صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تتعدد الحيل والأسباب . . والتسول واحد
نشر في الجنوب ميديا يوم 19 - 06 - 2014


تحقيق: جيهان شعيب
في بعض الأحيان يكون لبعض الظواهر المجتمعية أوجه مبطنة ومستترة، تختفي وراء الوجه المباشر والواضح لأي منها، وفي أكثر الأحايين يكون للرخاء والوفرة، ضريبة يدفعها أهلها، وبين هذا وذاك، يطل التسول برأسه مجدداً بصور غير تقليدية أو دارجة قبلاً، كنتيجة ربما مقرونة بالتطور الحضاري للدولة، التي تم تصنيف شعبها بأنه الأسعد على مستوى شعوب العالم .
والتسول كظاهرة أصبح بمنزلة واقع يومي، غير مرتبط بمناسبات بعينها، أو فترات دون أخرى كحاله سابقاً، بل صوره متنوعة وغريبة وأيضاً مبتكرة، حيث لم يعد مقتصراً على حد مد اليد واستجداء أفراد المجتمع، بدموع زائفة، أو أنات ضعيفة، بل ارتدى أثواباً ظاهرها قد يكون مغايراً لباطنها الذي يصب في الأحوال كافة، في استدرار العطف، والشفقة، لغرض واحد هو الحصول على المال .
ورغم أن الدولة لم تبخل على أي من المعسرين فيها من خلال توفير العديد من القنوات الشرعية المعنية بذلك، والمتمثلة في الجمعيات الخيرية، التي تمد يدها لكل من تعوزه الحاجة وفقاً لضوابط وإجراءات معينة، إلا أن أغلبية المتسولين لا يفكرون بأي حال في التوجه إليها حيث لامكان لهم فيها، لكون معظمهم من مخالفي الاقامة، ممن أتوا من بلدانهم خصيصاً للتسول، سواء بشكل فردي، أو من خلال شركات تقوم على إدارتهم وتوجيههم بصورة منظمة، مع رسمها خريطة تحركهم داخل الدولة، مقابل منحهم نسباً مادية مما يتحصلون عليه .
والأخطر من ذلك أن أشكال التسول المستجدة إلى جانب السابقة، تخفي وراءها على الأغلب، مخاطر جمة وأضراراً عدة، تتمثل في جرائم سرقات أو اعتداء، وسلب ونهب، وربما الأكثر من ذلك، مالم ينتبه أفراد المجتمع إلى خطورة الإذعان لأي طالب مال مهما كان المبرر الذي يقف وراء طلبه، أو الذرائع المختلفة التي يطرحها، فإن كان بحاجة فعلية لما يستجدي من أجله، فالمنافذ الخيرية مشرعة الأبواب أمامه، وما عليه سوى التوجه لها، ولنا في توضيح أبعاد، ونتائج، وصور ظاهرة التسول، ما سنرويه في التحقيق الآتي الذي نبحث فيه جوانبها المتعددة .
ولنبدأ برصد بعض صور التسول المستتر، والذي بدأ في الظهور مؤخراً من خلال الإضاءات والوقفات الآتية على بعض منها:
أشكال متباينة
متسولون يقفون على أبواب بعض المساجد، فور ارتفاع الأذان، في انتظار خروج المصلين عقب انتهاء الصلاة، ليعرضوا عليهم بعض الصور غير الواضحة لأبنية معمارية غير مكتملة، مرددين أنها مساجد يسعون مع أهل الخير لبنائها في بلدانهم، ويحتاجون لاستكمالها لمبلغ كذا أو كذا، وبالطبع فكثير من المصلين ومن باب المساهمة في بناء بيت من بيوت الله، يقدمون لهم الكثير مما تجود به أنفسهم .
متسولون يقدمون صوراً لأعاصير اجتاحت بلدانهم في فترة ما، وأناس تغطيهم الدماء، ويقولون إن بيوتهم تضررت جراء ما تعرضت له بلدانهم، وأفراد من أسرهم راحت ضحيتها، ويطلبون ما يستطيعون به إعادة تعمير البيوت، وهم يرفعون أكفّ الدعاء إلى الله، والدموع الكاذبة تلمع في مآقيهم، بأن يرحم أرواح من فقدوهم من أسرهم وأصدقائهم .
عمال نظافة يقتربون من السيارة التي يتوقف بها صاحبها لدقائق لقضاء أمر أو آخر، ويتظاهرون بالانغماس في تنظيف المكان المحيط بها، وهم يرسمون على وجوههم علامات الذل، والمسكنة، والضعف، والهوان، لدفع صاحب السيارة لمدّ يده لهم بأية مساعدة .
متسول يتظاهر بالوقار وهو يتقدم من المارة متصيداً من تبدو عليه علامات الثراء منهم، ومن ثم يروي له باكياً أنه حضر من بلده بتأشيرة سياحة للبحث عن عمل لظروفه الأسرية الصعبة في بلده، وأن الحيلة أعيته دون تحقيق ذلك، ويريد العودة، لكنه لا يمتلك قيمة تذكرة السفر، راجياً المساعدة بجزء من ثمنها، أو بكاملها أن لمح في عين من سأله التعاطف معه .
متسولة تحمل طفلاً، وقد غطت وجهها بالكامل، وتتجول به في الأسواق، مقدمة وصفة علاجية لكل من تقابله من النساء أو الرجال، وتروي كذباً أنها أرملة، وتعول عدداً من اليتامى، ومنهم طفلها المريض الذي تحمله، والذي يحتاج إلى علاج، ولا تستطيع شراءه له، طالبة مبلغ كذا الذي يوازي قيمة الأدوية المدونة في الوصفة .
متسول رث الملابس، يجول بين السيارات في الإشارات المرورية، ليسارع حين وقوفها بعرض أقلام غير ذات قيمة للبيع، أو مناديل ورقية، أو كتيبات صغيرة لأدعية دينية، وبالطبع فمظهره يدفع الكثيرين لمد اليد له، دون الشراء منه .
متسولون يقفون عند أجهزة الصراف الآلي في تجمعات صغيرة، يراقبون من يسحبون أموالاً، وفور انتهاء الواحد منهم، لاسيما من سحب مبلغاً كبيراً، يصرخ المتسول من هؤلاء متظاهراً بالمرض، فيلتف حوله الآخرون وكأنهم يساعدونه، مما يلفت بالطبع نظر من سحب الأموال، وحين اقترابه للاستفسار عما حدث، يشرح له أحدهم أن صديقهم مريض، وفي حاجة للعلاج، وأنهم لا يملكون المقدرة المادية لعرضه على طبيب، وبالتالي وبدافع من الشهامة، والتعاطف، يقدم لهم ما يستطيعه .
ولا يقتصر الأمر على الصور التي ذكرناها فقط، فهناك من يلجأون إلى بيع أرصدة هاتفية، ومن يقفون عند أبواب المدارس زاعمين أن لديهم أبناء يدرسون في هذه المدرسة أو تلك، وأنهم على وشك الطرد منها لعدم استطاعتهم تسديد الرسوم الدراسية، وهناك أيضاً من يحمل فاتورة كهرباء مدوناً عليها جملة الإنذار الاخير، ويدعي أنه مهدد بقطع التيار الكهربائي عنه إن لم يسدد قيمتها، التي لا يمتلكها، وتتعدد الصور والوجوه السلبية للتسول، ونكتفي بما سبق، لنبدأ جولتنا مع عدد من الجهات المعنية .
آليات محددة
من جانب الجمعيات الخيرية، قالت الشيخة عزة بنت عبدالله النعيمي المديرة العامة لمؤسسة حميد بن راشد النعيمي الخيرية: لدينا آليات محددة لتقديم المساعدات، حيث تخدم المؤسسة شريحة المواطنين بشكل خاص، وتستهدف الأرامل، والأيتام، والمطلقات، والمديونين، والعاجزين مادياً، والمهجورات وفئة العجز الصحي، وأصحاب المساكن المتضررة، التي تحتاج إلى صيانة، وعندما يتقدم لنا أي من هؤلاء بطلب المساعدة، نطلب منه احضار مستندات عدة لإثبات صدق الحالة وبيان مدى حاجتها إلى المساعدة، ومن ذلك جواز السفر، وخلاصة القيد، والهوية، وشهادة راتب من جهة عمله توضح حجم الراتب الذي يتقاضاه، أو من هيئة المعاشات إذا كان متقاعداً لبيان حجم راتبه التقاعدي، فيما إذا كان مديوناً فعليه احضار كشف حساب من البنك الذي يتعامل معه، لتوضيح قيمة القسط الشهري الذي يتم استقطاعه منه، وإلى غير ذلك، من شهادة تبين ما إذا كان لدى المتقدم رخص تجارية وعقارات أم لا، حيث يعتمد عمل المؤسسة على البحث الاجتماعي والميداني الدقيق .
ومن لا يلتزم بإحضار هذه المستندات والأوراق المطلوبة، يتم رفض طلبه للشك في صدقه، حتى نمنع الازدواجية في حصول الفرد على أكثر من مساعدة من جهات خيرية عدة، ولتغطية شريحة كبيرة من المستفيدين، تم الربط الإلكتروني بين الهيئات والجمعيات الخيرية في عجمان البالغ عددها ،7 عدا ذلك فالتسول ظاهرة سلبية شديدة السوء، تتطلب تكاتف الجميع من مؤسسات وأفراد للتصدي لها، ولابد من مساعدة الجهات الامنية في ضبط أي متسول، لاتخاذ الاجراءات اللازمة في شأنه، حتى لا نفتح المجال لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الفعلة المسيئة للمجتمع، والتي تعكس صورة غير حضارية عنه، لاسيما المتسولات من النساء اللاتي ينتشرن في الأسواق، ووجوهن مغطاة، حتى لا يتعرف إليهن أحد، وتلح الواحدة منهن في طلب المساعدة، فيما معظمهن يعملن ضمن شبكات منظمة .
الجهود الأمنية
أما علي العاصي رئيس لجنة الأسر المتعففة في أم القيوين فقال: لقد تعددت بالفعل صور التسول، ومن ذلك متسول يظهر ورقة مدوناً عليها أن ابنته تعرضت لحادث، وأنها في حاجة ماسة لإجراء جراحة كبيرة، وأنه لا يمتلك رسومها، أو أنه مطالب بتسديد دية، أو رسوم دراسية لأطفاله، وحين مطالبته بإظهار اثبات شخصيته لمساعدته، يتعلل بنسيانه في بيته، أو بفقدانه، وهذه الحالات تأتي بتأشيرات سياحية، ووراءها شركات تقوم باستقدام أصحاب العاهات، أو النساء الجميلات، وتوزيعهم على المناطق المختلفة في الدولة لاستجداء الناس بمزاعم متعددة .
وقد وردني شخصياً، اتصال هاتفي على رقم خاص بي غير متداول من سيدة ادعت حاجتها المادية، طالبة مساعدة سريعة، وحينما استفسرت منها عمن أعطاها رقم هاتفي، ظلت تراوغ، وفي الوقت ذاته واظبت على الاتصال بي، مكررة طلب المساعدة، فأخبرتها أنني على استعداد لمساعدتها شريطة إخباري بالشخص الذي أعطاها رقمي، فأخبرتني أنها اشترت قائمة من أحد الأشخاص، بقيمة 5 آلاف درهم، تتضمن أسماء عدد كبير من نخبة المجتمع، للاتصال بهم وطلب المساعدة، وفي الوقت ذاته رفضت مقابلتي، ورجتني أن أحول لها مبلغ المساعدة، فرفضت، لأن المتسول في كل الأحوال ليست لديه أوراق ثبوتية تؤكد حاجته المادية من عدمها .
وقد حدث أيضاً وخلال أدائي صلاة العشاء في أحد المساجد الكبيرة، أن لمحت سيدة ترتدي نقاباً يخفي وجهها بالكامل، تطلب المساعدة من المصلين، ومن ثم وفور خروج الجميع لمحتها تنزع عنها النقاب، وتسارع بركوب سيارة فارهة، حديثة الموديل، فتوجهت إليها مسرعاً، وواجهتها بفعلة التسول التي قامت بها داخل المسجد فأنكرت، وحينما جذبت منها الكيس الذي كانت تحمله في يدها وتجمع فيه النقود التي حصلتها من المصلين، تناثرت جميعها على الأرض، فيما أسرعت بسيارتها بعيداً .
ومن صور التسول الأخرى التي تعرضت لها، أن اعترضني شخص مهندم، ويتحدث بلباقة، وادعى معرفته بأمور خاصة وشخصية عني، وأخبرني أنني في حاجة إلى علاج روحاني، وما ذكره لم يكن صحيحاً على الإطلاق، وبالطبع فلم أكترث لحديثه، وحينذاك قال لي "أعطني مما عطاك الله" .
والمشكلة أيضاً في عدد ممن خدموا في الدولة لسنوات طويلة، ومن ثم وعقب انتهاء فترة خدمتهم، استطاعوا الحصول على تأشيرة إقامة من خلال كفالتهم من قبل هذا أو ذاك من أبناء الدولة، ومن ثم اعتمدوا على طلب المساعدات من الجمعيات الخيرية لتسيير أمور معيشتهم، والحقيقة لدى لجنة الأسرة المتعففة أكثر من 20 حالة من هذه النوعية، قدم فيها صاحب كل حالة رسالة من كفيله إلى اللجنة يذكر فيها أنه منح الكفالة لصاحب الرسالة لدواع إنسانية وأنه يستحق المساعدة، وبالطبع فهؤلاء لا نساعدهم، في ضوء أن لديهم أبناء، عليهم اعانتهم .
ومواجهة ظاهرة التسول بشكل عام تتطلب تكثيف الجهود الأمنية، والتنسيق بينها وبين الجمعيات الخيرية، التي عليها ومن خلال خط ساخن يتم تخصيصه، الابلاغ عن أي طالب مساعدة، مخالف للاقامة، أو يحمل تأشيرة زيارة منتهية المدة المحددة للبقاء في الدولة، ومن الضروري أيضاً التنسيق مع الشركات التي تكفل أشخاصاً لمجرد إحضارهم للدولة للتسول، فيما من الضروري تفعيل العقوبات المقررة بحق المتسولين .
تشريع اتحادي
للجهات الأمنية، رأيها في التسول كظاهرة مؤرقة، فمن جهته قال المستشار سلطان الجويعد مدير إدارة فحص ومتابعة القضايا مكتب النائب العام: قانون أبوظبي رقم 15 لسنة 1975 في شأن التسول جيد إلى حد كبير، حيث لم يقيد رجل القانون في مواجهة من يستجدي الناس بأية وسيلة، فيما وللأسف لا يوجد على المستوى الاتحادي قانون رادع لتلك الظاهرة، بما يستوجب أن يصدر المشرع تشريعاً اتحادياً يشمل الدولة عموماً، للمعاقبة على جريمة التسول، يتضمن عقوبات على وسائله وصوره المختلفة، حتى لا تتطور، وتزيد، وتصل إلى حد الظاهرة مستقبلاً .
وبالنظر إلى عموم المتسولين، نجد أنهم يستغلون المناسبات لدخول الدولة بتأشيرات زيارة وغيرها، لممارسة التسول، بطرق متنوعة وأحياناً مبتكرة، فمنهن من تحمل طفلاً وتدعي مرضه وحاجتها لمصاريف علاجه، ومنهم من يدعي العجز الجسدي، وغير ذلك، فيما هؤلاء ليسوا بمحتاجين أكثر منهم بمستغلي طيبة أبناء منطقة الخليج .
تشديد العقوبات
وقال المستشار أحمد النقبي القاضي في محكمة استئناف أبوظبي: قوانين الدولة تصدت للتسول الذي يعد ظاهرة غريبة على المجتمع، ويزداد في مواسم معينة، فيما لا تتراجع المحاكم عن إصدار أحكام رادعة بحق من يرتكب هذا الجرم، من خلال حبسه، وإبعاده عن الدولة، مع مصادرة الأموال المضبوطة معه، عدا أن للتسول عقوبة أخروية خلاف الدنيوية أيضاً، ومع ذلك فلا بّد من أن تتصدى الجهات الشرطية بحزم لهذه الظاهرة المؤسفة، وأن لا تتهاون مع أي ممن يتم ضبطه .
أما المستشار أحمد سيف رئيس المحكمة الجزائية في دبي فقال: الإبعاد وجوبي لكل متسول، ومن الوقائع التي نظرتها عندما كنت وكيلاً للنيابة، قضية خليجي تم ضبطه في قضية احتساء خمور، وبالمصادفة وحين دخوله غرفة التحقيق، ذكر لي سكرتير التحقيق الذي كان حاضراً لتسجيل أقواله، أنا أعرف هذا الشخص، فقد طلب مني المساعدة المادية مراراً، وبسؤاله أنكر بدءاً ومن ثم اعترف أنه كان يتسول بادعاء رغبته في العودة إلى دولته، وبأنه لا يملك ثمن تذكرة السفر، ومن هنا كانت الأيادي تمتد له بالمساعدة، في حين كان ينفق ما يحصل عليه، في شراء الخمور والمسكرات المختلفة .
والسبب في التجاوب المجتمعي مع المتسولين يعود إلى كون أفراد المجتمع عاطفيين بطبعهم، وعندما يسعى اليهم أي من أبناء الدول العربية، طالباً المساعدة، وبصحبته مثلاً زوجته وطفل، لا يتوانون عن إعانته والتعاطف معه، ومع ذلك فالجهات الشرطية في الدولة تتصدى للمتسولين، وتعمل على ضبطهم، كما تسارع الجمعيات الخيرية بمساعدة المحتاجين ضمن ضوابط تثبت حاجة المتقدم للمساعدة، إلا أن الأمر يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي، تجاه عدم التجاوب مع أي من المتسولين، لأن ذلك يسهم في استمرارهم في فعلتهم، والاعتماد على ما يجود به الآخرون عليهم، دون السعي للعمل والاعتماد على النفس .
والمفروض تشديد العقوبات، واعتبار هذه الفعلة جنحة تستوجب الحبس من شهر إلى 3 سنوات، وفقاً لتقدير القاضي، فضلاً عن وجوب توعية وتحذير أفراد المجتمع بعدم الانسياق وراء مشاعر التعاطف ومد اليد لأي متسول، حيث قد يستخدم الأموال التي يحصل عليها في أعمال غير قانونية .
التركيبة السيكولوجية
يوضح د . محمد رمضان رئيس قسم علم النفس في أكاديمية شرطة دبي، أن التسول هو فن إذلال النفس، وانعدام الكرامة لدى كل من يمد يده، وقال: المتسول شخص سيكوباتي اختار العدوان على أموال الآخرين، ونفوسهم، وأوقاتهم، باستخدام أساليب مختلفة من النصب المبطن طي زعم الحاجة والعوز، والمرض، والفاقه .
وعلاج السيكوباتي من المتسولين يكمن في توقيع العقوبة القانونية عليه، لكونه ليس بمريض عضوي، ولكنه اختار المرض النفسي في ثوب الذل والمهانة للنصب على الناس، وخداعهم بادعاءات غير حقيقية عن وضعه المادي أو الصحي المتردي .
ولا يجوز التعاطف مع المتسول مهما كان مبرر سؤاله الحاجة، لأن مسايرته ومساندته، تؤدي إلى استمراريته في طلب المساعدة، واتكاله على الآخرين في تسيير أمور حياته .
تأثير غير مباشر
عما إذا كان للتسول تأثير سلبي في الاقتصاد، قال د . أحمد البنا الخبير الاقتصادي: للتسول أضرار سلبية على الواقع الاجتماعي، حيث يعطي وجهة نظر خاطئة عن المجتمع الإسلامي والعربي عامة، والإماراتي خاصة، فيما ليس له تأثير مباشر في الاقتصاد، كونه في البداية والنهاية خياراً شخصياً ممن يقرر مساعدة المتسول .
ومع ذلك وربما كان له تأثير غير مباشر في بعض الجوانب الاقتصادية، ومن ذلك تحويل المتسول الأموال التي يقوم بتجميعها من أهل الخير إلى دولته، فيما يعكس التسول بشكل عام، وجهة نظر سلبية أمام المجتمع الدولي، ويجب أن لا نسمح به، في ضوء وجود جمعيات ومؤسسات خيرية، يمكن لغير المقتدر التوجه إليها لطلب العون والمساعدة من خلالها، حسب الأصول والقواعد المتبعة فيها .
التسول الهاتفي
لم يسلم أفراد المجتمع من التسول الهاتفي كذلك، إذ يتلقي الكثيرون رسائل هاتفية قصيرة، تبشر المتلقي بأنه ربح جائزة مالية قدرها مئة ألف درهم مثالاً، وربما أكثر، وقد يكون أقل، إلا أن الأهم هو أن مرسليها - وفي غالب هذه الرسائل - يطلبون تحويل مبالغ بعينها إلى أرقام حساب محددة في الرسائل الهاتفية، حتى يتم تحويل الجائزة للفائز بها، وفي ذلك أسلوب جديد للتسول المبطن، خلاف ما يشوبه من نصب واحتيال يتمثل في الإيهام بربح هذا المبلغ أو ذاك .
وهناك أيضاً الرسائل الهاتفية التي ترد إلى كثير من أفراد المجتمع متضمنة روايات مختلفة، منها ما تذكره إحدى مرسلات هذه الرسائل من أنها تقيم في الفندق الفلاني، وتعرضت للسرقة، ولم يعد بمقدورها تسديد نفقات إقامتها في الفندق، كما لا تمتلك قيمة تذكرة العودة لدولتها، وترجو متلقي رسالتها الهاتفية أن يرسل لها ما يساوي ما ذكرته، متعهدة بأنها سترد له لاحقاً ما سيدفعه . عن هذه الوسائل غير المشروعة، قال العقيد علي المطروشي مدير إدارة مراكز الشرطة الشاملة في عجمان: لقد تلقيت شخصياً الكثير من هذه الرسائل الهاتفية، من أرقام خارج الدولة، ومن ذلك سيدة أرسلت تسألني عما إذا كان الهاتف خاصاً باسم إحدى السيدات أو أنها مخطئة في الرقم، فرددت عليها كتابة بأنه خاص بأبو فلان الفلاني، فردت بالنص الآتي لاستدراجي لمساعدتها "جزاك الله خيراً لردك على رسالتي، وأسفة على الإزعاج، والله لو لم أكن في ورطة ما أزعجتك"، وبالطبع لم أرد عليها مستوضحاً طبيعة الورطة حتى لا أترك لها الفرصة للاستجداء، وطلب المساعدة .
ظاهرة غير حضارية
للتسول انعكاس سلبي على الواقع الاجتماعي والصحي للمجتمع إجمالاً، عن ذلك قال د . حسين عبد الرحمن وكيل وزارة الصحة المساعد لقطاع المراكز، والعيادات الصحية، ورئيس لجنة شؤون الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: التسول ظاهرة غير صحية، دخيلة على المجتمع، نتمنى زوالها، في ضوء ما وفرته الدولة من جهات خيرية عدة تعنى بمساعدة وإعانة المحتاجين، فيما يسهم التسول في عكس صورة غير صحيحة أو حضارية عن الدولة، أمام السياح الذين يفدون إليها .
كما يؤدي التسول إلى التواكل، والكسل عن السعي في سبيل لقمة العيش، والاعتماد من دون وجه حق على الآخرين، مما يشكل عبئاً اجتماعياً، يستلزم أن تضع الجهات المختصة ضوابط مشددة لمنع تفشي هذه الظاهرة السلبية، وأيضاً لابد من وضع ضوابط للقادمين إلى الدولة بتأشيرات زيارة وسياحة، تفرض على ان يكون لدى كل منهم تأمين صحي في دولته، وشهادة تثبت خلوه من الأمراض، حتى لا يكون ناقلاً لها في الدولة .
الموقف الشرعي
نهى الشارع الحكيم عن التسول، ودعا إلى التعفف، والتزود بعزة النفس، وفي ذلك قال د . سيف الجابري مدير إدارة البحوث بدائرة الشؤون الإسلامية في دبي: يلجأ البعض إلى احتراف التسول بذكاء ودهاء، لأخذ أموال الناس بالباطل، لاسيما مع اعتقاد عدد من هؤلاء حقهم في المال الذي في يد غيرهم، لذا يسعون وراء الحصول عليه بطرق ملتوية تندرج جميعها في خانة التسول .
وقد وجب على أفراد المجتمع كافة أخذ الحذر من المتسولين الذين أصبحوا يتبعون طرقاً جديدة للحصول على المال، حيث قد يأتي الواحد منهم في صورة تاجر، أو متعفف، أو يوهم الناس بأنه من أهل الابتلاء، أو غير ذلك، بما يستوجب من الجميع بألا يكونوا صيداً سهلاً، أو لقمة سائغة في فم أي من هؤلاء النصابين .
وقد نهى الشارع الحكيم عن مد اليد بالمساعدة لهؤلاء الأناس غير المتعففين، حيث هناك العديد من القنوات الخيرية الشرعية التي يمكن إخراج الصدقات لها، لتوجيهها للمحتاجين بالفعل، ولإنفاقها في المصارف ذات الصدقية، وعلينا ونحن على مشارف رمضان، وهو شهر الطاعات، إنفاق الصدقة في مكانها الصحيح، وعدم التعاطف مع أي ممن يتحايلون بصور مختلفة للحصول على المساعدات .
زائرون يتسوّلون بالإعاقة السمعية
العين - منى البدوي:
يستغل البعض الطبيعة الخيرة التي تصبغ أفراد المجتمع المحلي وتعاطفهم الكبير وحرصهم على مد يد العون للآخرين من المعوزين، عن طريق خلق حيل وأساليب تثير العاطفة وتدفع أفراد المجتمع نحو تقديم الأموال لهم، حيث يقوم أفراد يدعون أنهم من فئة الصم باعتراض المارة في الشوارع العامة وتقديم كتيب يتضمن بعض الإشارات العربية للصم، ومزودة بعبارات مدونة باللغتين العربية والإنجليزية، تشير إلى أن الشخص الماثل أصم، ويقوم ببيع النظام التعليمي للصم، بهدف كسب العيش مع تذييلها برجاء شراء البطاقة ودفع أي قيمة مادية مقابلها مع إضافة آية قرآنية تحث على الإنفاق . ودعت جمعية الإمارات للصم كافة أفراد المجتمع المحلي التعاون للقضاء على هذه الظاهرة، من خلال عدم التعامل مع الأشخاص الذين يقومون باستغلال الإعاقة السمعية في جمع التبرعات المادية عن طريق توزيع كتيبات أو بيع منتجات أو غيرها والذين أغلبهم قدموا للدولة عن طريق تأشيرات زيارة بهدف التسول، مؤكدة أن فئة الصم تحظى في ظل الحكومة الرشيدة لدولة الإمارات باهتمام مادي ومعنوي كبيرين، وتوفر لهم كافة سبل الحياة الكريمة .
وأكد عبدالله إسماعيل أمين عام جمعية الإمارات للصم، ضرورة تعاون أفراد المجتمع في القضاء على هذه الظاهرة التي تعتبر دخيلة على المجتمع المحلي وتسيء إلى فئة الصم التي تقدم لها الحكومة الرشيدة دعماً مادياً كبيراً يكفل العيش الكريم لهم، إضافة إلى ما تحظى به هذه الفئة من الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية الكاملة، موضحاً في الوقت نفسه أن دعم هذه الفئة يتم من خلال القنوات الرسمية المحددة والمعنية بفئة الصم، وليس عن طريق التسول الذي يعتبر من المظاهر المنبوذة دينياً واجتماعياً .
العقوبات المقررة
عن ماهية العقوبات التي يتم توقيعها على المتسولين، قال المحامي أحمد الزعابي عضو المجلس الوطني الاتحادي: يوجد قانون رقم 15 لسنة 1975 الصادر في أبوظبي في شأن جريمة التسول، والذي يعاقب بالحبس شهرين، والغرامة 500 درهم لمن يضبط متسولاً، وهناك الأمر المحلي لمكافحة التسول رقم 43 لعام 1989 الصادر عن سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم بصفته رئيس بلدية دبي، والذي تضمن مواد عدة في هذا الصدد، ففي المادة رقم ( 3) من العقوبات التي تضمنها نص على أن كل شخص صحيح البنية ضبط متسولاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهراً واحداً، وبغرامة لا تتجاوز 3 الآف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين .
ونصت المادة رقم (4) من الأمر المحلي على أن كل شخص غير صحيح البنية وجد متسولاً، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 15 يوماً، وبغرامة لا تتجاوز 1500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، فيما نصت المادة رقم (5) على أنه إذا كان المتسول أجنبياً أمرت المحكمة بإبعاده، أما المادة رقم ( 6) فنصت على أنه إذا عاد المحكوم عليه لارتكاب جريمة التسول خلال سنة من صدور الحكم عليه، يعاقب بالحبس مدة لاتتجاوز شهرين، وبغرامة لا تتجاوز 5 الآف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وقد عرف المشرع التسول بأنه عرض سلعة تافهة، أو العاب بهلوانية لا تصلح كمورد جدي للعيش، أو اصطناع الإصابة بجروح، أو بعاهات، أو استعمال أية وسيلة أخرى من وسائل الغش، بقصد التأثير في الغير لاستدرار عطفه، وهذه الظاهرة متفشية في الشوارع، ووصلت إلى حد دخول المتسولين إلى بعض أماكن العمل، وطلب المساعدة من الموظفين، لذا فمن الضروري وجود عقوبات أشد، وعلى صاحب الحاجة اللجوء إلى الجمعيات الخيرية، فيما وللأسف كثير من المتسولين يجلبون أطفالاً من خارج الدولة، كدول شرق آسيا، وغيرها من الدول التي تعاني مشكلات، للتسول بهم، وهذا الأمر يعاقب عليه قانون حماية الطفل (وديمة) في المادة ( 68)، والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن 20 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أي حكم من أحكام المادة رقم ( 38) فقرة (1) من القانون، التي تنص على أنه يحظر استغلال الطفل في التسول .
الخليج الامارتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.