مبادرة الابراهيمي والفوضى الدمويةالسيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي غادر دمشق عائدا الى لبنان برا بعد لقائه بالرئيس بشار الاسد ومناقشة مبادرته السياسية التي يعتقد انها الفرصة الاخيرة لحل الازمة السورية. مجيء الابراهيمي الى دمشق ومغادرتها عن طريق البر تجنبا لمطار دمشق بسبب الاخطار الامنية، يعكس صعوبة الاوضاع في العاصمة السورية نتيجة لاختراق المعارضة المسلحة لاحياء عديدة، واقتراب الاشتباكات من قلب العاصمة. خطة السيد الابراهيمي التي حملها معه الى موسكو يوم امس تقوم على اساس بقاء الرئيس الاسد في السلطة حتى نهاية ولايته في عام 2014، على ان تتولى مقاليد الحكم في البلاد حكومة وحدة وطنية بصلاحيات قوية خلال فترة انتقالية تنتهي بعد اجراء الانتخابات الرئاسية. السيد الابراهيمي يتكتم على تفاصيل مبادرته ورد الرئيس السوري على بنودها، وما اذا كان سيقبل ان يكون رئيسا بلا صلاحيات حتى انتهاء ولايته، وان يعتزل الحياة السياسية بعد ذلك؟ سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الذي يعتبر المسؤول الاول عن ملف الازمة السورية يتحدث في مؤتمراته الصحافية، عن ضرورة التمسك ببيان جنيف الذي صدر عن مجموعة العمل الدولية حول الازمة السورية، وهذا البيان ينص على الانتقال السلمي للسلطة، ولكن النقطة الخلافية فيه تتعلق بما اذا كان هذا البيان ينص صراحة على تنحي الرئيس الاسد. فالتفسير الامريكي يقول بالتنحي، بينما يرى نظيره الروسي عكس ذلك تماما. من الواضح ان مجموعة دول اصدقاء الشعب السوري برئاسة الولاياتالمتحدة تجاوزت 'بيان جنيف' كليا، وتعمل الان على تسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة يمكن ان تقلب الموازين، وتعجل بسقوط النظام. ولذلك كان لافروف مصيبا عندما اتهم هذه الدول بالازدواجية في خطابها، اي انها تؤيد الحل السياسي علنا وتعمل على تأجيج العمل المسلح على الارض والتحريض على مواصلة الحرب. النقطة الاهم في تصريحات لافروف تتمثل في قوله ان البديل للحل السياسي هو الفوضى الدموية، لان الحسم العسكري في سورية لصالح هذا الطرف او ذاك غير مضمون، فالبلاد دخلت في حرب اهلية طائفية حسب تقديرات الاممالمتحدة. الفوضى الدموية بدأت فعلا، فهناك عدة جهات تحارب النظام اولا، وتتنافس فيما بينها في الصراع على السلطة ثانيا، فحتى لو تم التوصل الى حل سلمي فان التطبيق لن يكون سهلا. فاذا كان الائتلاف السوري الذي يشكل مظلة لمعظم فصائل المعارضة المسلحة وغير المسلحة يتطلع الى قيام دولة علمانية تحفظ حق الطوائف والعرقيات على قدم المساواة مع الاغلبية السنية، فان الجماعات الجهادية المسلحة ترى عكس ذلك تماما، وترىد اقامة دولة اسلامية سلفية الطابع والممارسة. فرص الحل السياسي السلمي تتراجع بشكل متسارع وقوة الجماعات الجهادية تتعزز يوما بعد يوم في ظل استمرار الصراع، ولهذا نعتقد ان فرص نجاح مبادرة الابراهيمي محدودة للغاية، فهل تقبل القوات المسلحة السورية الخضوع للحكومة الانتقالية الجديدة والشيء نفسه ينطبق على المؤسسة الامنية؟ الطريق لحل الازمة السورية طويل ومظلم ولا يبدو ان هناك ضوءا في نهاية نفقه، والفوضى الدموية هي الثابت الوحيد المتوقع، والسؤال الوحيد الذي لا يملك احد الاجابة عليه، في السلطة او المعارضة، هو الى متى تستمر هذه الفوضى؟