يقول عالم آثار إسرائيلي إن الاعتقاد السائد لدى الناس عن مسقط رأس النبي يسوع (عيسى) خطأ عظيم. وهذا لأن المكان الحقيقي ليس بيت لحم قرب المقدس وإنما في بيت لحم أخرى تقع في الجليل، شمال فلسطين التاريخية. في جنوبالضفة الغربية على بعد 15 كيلومترا من القدس تقع بيت لحم ذات الأهمية العظمى عند المسيحيين. فهي مسقط رأس يسوع (عيسى) المسيح الذي شيّدت «كنيسة المهد» في موقعه. وفي 2012 أدرجت منظمة «اليونيسكو» هذه الكنيسة ضمن لائحة التراث العالمي وصارت بذلك أول موقع فلسطيني ينال هذا المقام. هذا هو ملخص المقدمتين الواردتين في «موسوعة ويكيبيديا الحرة» عن بيت لحم وكنيسة المهد، كونهما الموقعين المعروفيْن السائديْن لدى الناس. خطأ تاريخي لكن عالما إسرائيليا ذا شأن يقول الآن – في نبأ أوردته «تايمز» البريطانية وتداولته بعدها الصحافة الغربية على نطاق واسع - إن الناس الذين يتقاطرون على بيت لحم هذه من شتى بقاع العالم سنويا في مثل هذه الأيام للاحتفال بعيد ميلاد المسيح، «يأتون الى المكان الخطأ». ونقلت هذه الصحف عن عالم الآثار الإسرائيلي، افيرام اوشري، قوله إن بيت لحم التي ولد فيها المسيح إنما هي في الواقع قرية صغيرة في منطقة الجليل في شمال فلسطين التاريخية (قرب حدود إسرائيل مع لبنان اليوم). وقال هذا الآثاري، الذي ظل يعمل عشر سنوات في الحفريات بهده المنطقة: «بيت لحم في الجليل كانت مأهولة بالسكان اليهود في وقت ظهور النبي عيسى. لكن ليس ثمة ما يشير البتة الى أن بيت لحم المعروفة (قرب القدس) كانت موجودة خلال القرن الأول الميلادي سواء كمدينة أو بلدة أو قرية. كانت مجرد خلاء في ذلك الوقت». أدلة يضيف عالم الآثار هذا أنه عثر على أدلة توضح أن اليهود مارسوا طقوس طهارتهم في بيت لحم (الجليل). وإضافة الى هذا، يقول، فإن هذا الموقع لا يبعد سوى نحو ثمانية كيلومترات من الناصرة (الواقعة بدورها على بعد 100 كيلومتر على الأقل عن القدس) حيث الدار التي نشأ فيها المسيح. وقال: «أليس منطقيا أن تركب السيدة مريم، وهي في أواخر مراحل حملها ، حمارها مسافة ثمانية كيلومترات الى بيت لحم القريبة منها بدلا من أكثر من 100 كيلومتر الى بيت لحم قرب القدس»؟ لكن اوشري يتحسّر على أن العمار الحديث دمّر كل الآثار القديمة الباقية من قرية الجليل الأصلية. ومع ذلك فهو يقول إن علماء الآثار عثروا - في 1965 عندما كانت وزارة الأشغال تشق طريقا جديدا للسيارات في المنطقة - على كنيسة قديمة مهمة. ويضيف: «عثرنا في هذه الكنيسة على قطع فسيفساء بالغة الجمال تعرض حتى الآن في مطار بن غوريون. كانت الكنيسة نفسها ضخمة وشيّدت في موقع كان يحوي كهفا في السابق. وكانت هذه الكنيسة كبيرة الشبه بكنيسة المهد من حيث البنية المعمارية». ومن الأدلة الأخرى التي يقدمها على أن بيت لحم الجليل هي الموقع الديني الحقيقي أن الوثائق التاريخية المدوّنة تتحدث عن «سور» يحيط بالمكان. ويقول: «لكنك لا تجد أي اثر لهذا السور في بيت لحم المعروفة. وعلى العكس فإن بقاياه واضحة للعيان في بيت لحم الجليل. شكوك قديمة الواقع أن الشكوك حول المكان الحقيقي لولادة النبي عيسى ليست جديدة وتعود قرونا بأكملها الى الوراء. ووفقا للمؤرخين فإن الجدل حول هذا الأمر يبدأ في العهد الجديد نفسه. فقد ورد في انجيل يوحنا (7:41-43) ما يلقي بطلال الشك على «شرعية» عيسى لأنه «من الجليل وليس من يهودا». وفي الثلاثينات قال المؤرخ روبرت هاملتون، مدير دار الآثار البريطانية وقتها، في كتابه «كنيسة المهد» إن «ثمة افتقارا مقلقا الى الأدلة التي تؤكد مولد المسيح في بيت لحم في يهودا». لا اهتمام... ولا فرق مع كل ذلك، كما يقول اوشري، فلا أحد يبدو مهتما بمسألة بيت لحم الجليل وما إن كانت هي مسقط رأس النبي عيسى. ومن جهتها أوقفت دار الآثار الإسرائيلية حفرياته العام 2006 متعللة بأنها لا تملك المال الكافي لها. على أن اوشري نفسه يقرّ بأن الفشل هو مآل بحوثه من الأساس. ويقول: «حتى لو تمكنّا من تقديم الدليل الذي لا يطاله الشك في أن بيت لحم الحقيقية في الجليل وليست كما يُعتقد، فإن هذا لن يحدث فرقا يُذكر لدى معظم الناس». ويضيف قوله: «الديانة المسيحية تستند إلى العهد القديم. وهذا العهد يحدثنا أن المسيح يأتي من بيت داوود في بيت لحم قرب القدس. لهذا اعتقد أن الإيمان بأن هذا هو مسقط رأس عيسى الحقيقي سيظل كما هو في أذهان العامة... بغض النظر عن الحقيقة».