال أسوأ بالتأكيد، وخطاب آخر لن يغير ذلك. كونراد يكابوسكي - كاتب عمود ومحلل سياسي الامارات اليوم