ترجع أهمية التحف الإسلامية المعروضة بقاعات متحف الآثار بقرطبة ليس فقط إلى أنها تعطي ذاكرة واضحة عن نتاج الحفائر الأثرية في قرطبة والحاضرة الملكية "الزهراء"، التي أنشأها عبدالرحمن الناصر لدين الله ثامن أمراء أمويي الأندلس، وأول من تسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين في الأندلس بقربها، ولكن لأنه يعبر أيضا عن تواصل التقاليد الفنية بين الأندلس والمغرب، ثم استمرار هذه التقاليد بعد سقوط غرناطة في نهاية القرن 15م على أيدي من بقي بالأندلس من الصناع المسلمين، والذين عرفوا ب"المدجنين" لإرغامهم من قبل السلطات الكنسية على إخفاء عقيدتهم الإسلامية فرارا بأرواحهم من اضطهاد محاكم التفتيش. أحمد الصاوي (القاهرة) - يقع متحف الآثار في قرطبة في أحد أهم شوارع هذه المدينة الأندلسية التي كانت في أيام مجيدة مضت حاضرة للخلافة الأموية الغربية. وبدأ إنشاء المتحف بتكوين أول مجموعاته في عام 1844م عندما شرعت الحكومة الإسبانية في جمع القطع الأثرية من الأديرة لتودعها في مبنى كلية العذراء تحت مسمى متحف الفنون الجميلة. وفي عام 1849م نقل هذا المتحف بمقتنياته إلى مقر مجلس مقاطعة قرطبة، ونقل ثانية في عام 1861م بعدما تضخمت مقتنياته إلى مقر أحد المستشفيات الخيرية، ثم تم فصل المقتنيات ذات الطابع الأثري عن غيرها من المقتنيات الفنية لينشأ بذلك متحف الآثار بقرطبة في عام 1868م في "بلازا دي سان خوان"، ولكنه ما لبث أن نقل إلى منزل "بوسكو فيلا سكيز" القائم اليوم في شارع صموئيل دي لوس سانتوس بقرطبة. تطور ملحوظ تسمية الشارع باسم صموئيل دي لوس سانتوس جاءت تقديرا لدور هذا الرجل في العمل من أجل حماية مقتنيات المتحف من مخاطر الحرب الأهلية الإسبانية بنقلها لمقرها الحالي في قصر كاستيلو خودي باييز، وهو أحد قصور عصر النهضة في إسبانيا. ولم تتوقف جهود صموئيل عند هذا الحد بل سعى لجرد المقتنيات وتصنيفها بدقة مع زيادة أعدادها بفضل الحفائر التي نفذت في غير موقع من قرطبة القديمة. وشهدت الفترة بين عامي 1959 و1987 م، وبفضل عناية "فيسنت آنا ماريا" تطورا ملحوظا في عمل المتحف بفضل التدفقات المالية، التي مكنته من تكوين واحدة من أكبر المكتبات المتخصصة في الآثار وإصدار دورية علمية شهيرة " آثار قرطبة". وبدءا من عام 1992 شرع متحف الآثار بقرطبة في تنفيذ خطة تطويرية استغرقت نحو ست سنوات لتهيئة المتحف لاستيعاب مقتنيات جديدة وأداء العديد من الأدوار العلمية والتعليمية والثقافية. ويحتوي مبنى المتحف عدة قاعات موزعة على طابقين، وتطل تلك القاعات على بعض الأفنية وتشمل مقتنيات متحف قرطبة مجموعة مهمة من التحف التطبيقية التي تنتمي لعدة فترات تاريخية من عمر هذه المدينة العريقة. فهناك إلى جانب الآثار الأندلسية الإسلامية آثار من عصور ما قبل التاريخ ومقتنيات من الفنون التطبيقية التي ازدهرت في قرطبة في عصورها الإيبيرية والرومانية والقوطية وحتى عصر النهضة الأوروبية. ... المزيد